اسواق المال

هل ترتفع اسواق المال العالمية أو تنخفض? طالما انني والقارئ لسنا لاعبين في هذه الاسواق فجوابنا: ان شاء الله تحترق.
لن أثقل اليوم على قراء هذه الصفحة بأي حديث مالي, وانما أكتب محذراً من تصديق (الخبراء), بل مشجعاً على سماع آرائهم, ثم العمل بعكسها. وعندي للقراء أمثلة من الماضي توكأت فيها على كتاب عنوانه (ليتني لم أقل ذلك) جمعه كريستوفر سيرف وفكتور نافاسكي, وصدر عن دار هاربر كولنز السنة الفين, وكنت اشرت عرضاً الى الكتاب في زاوية لي في (الحياة), ووعدت بأن أعود اليه في هذه الصفحة, وها أنا أفعل.
أشهر انهيار مالي في التاريخ هو انهيار بورصة نيويورك سنة 1929. وكانت البورصة ارتفعت, بل انتفخت على مدى اسابيع واشهر. وقال البروفسور ارفنغ فيشر, استاذ الاقتصاد في جامعة يال الكبرى, في 17 تشرين الأول (اكتوبر) 1929 ان الاسهم وصلت الى صعيد مرتفع دائم, وجاء الخميس 24 تشرين الأول من الشهر نفسه فانهارت الاسهم, وخسرت السوق في يوم واحد ستة بلايين دولار, ما يعادل مئات البلايين اليوم.
وبعد انهيار الاسهم في ذلك اليوم اجتمع رؤساء 35 من أكبر الشركات المالية في وول ستريت وأصدروا بياناً لدى انتهاء التعامل أكد ان السوق استقرت. ولكن جاء الثلثاء 29 تشرين الأول, وخسرت الاسهم من قيمتها عشرة بلايين دولار, أو ما يعادل ضعفي النقد المتداول في أيدي الاميركيين في تلك الايام.
وعاد البروفسور فيشر (ما غيرو) والسياسي ورجل الاعمال ومستشار البيت الأبيض برنارد باروخ فقالا بعد الانهيار الثاني ان الأزمة عبرت, ولن تطول. غير ان السوق خسرت حتى كانون الأول (ديسمبر) من تلك السنة 50 بليون دولار (وهو رقم يترجم الى ترليونات بعملة اليوم) ولم يتحسن الاقتصاد الاميركي الى ان دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية قرب نهاية 1941.
ربما كان القارئ يقترب عمراً من مئة عام فأقول له (العمر كله), إلا انني لا أعرف عن انهيار 1929 غير ما أقرأ عنه, اما انهيار 1987 فقد عايشته في لندن وواشنطن.
مجلة (تايم) أعلنت في الخامس من تشرين الأول 1987 ان انهياراً على طريقة 1929 لن يحدث, وجاء 16 تشرين الأول من تلك السنة, فخسرت بورصة نيويورك 508 نقط في ما وصفته (نيويورك تايمز) بأنه (اكبر انهيار على الاطلاق).
وقال الخبير روبرت بريشتر في مجلة (بزنس ويك) ان (درس تشرين الأول يجب ان يفهم, فزمن ارتفاع الاسهم مضى الى غير رجعة).
غير ان (نيويورك تايمز) نفسها احتفلت في 19 تشرين الأول 1997 بمرور عشر سنوات متواصلة من ارتفاع الاسهم. وهي اكتشفت بسرعة ان الفرحة لم تكتمل, ففي 27 من الشهر نفسه خسرت سوق نيويورك 554 نقطة, وكان هذا (اكبر انهيار على الاطلاق), لا خسارة 1929 أو 1997.
اكتفي من حديث الاقتصاد وخبرائه بما سبق, وأكمل بشيء لا بد أن كثيرين من القراء يذكرونه هو سقوط طائرة الخطوط الأميركية عبر العالم, في الرحلة 800, بعد اقلاعها من نيويورك في 17 تموز (يوليو) 1996 متوجهة الى باريس.
قتل في الحادث 230 شخصاً وأصر جيمس كالستروم, كبير محققي مكتب التحقيق الفيديرالي, على أن (أضعف الاحتمالات هو أن السبب ميكانيكي). وهو عاد فقال (كان هناك انفجار هائل ناجم عن قنبلة من نوع ما). غير أن وكالة الطيران الفيديرالية أصدرت في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة التالية تقريراً دحض تماماً الإشاعات عن ارهاب وراء الحادث, وقال ان الأرجح ان شرارة فجرت غازات داخل خزان وقود خالٍ.
الكل يخطئ والانسان خاطئ خطّاء, وبابا روما نفسه لا يسلم من الخطأ رغم ما نسمع عن عصمته.
في 14 تشرين الأول 1978 قال الكردينال البولندي كارول وويتيلا ان انتخاب بابا بولندي سابق لأوانه. ولم يمض يومان حتى كان الكرادلة ينتخبونه بابا, وهو حمل اسم يوحنا بولس الثاني, ولعل عذره أنه أصدر تصريحه قبل أن ينتخب و(يعصم).
ماذا أزيد? الصفحة تضيق عن ألف تصريح تعلن أن حرب فيتنام ستنتهي في أيام, أو أن الأميركيين (انتصروا), وعن ألف تصريح آخر عن أن كاسترو لن يبقى في هافانا اسبوعين, وتصاريح دورية انه سيسقط غداً أو بعد غد, وهو لا يزال جاثماً على قلوب الأميركيين أكثر من 40 سنة.
ثم هناك نيكيتا خروشوف الذي قال للديبلوماسيين الغربيين في حفلة في السفارة البولندية في 17 تشرين الثاني سنة 1956: شئتم أو أبيتم, التاريخ الى جانبنا وسندفنكم.
ثم هناك ادوارد مانيه الذي قال لكلود مونيه سنة 1864 ان بيار اوغست رينوار (لا يجيد الرسم وارجوك أن تقول له ان يتوقف). اما توماس اديسون, المخترع العبقري فقال سنة 1922 ان (صرعة) الراديو ستموت مع مرور الوقت (ماذا كان قال عن التلفزيون). وقال الناقد البروفسور لورنس براندر عن رواية (1984) لجورج اورويل ان لا قيمة لها, وهي من أكثر الروايات مبيعاً, منذ صدورها سنة 1949. وقد احتلت الصدارة من جديد عندما حلت سنة 1984 التي تحمل اسمها.
في النهاية, الخبير انسان يقول لك ما سيحدث غداً, ويقول لك غداً لماذا لم يحدث ما قال لك أمس. وهو من الوقاحة أن يحاول بعد ذلك اقناعك بأنه يعرف ما سيحدث بعد غد
جهاد الخازن
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 1157