النسيان يلتهم شهداء الأمس و اليوم

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/taabiinle030714.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم حاتم الكسيبي

ما بال قوم ينسون شهداءهم كما ينسون زلات لسانهم أو آثامهم التي اقترفتها جوارحهم في يوم من الأيام. كيف يضيع مجدهم و تضيع دماؤهم التي لونت العلم المفدى فصار أحمر قانيا مرتفعا مرفرفا في السماء يشهد لهم بالتضحية و ايثار النفس في سبيل أن نسعد ونتمتع بخيرات هذه البلاد. ماذا قدم الأحياء للشهداء كعربون اعتراف بالجميل وتمجيد لجليل الاعمال التي قدموها و للمناقب التي آثرتهم على غيرهم من العامة فاختارتهم السماء ليسكنوا علياءها و ينالوا مراتب الشهداء.





قدّم بلدي شهداء كثيرين منذ سالف الأزمان نصرة للحق و انتصارا لهذه الرقعة الخضراء التي باركها الله فجعل أهلها أهل سلم و سلام ولكنهم لا يرضون نير الاستعمار والاستعباد والاستبداد. قدّم بلدي شهداء عبر التاريخ فاشتهر من اشتهر وطمست أسماء أخرى غيّبها التاريخ. ربما نعود للنصف الثاني من القرن التاسع عشر في عهد عصور الاصلاح حين بدأنا في اللهث نحو الحضارة المتمدنة لننال من خيراتها و من مساوئها. لنذكر لمّا ثار بن غذاهم فأعمل فيهم الباي القتل والتقتيل. لقد ماتوا ودخلوا طي النسيان فكان الأجداد اهل جحود ونكران للجميل ولم يخلد الا النزر القليل من أسمائهم التي اعتمدت لبعض الازقة والساحات النائية في الأرياف. قدّم بلدي أيضا دفعة ثانية من الشهداء لما دكّت القوات الاستعمارية الفرنسية أسوار البلد فقتلت الآلاف وانتظم الثوار والوطنيون للدفاع عن هذا البلد ثم كانت أحداث الزلاج و التراموي والتاسع من أفريل يوم طالب المحتجون ببرلمان تونسي فنالهم الرصاص وارتفعت الأرواح تعانق أرواح شهداء الأمس. راحت هذه المجموعة الثانية من الشهداء في غيابات النسيان و رحنا نذكر المرحوم البلهوان بكل تجرد دون أن تُقدّم ولو لمرّة تكوينه وقصة نضاله. خلّد الآباء أسماء بعض شهداء التاسع من أفريل وغيرها من الأحداث باطلاقها على بعض الساحات والمنتديات وبقيت باهتة منحصرة في مجرد التسمية بينما استأثر أحياء زمانهم بالشوارع الفخمة الرئيسية و بالمسارح والمدن وصك العملة. و عاصرت تلك الحادثة حقبات تاريخية مهمة نال فيها الاغتيال و التصفية عديد وجوه النضال الوطني فارتفعت روح الشهيد حشاد وروح الشهيد شاكر و شهداء الميدان الدغباجي و جربوع وغيرهم كثر ولكنّ أحياء زمانهم قصّروا في تمجيد أسمائهم و تزوير تاريخ النضال ضد الاستعمار فنسيهم الاعلام المسموع في ذلك الوقت ونسيهم الاعلام المرئي المعاصر و شحّت الكتب في ذكر مناقبهم.
يصيبني الغثيان لسرعة نسيان رهيبة كانت تعمّر في أذهان الأجداد والآباء فمجّدوا شخصا أو ربما اثنين و نسوا مئات دفعت الثمن غاليا حبا للوطن و دفاعا عن حريته. لم نسلم من هذا العيب فأصبنا بنفس الداء ونسينا عبر الأيام والأشهر والعقود شهداء الاستبداد الذين قضوا في سجون الدولة الفتية: يوسفيون، يسار، قوميون، زيتونيون وغيرهم عديدون. لقد كان ينتابهم الحلم الذي راودنا أيام الثورة فحلموا بالعدالة والحرية والكرامة ولكن السياط و الدهاليز قضت عليهم فدخلوا طور النسيان. لقد واصلنا بنفس تلك الخاصية المنكرة فتناسينا شهداء الخميس الأسود و شهداء الاسلاميين و اليسار والحوض المنجمي فلم تخلد في الذاكرة الوطنية تلك الأسماء بل تباهت بها الأحزاب والتيارات و ظلت حكرا لها كل يدعو لشهدائه و ينكر تلك المرتبة على غيره. بقينا وطنا بزعامة متفردة و بضعة شهداء نردد مجرد أسمائهم و لا نعرف من هم و لا نعرف غيرهم.
لم تنجُ الثورة و شهداؤها الأبرار من داء النسيان العضال فغيبت الأسماء و بقيت مجرد أرقام لم تحدد بعد في عامها الخامس. ربما فاز البوعزيزي بالعرفان و التمجيد لمّا كان رمزا للثورة لأيام و شهور ثم تناسته وسائل الاعلام و راحت تبين عورات الثورة و ترغّب في العودة الى الوراء وكأننا أخطأنا الطريق و بات لزاما العودة للطريقة القديمة حيث ينسى الشهداء ولا تخلّد الاّ ما اختار القادة من الأسماء. راحت الثورة وراح شهداؤها وامتدت آفة نكران جميل لمن ضحّى بدمائه وحياته الى قواتنا المسلحة التي نال الارهاب من بعض عناصرها ثم مثّل بهم. لقد ذكرها الاعلام كمجرد أسماء مرّة ومرّتين ثم انقضى ذلك الأمر ودخل الأرشيف كغيره من قوائم الأعلام التي عالجناها بالنسيان. أي قوم نحن؟ هذه شعوب تمجد أبناءها الذين قضوا نحبهم في سبيل الوطن منذ مئات السنين. ليست اسما واحدا كما يراد لنا بل أسماء عديدة لا زال يذكرها التاريخ عندهم و ترصّع على خدود الأنهج المكتظة والشوارع الواسعة و ترسم صورهم على الاوراق النقدية اعترافا بالجميل. رحم الله شهداء الأمس واليوم و أسكنهم فراديس الجنان. هم باذن الله في أعلى عليين عند حكيم مقتدر لا يصيبه نسيان و لا تضيع عنده مثقال ذرة فليتقبلهم الله شهداء و ليمنحهم منزلة الشهداء فيرافقون الأنبياء ويدخلون الجنة بغير حساب.



Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 103104

Kamelsaidi  (Tunisia)  |Vendredi 10 Avril 2015 à 17:59           
للاسف بورقيبة و جماعة عميل فرانسا ركبو على الاحياء و الاموات ...

KhNeji  (Tunisia)  |Vendredi 10 Avril 2015 à 08:39           
La marginalisation non seulement des martyres mais aussi de toute l'histoire du pays était une politique bien étudiée par celui qu'on appelait le combattant suprême avec la complicité de la bande qui l'entourait.


babnet
*.*.*
All Radio in One