تونس: كلمة رئيس الدولة لدى اختتامه الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية

<img src=http://www.babnet.net/images/5/carthage.jpg width=100 align=left border=0>


القى الرئيس زين العابدين بن علي، لدى اختتامه صباح السبت الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية، كلمة .

وفي ما يلى النصا الكامل لكلمة رئيس الدولة:

...


"بسم الله الرحمان الرحيم
السادة والسيدات السفراء ورؤساء البعثات القنصلية،
أيها السادة والسيدات،
نختتم اليوم أشغال ندوتكم السنوية التي نحرص على انتظام انعقادها، في إطار عنايتنا المستمرة بالدور الموكول إلى الدبلوماسية التونسية، وما نوليه من أهمية لدفع نشاطها، وتطوير أدائها، خدمة لمصالح تونس، وتعزيزا لمكانتها وإشعاعها، على الساحتين الإقليمية والدولية.
وقد تابعت باهتمام أشغالكم حول "تفاعل الدبلوماسية مع انتماءات تونس العربية والإفريقية والمتوسطية خدمة لمصالح بلادنا السياسية والاقتصادية والتنموية" ، وكذلك بشأن "العناية بالأجيال الجديدة لجاليتنا بالخارج وتطوير آليات العمل القنصلي وأساليبه". ويعكس اختيار هذين المحورين حرصنا على مضاعفة الجهود لتحقيق التطور النوعي لأداء دبلوماسيتنا، وسعينا المتواصل إلى دعم حضور تونس في الفضاءات التي تنتمي إليها، وتعزيز الإحاطة بجاليتنا بالخارج التي تبقى دوما في قلب الوطن.
إننا نريد أن تكون دبلوماسيتنا قادرة على خدمة مصالح بلادنا، والدفاع عن اختياراتها وتوجهاتها، وإثراء رصيد الثقة والاحترام والمصداقية التي تحظى بها بين الأمم. ونحن نعتمد في ذلك على مقاربة واقعية ومتزنة، تقوم على احترام المواثيق الدولية، وتكريس مقومات السلم والآمن في العالم، والتواصي بالحوار والتعاون والتضامن في العلاقات الدولية.
وقد نجحت بلادنا في الحد من التأثيرات السلبية للأزمة العالمية الأخيرة، بفضل سلامة توازناتها المالية والاقتصادية والاجتماعية، وصواب سياستها التنموية، وحسن تعاملها مع تداعيات هذه الأزمة. واستطعنا تحقيق المزيد من المكاسب لبلادنا في المجالات التنموية ودعمنا مراتبها المتقدمة عربيا وإفريقيا، كما أكدتها المنظمات والمؤسسات المختصة، على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وكانت السنة المنقضية حافلة بالإنجازات الهادفة إلى دفع المسار الديمقراطي التعددي، حيث كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في سنة 2009 والانتخابات البلدية في سنة 2010، تكريسا للثوابت والخيارات السياسية التي أقمنا عليها مشروعنا الحضاري الشامل، وفي مقدمتها تأمين فرص المشاركة في الشأن العام أمام سائر التونسيين والتونسيات.
وفي هذا السياق تتنزل مبادرتنا بإحداث "برلمان الشباب"، تعزيزا لفرص المشاركة أمامه، وترسيخا لثقافة الحوار والتمرس بمبادىء الدستور وقيم الجمهورية. وقد تولينا بمناسبة احتفال بلادنا بعيد الجمهورية يوم 25 جويلية الفارط إعطاء إشارة الانطلاق لهذا البرلمان التعددي الذي يعكس تنوع الإنتماءات السياسية والفكرية بين أعضائه.
وتواصلا مع هذا التوجه، وضعنا للمرحلة المقبلة برنامجنا الشامل والمتكامل "معا لرفع التحديات"، حتى نرتقي ببلادنا إلى مستوى أعلى من النمو والتقدم. وخصصنا للدبلوماسية التونسية محورا من هذا البرنامج، اعتبارا للدور المهم الذي تضطلع به في تحقيق أهدافنا الوطنية.
وإن التفاعل الإيجابي للدبلوماسية التونسية مع محيطها الدولي، يملي علينا إتباع أقوم المسالك في التعامل مع مختلف المستجدات السياسية والتنموية، في إطار التمسك بمصالح تونس العليا وباستقلالية قرارها، والحفاظ على اختياراتها المبدئية، ونخص بالذكر منها صيانة الحريات العامة، وتكريس حقوق الإنسان، وتوخي سبيل الاعتدال والتسامح، واعتماد أسلوب الحوار والوفاق، ونبذ كل مظاهر التطرف والإقصاء والعنف. أيها السادة والسيدات، يظل الفضاء المغاربي فضاء استراتيجيا لبلادنا حيث تجمعنا بشعوبه أواصر القربى والتاريخ، وعلاقات الجوار والمصالح المشتركة.
وقد عملت تونس على استحثاث الخطى على درب التكامل والاندماج الاقتصادي بين الدول المغاربية. وهي حريصة على الإسراع بإقامة المنطقة المغاربية للتبادل الحر، ووضع الآليات الكفيلة ببلوغ هذه الغاية، على غرار تركيز المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية وكل ما من شأنه أن يسهم في دعم قدرات بلداننا على مجابهة التحديات الدولية الراهنة والذود عن مصالح شعوبنا.
أما على الصعيد العربي، فنواصل تطوير علاقاتنا مع أشقائنا، والارتقاء بالعمل العربي المشترك في سائر الميادين، من أجل إضفاء المزيد من النجاعة في التعاطي العربي مع القضايا الجوهرية، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دولنا.
وإذ نؤكد دعمنا الثابت والمبدئي للقضية الفلسطينية، فإننا نجدد بالمناسبة الإعراب عن انشغالنا العميق إزاء تعثر مسار السلام، وتنكر إسرائيل للشرعية الدولية، ومحاصرتها للشعب الفلسطيني، واستيلائها على أراضيه لإقامة المستوطنات، ومحاولة طمس الهوية العربية الإسلامية لمدينة القدس الشريف.
ونهيب بالمجموعة الدولية، لا سيما منها أعضاء اللجنة الرباعية الدولية، أن تتحرك بالسرعة التي يتطلبها الظرف، لإيجاد حل عادل ودائم وشامل للنزاع القائم، على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومرجعيات العملية السلمية، ومبادرة السلام العربية. وتبقى تونس على استعداد للإسهام في كل الجهود الجدية المخلصة الرامية إلى التوصل إلى الحل السلمي المنشود.
كما نجدد حرصنا على دفع العمل الإسلامي المشترك، والارتقاء بعلاقات التعاون مع الدول الإسلامية الشقيقة إلى أفضل المراتب.
أما على الصعيد الإفريقي، فقد أولينا عناية خاصة بتطوير علاقاتنا مع سائر البلدان الإفريقية، بما ينسجم مع انتمائنا الإفريقي ويمهد السبيل لإرساء علاقات تشاور وتعاون وتكامل شاملة ودائمة بين دول قارتنا. ونحن نعول على دبلوماسيتنا في استكشاف فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع مختلف البلدان الإفريقية، اعتبارا للتطور الذي يشهده نسيجنا الاقتصادي في شتى المجالات.
كما أننا مدعوون إلى مضاعفة جهودنا لتوظيف خبرات بلادنا في الميادين التنموية ضمن إطار التعاون الثلاثي مع دول القارة وسائر الأطراف، وبالاستناد إلى ما يوفره شركاؤنا من الدول الآسيوية والأوروبية من تمويلات، وما تعتمده المنظمات والمؤسسات الدولية من برامج للمساهمة في تنمية القارة.
ويشكل الفضاء الأوروبي مجالا حيويا واستراتيجيا لعلاقاتنا الخارجية، بحكم الجوار والمصالح والروابط الوثيقة والمتنوعة التي تجمع بلادنا بأوروبا. وهو ما يحفزنا إلى العمل من أجل مزيد الارتقاء بعلاقاتنا مع شركائنا الأوروبيين على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف، والانتقال إلى مرحلة الشراكة المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي، بما يستجيب لتطلعاتنا إلى تعميق هذه الشراكة في شتى المجالات.
ومن منطلق إيماننا بأهمية البعد المتوسطي في هوية بلادنا الحضارية وسياستها الخارجية، حرصنا على مزيد تطوير علاقات التعاون والشراكة الأورومتوسطية. ولم ندخر جهدا في دعم المبادرات الرامية إلى دعم جسور الحوار والتشاور والتعاون مع هذا الفضاء، وإرساء شراكة متوازنة، ومتضامنة تخدم مصالح جميع الأطراف.
ولم تصرفنا علاقاتنا مع محيطنا المباشر، عن العمل على ربط علاقات صداقة وتعاون متينة وثرية مع البلدان الأمريكية والآسيوية، لا سيما في المجالات الاقتصادية ونقل العلوم والتكنولوجيا. ويتعين على دبلوماسيتنا تطوير هذه العلاقات وتوسيع مجالاتها، لنرتقي بها إلى أعلى المستويات.
أيها السادة والسيدات،
لقد جعلنا من الإحاطة بجاليتنا بالخارج ومتابعة أوضاعها والدفاع عن حقوقها ومصالحها، عنصرا مبدئيا ثابتا في سياستنا. وخصصناها بمحور أساسي في برنامجنا "معا لرفع التحديات"، إيمانا منا بآن التونسيين خارج أرض الوطن حاضرون دائما في وجداننا، وأن العناية بهم تعد من ثوابت الأداء الدبلوماسي. وأدعوكم مجددا إلى مضاعفة الجهد من أجل مزيد الإحاطة بأفراد جاليتنا، ودعم صلاتهم بالوطن، وحفزهم إلى الإسهام في المجهود الوطني للتنمية، وإيلاء عناية خاصة بالشباب من الأجيال الجديدة.
وإذ تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرتنا بإعلان سنة 2010 سنة دولية للشباب، فإننا أعددنا برامج كبرى ثرية ومتنوعة على المستويين الوطني والجهوي، للاحتفال بهذه السنة ابتداء من 12 أوت الجاري، كما سنشارك بوفود شبابية في عدة تظاهرات أممية ودولية تنتظم للغرض.
ونحن نعمل على أن يكون شبابنا في طليعة قوى الخير الملهمة في وطنهم وفي عالمهم، سواء بمشاركتهم في إثراء مسيرتنا الوطنية الشاملة ودعم خياراتنا الديمقراطية والتعددية والتنموية، أو في ربط علاقات صداقة ومودة مع سائر شباب العالم يكونون فيها عنصرا نشيطا لإشاعة القيم الكونية المشتركة من التسامح والتضامن والاحترام المتبادل، وتكريس الحوار مع سائر الشعوب والثقافات والحضارات.
أيها السادة والسيدات،
إنني أقدر جسامة مسؤولياتكم، وأثني على ما يحدوكم جميعا من حماس وروح وطنية عالية في أداء مهامكم. وإني على يقين، بأنكم ستثابرون على الإسهام في الرفع من شأن تونس، والدفاع عن حرمتها، والتعريف بمواقفها، وتعزيز إشعاعها. كما أني على ثقة بأنكم ستحرصون على مزيد إثراء العلاقات التي تربطنا بسائر بلدان اعتمادكم، وعلى إتاحة أكثر ما يمكن من فرص التعاون والشراكة القائمة بيننا وبين هذه البلدان، خدمة لمصالح جميع الأطراف، ودعما للسلم والاستقرار في العالم.
وفقكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

All Radio in One    
*.*.*