قايد السبسي الصانع الثاني للتغيير.. ينهى عن المنكر و يأتيه

بقلم عبد الرزاق قيراط
''و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون''، بهذه الآية الكريمة أنهى الأفوكاتو السيد الباجي قايد السبسي بيانه. فذكّرنا بكلّ الساسة الذين دأبوا على ترديد تلك الآية في خاتمة خطاباتهم ما يوحي لنا أنّ بيانه لا يختلف إذن عن تلك الخطب الرنانة التي كانت تُكتب للكذب على الناس حتّى فقدت صلاحيّتها و لم تعد تقنع أحدا.
''و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون''، بهذه الآية الكريمة أنهى الأفوكاتو السيد الباجي قايد السبسي بيانه. فذكّرنا بكلّ الساسة الذين دأبوا على ترديد تلك الآية في خاتمة خطاباتهم ما يوحي لنا أنّ بيانه لا يختلف إذن عن تلك الخطب الرنانة التي كانت تُكتب للكذب على الناس حتّى فقدت صلاحيّتها و لم تعد تقنع أحدا.
لقد خلنا أنّنا تجاوزنا في تونس ما بعد الثورة زمن المعجزات و الزعامات الوهميّة، و لكنّنا شاهدنا ما كان يحدث مع خطابات بن علي و آخرها حين قال فهمتكم، فقد وجد بيان سي الباجي تهليلا و ترحيبا يفضح ما كان مبرمجا في الكواليس. و لعلّهم فكّروا في الخروج بالحافلات و السيارات إلى شارع الحبيب بورقيبة للتعبير عن سعادتهم و استبشارهم بالبيان و صاحب البيان.
أمّا "الجماعة إيّاهم" الذين ما انفكّوا يبذلون جهودهم لإقامة المؤسّسات الموازية بتعلّة فرض الرقابة على المؤسّسات الشرعيّة حينا، و الرغبة في مدّ يد المساعدة لكتابة الدستور و التأسيس لتونس الجديدة كما يقولون حينا آخر، هذه الجماعة سارعت إلى "التطبيل و التزمير" و الإشادة بذلك البطل الفذّ و الزعيم الفريد من نوعه الذي سينقذ بحنكته السياسيّة تونس و سيصحّح المسار قبل الخراب الذي قد يحلّ بنا نتيجة "بروز مظاهر تطرّف عنيفة تهدّد أسس الحريات العامة و الفردية". فأثبتوا لنا بصنيعهم أنّهم أبعد ما يكون عن المسار الثوريّ الذي يريد القطع مع مظاهر التمجيد للأشخاص مهما كان نفوذهم. و لكنّهم راضون على ما يبدو بالدوران في فلك بعض الأسماء التي نُمّقت و ضُخّمت و لُـمِّعت لغايات نترفّع عن وصفها.

الباجي قايد السبسي اسم يخضع لعمليّات تلميعيّة متواصلة، بدأتها نسمة بحوار ماراطونيّ بثّته على مدى ثلاث سهرات، فأشبعت حاجته إلى الأضواء الكاشفة بعد مغادرته السلطة، لذلك كافأها بالحضور في المحكمة بلباس الأفوكاتو لا بدفاعه، و الأسماء اللامعة كافية بحضورها الشرفيّ أحيانا. ثمّ جاء البيان المعصوم فسُلّطت الأضواء من جديد على الرجل. و لكنّ الأضواء هذه المرّة قد تكون حارقة، فالمثير في بيان سي الباجي أنّه كان في الأمس القريب منتـقدا بشدّة لشخصيّة وطنيّة أصدرت مثله بيانا مشككا أيّام كان في موقع السلطة. حينها استشاط غضبا من أحمد المستيري عندما عبّر في جويلية 2011 عن انشغاله من الوضع العام للبلاد قائلا:" إن حالة البلاد تتدهور يوما بعد يوم على كل الأصعدة ومصير الثورة يذهب في مهب الرياح...والحكم القائم رغم إقراره بأنه وقتي وانتقالي هو حكم فعلي حقيقي... ومن حقي كمواطن مستقل الإعلان للملأ عن معارضتي الصريحة والشديدة ضدّ هذا التمشي للحكم وأذنابه وأتباعه من الطبقة السياسية. وهو تمشي من شأنه أن يعرقل قيام دولة القانون والنّظام الديمقراطي ويمس بالمصالح العليا لبلادنا عاجلا أو آجلا."
هذا البيان أزعج سي الباجي فعبّر عن امتعاضه في خطابه الذي ألقاه لاحقا ، فلماذا تنهى يا سي الباجي عن منكر و تأتيه و تذكّرنا بالمثل القائل.:" ما اخيبك يا صنعتي عند غيري".
اللافت أيضا أن بيان المستيري كان مناديا بقيام دولة القانون و النظام الديمقراطي، بينما ينادي قايد السبسي بشكل سافر بالانقلاب على الذين وصلوا إلى الحكم بشكل قانونيّ ديمقراطيّ. فيناشد "القوى السياسيّة و الفكريّة الوطنيّة التي تأبى التطرّف و العنف لتجميع طاقاتها الماديّة و المعنويّة حول بديل يعزّز التوازن السياسي".

و من بين القوى التي استجابت لهذه الدعوة حزب التجديد و حزب المبادرة و محسن مرزوق الذي أشاد أيّما إشادة بقايد السبسي على أمواج إذاعة موزاييك ممّا يغرينا بأن نتوقّع دعما متبادلا بين هؤلاء. فلا مانع الآن من قيام مجلس مرزوق الموازي بتشكيل حكومة موازية غير منتخبة و غير مؤقّتة يرأسها الزعيم الذي خسرته تونس بعد انتخابات أكتوبر الماضي. و هكذا نعطي للعالم درسا جديدا في الانقلاب على الديمقراطيّة بعد درس الثورة و الاحتكام لخيار الشعب الحرّ عن طريق التصويت. و تحيا تونس كما قال سي الباجي في آخر البيان.
...
Comments
323 de 323 commentaires pour l'article 44674