الإرهاب، المافيا والإمبرياليّة

أبو خليل
بعد الأحداث الإرهابيّة قبل الأخيرة كان تعامل التونسيّين مختلفا على ما نعيشه اليوم بعد عمليّة باردو الإرهابيّة و نتمنّى أن يعطي هذا التغيير أكله. ولا أريد إصدار لاحكم ولا تقييم حول هذا التمشّي الجديد. ذلك، أنّه في كل ما هو اجتماعي و سياسيّ، ليس هناك لا ثابت ولا نهائي، كلُّ شيء قابل لإعادة التقييم والتحليل. و هكذا، ترتقي كلّ التحاليل المختلفة إلى نفس درجة الصحّة ولو تفاوتت في درجة الواقعيّة، فالتقييمات والتحاليل في معظمها رهينة الظروف و وليدة خلفية المحللين. لكن عندما أتحدّث مع المواطنين الذين عاشوا الحقبة النوفنبريّة ورغم اختلاف مشاربهم السياسيّة التي تغطّي تقريبا كلّ الطيف الموجود في مجتمعنا يتمحور الحديث عموما حول ما نعيشه في تونس سياسيّا واجتماعيّا: هل هو معقول، هل هو طبيعيّ، هل هو مقبول، هل هو إضطراريّ أو هل هو جزافيّ وهل هناك أمل. ويطول الحديث و يتشعّب وفي الأخير، يجتمع الرأي، على بعض الأمور التي قد تفسّر الصعوبات الكبيرة التي تعيق التحوّل وتترك بابا للأمل.
بعد الأحداث الإرهابيّة قبل الأخيرة كان تعامل التونسيّين مختلفا على ما نعيشه اليوم بعد عمليّة باردو الإرهابيّة و نتمنّى أن يعطي هذا التغيير أكله. ولا أريد إصدار لاحكم ولا تقييم حول هذا التمشّي الجديد. ذلك، أنّه في كل ما هو اجتماعي و سياسيّ، ليس هناك لا ثابت ولا نهائي، كلُّ شيء قابل لإعادة التقييم والتحليل. و هكذا، ترتقي كلّ التحاليل المختلفة إلى نفس درجة الصحّة ولو تفاوتت في درجة الواقعيّة، فالتقييمات والتحاليل في معظمها رهينة الظروف و وليدة خلفية المحللين. لكن عندما أتحدّث مع المواطنين الذين عاشوا الحقبة النوفنبريّة ورغم اختلاف مشاربهم السياسيّة التي تغطّي تقريبا كلّ الطيف الموجود في مجتمعنا يتمحور الحديث عموما حول ما نعيشه في تونس سياسيّا واجتماعيّا: هل هو معقول، هل هو طبيعيّ، هل هو مقبول، هل هو إضطراريّ أو هل هو جزافيّ وهل هناك أمل. ويطول الحديث و يتشعّب وفي الأخير، يجتمع الرأي، على بعض الأمور التي قد تفسّر الصعوبات الكبيرة التي تعيق التحوّل وتترك بابا للأمل.

سياسيّا، هناك قناعة أنّ الثورة هي تعبير، يكاد يكون غريزيّا، لشعبنا الذي ارتفعت درجةُ فهمه لحاله ولمحيطه القريب والبعيد دون أن يقدرعلى التاثير في الأحداث بما يضمن له الحرّية والعيش الكريم. و قامت الثورة وحدث بعدها ما حدث، كتبنا لتونس دستورا مقبولا و اخترنا لبلادنا نظاما سياسيّا مزدوجا، صعب التنفيذ. وللأسف الشديد انحدر هذا النظام إلى نظام توافقى بين قيادات القوى الفاعلة والسبب أنّ القواعد الشعبيّة الناخبة، صاحبة السلطة الأصليّة مبدئيّا، و إن كانت ارتقت إلى اكتساب مفهوم المطلبيّة، فهي لم تكتشف بعدُ، بالدقّة الكافية، مفهوم المسؤوليّة والمتابعة، وللإتّحاد العام التونسيّ للشغل مسؤوليّة تاريخيّة في هذا المضمار.
للأسف، قد يكون هذا هو الشكل الممكن حاليّا للتفاعل مع الثورة، و قد يكون حلقة ضروريّة في انتظار ارتفاع الوعي الشعبيّ القاعدي بالديمقراطيّة علما أنّ هذا الشكل لا يرتقي إلى مستوى مطمئنا، و يفتقر أيضا لمقوّم أخلاقيّ مريح.
أمّا على المستوى الإقتصادي فالتوصيف يشتمل على أمرين: فمنذ أكثر من ثلاثين سنة، حافظ منحني مؤشّراتنا الإقتصاديّة على معدّل ميل سلبيّ باسنثناء بعض الفترات القصيرة وذلك لأسباب داخليّة وخارجيّة يمكننا التعرّف عليها بدون القدرة على التحكّم فيها. وكلّ من حكم البلاد خلال هذه الفترة، قبل وبعد الثورة، كان أقصى ما يصبو إليه هو تخفيض القيمة المطلقة لهذا الميل المقلق آملا أن يصبح إيجابيّا. وهذا يفسّر سعي نداء تونس للتملّص من مسؤولية التسيير الفردي و بالتالي لا ينبغي تعليق آمالا كبيرة على حكومة الصيد خصوصا بعد أن تبيّن إخفاق حكومة التكنوراط على كلّ الأصعدة تقريبا.
والأمر الثاني الذي ليس فيه اختلاف كبير هو أنّ تونس حُكمت أثناء الحقبة النوفنبريّة ب مافيا منظّمة ومهيكلة بطريقة مكيافيليّة لا تموت فيها الدجاجة التي تبيض ذهبا ، فكانت السلطة الجائرة تترك هامشا اقتصاديّا للشعب المستعبد حتّى يواصل الكدح للحصول على القوت ويشارك صاغرا في ملء جيوب عناصر المافيا الحاكمة. جاءت الثورة وأزاحت والحمد لله رأس السلطة فتشتّتت المافيا بدون أن تموت. و في جوّ الحرّية، أهم مكتسبات الثورة، نجحت تلك المافيا في التمركز من جديد بدون أن تمتلك السلطة فأضحت تخشى تمكّن هذه السلطة منها فتقضي عليها، الشيء الذي يجعلها غير مكترثة بقتل الدجاجة وهذا ما نحن بصدده. هذه المفارقة قد تفسّر القبول بعودة شيء من العهد البائد في أوساط عديدة و خاصّة بين قيادات القوى الفاعلة.
على المستوى الدبلوماسي و الجيوسياسي، اكتشف كلّ تونسيّ، مهتمّ بالموضوع، أنّ هناك إخطبوطا كبيرا يسمّيه البعض الإمبريالية العالميّة أو القوى العظمى أو أسماء أخرى، يمتلك أدواتا متعددة وقويّة للتحكّم في مجريات العصر و لا يتركنا هذا الإخطبوط لحالنا، كما يقال، لأنّ له أجندات إقليميّة طاغية لا يقبل لها بديل. وينقسم السياسيّون التونسيّون إلى برقماتيّين يقبلون اللعب في هامش هذه الأجندات ويترصّدون الفرص السانحة للتمكّن من كسب بعض مصالح الوطن وإلى مبدئيّين يراوحون مكانهم شاهرين مبادئهم ومنددين بالإخطبوط والمتملّقين له حسب تعبيرهم.
وإذا كنّا نحن المواطنون نشارك بالكلام والتحاليل والتعاليق فالأمر يبقى عشوائيّا لكن هناك بالتوازي مكنة الإعلام التي تتحرّك بأجندات مضبوطة و مؤثّرة فيما نخوض فيه. وإعلامنا هذا في معظمه من عبيد المافيا ، فهو لا يتورّع في تنظيم حملات تجييش مريبة وحملات تشكيك مبطّنة حول مجهودات الدولة.
الأمر المخيف هو أنّ مكنة الإمبرياليّة من جهتها تُجنّد لها أيادي داخل الدول المستضعفة تختارها من بين عناصر المافيات المحلّية ورجال الأمن عديميّ الضمير و ذلك في إطار تبادل المصالح.
وحسب هذا المنظور يمكن تفسير الإرهاب كواحد من إفرازات هذه التجاذبات و إذا ما أرادت الدولة التغلّب عليه فلا مناص لها من ضرب المافيات بصفة قويّة ومباشرة كلّفها ذلك ما كلّفها.
وحسب تقديري فإنّ تنظيم مسيرة يوم الأحد 29-03 ، علاوة على قيمتها السيكولوجيّة، ستكون بمثابة التاييد الشعبي للحكومة بما يسمح لها باتّخاذ تدابير جدّية في الإتّجاه الصحيح.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 102412