طلبة الهندسة في مفترق الطرق

أبو مازن،
جامعي
جامعي
ترتفع وتيرة الاضرابات في مدارس المهندسين والمعاهد التحضيرية فتغلق القاعات و المدارج ويهجر الطلبة مقاعد الدرس محتجين على كراس شروط مدارس الهندسة الخاصة التي أعدتها الوزارة والتي تمكن عدد من الطلبة الحصول على ديبلوم الهندسة دون اجتياز المناظرة الوطنية لدخول مدارس المهندسين. ليعلم القارئ أن طلبة التكوين الهندسي قد حصلوا على درجات عالية في المعاهد الثانوية واجتازوا بامتياز امتحان الباكالوريا ثم تابعوا تكوينا علميا تحضيريا يشهد الجميع بكثافته، فهم من لا تفارقهم الأقلام والكراريس يراجعون تلك المادة ويحفظون عن ظهر قلب تلك الدروس ثم يتقنون لغات الانقليزية والفرنسية و يحذقون تقنيات الاعلامية. كذلك وجب على المهندس أن يكون مواكبا للتكنولوجيا ولفنون التخاطب وكذلك يطمح البلد أن يواصل تكوين المهندسين الذين ذاع صيتهم في الداخل والخارج.
لعل غياب عمادة المهندسين عن واقع التكوين قبل الثورة وبعدها كممثل لهذه الشريحة من الاطارات، دليل على جرأة الوزارة في تأزيم الوضع واخضاع هذا القطاع، الذي يقل عدد العاطلين عن العمل فيه، الى منطق المال والدفع المسبق لنيل الشهائد. وحتى لا أتهم بالتضليل أتساءل لو أقدمت وزارتنا الموقرة باصدار كراس شروط لكلية طب خاصة كما يوجد في عديد دول العالم المتقدم، ماذا يمكن أن يحدث؟ قطعا ستثور ثائرة عمادة الأطباء و ستضغط بكل قوتها فتتراجع الدولة عن القرار الصادر وتحفظ لديبلوم الدكتوراه في الطب مصداقيته ورونقه. ان تعطل انتخابات مكتب العمادة و تأخر البت فيه عن طريق المحكمة الادارية يعد تمهيدا ودافعا لمحاولة اصدار قرارات كهذه تغرق هذا القطاع الناجح نسبيا في فوضى الديبلومات الممنوحة و الشهائد المكدسة دون ان تسمح للحاصل عليها بالعمل.

ان أبناءنا الطلبة الذين ضحوا بأكثر من أسبوع من دراستهم وامتنعوا على القيام بامتحانات نصف السنة قد برهنوا على المستوى الراقي في تقدير المستقبل خصوصا لمّا تركوا جانبا الحسابات النقابية والسياسية وتوجهوا بنفس المطالب كوحدة متكاملة في كامل المؤسسات الراجعة بالنظر. ان الدروس الخصوصية التي ما فتئت ترهق جيوب الأولياء والتي دفعها طلاب المال من التعليم الثانوي الى التعليم العالي كانت السبب الرئيس في اسالة ريق الربح لدى المؤسسات الخاصة وتشجيعهم في جني الكثير من المال بمضاعفة عدد الطلبة فلم يعد الأمر يقتصر على حالات خاصة بل أضحى التكوين الهندسي الخاص طريقا سهلا وقصيرا لتحصيل ديبلوم بأقل التكاليف الذهنية والكثير الكثير من المال. ان مقاومة انتشار مراكز التكوين التحضيري الخاصة الفقاعية بات عملا مؤكد القيام به على الوزير القادم حتى ينأى بهذا القطاع عن الابتذال و تحصيل العلم عبر تبذير المال. فبعد أن أصاب هذا الورم جهة تونس انتقل بسرعة الى باقي المجمّعات الجامعية فتواجد حذو مدراس المهندسين والمعاهد التحضيرية في صفاقس والمنستير وسوسة وقابس وغيرها من المدن يفتك منها طلبتها ويصرفهم عن متابعة دروسهم العادية. هم يعدونهم بالتحصيل السريع والجاد للحصول على مراتب عليا في المناظرة الوطنية وينسون أن التكوين الهندسي عمل متواصل يجمع بين الدروس و الاشغال المسيرة والتطبيقة، وهاهم اليوم يزداد نهمهم فيراودون الطلبة على اتمام المرحلة التطبيقية والاختصاص دون اجتياز المناظرة. يا أهل المال والأعمال ارحموا بلدا بدأ يسلك بصعوبة طريقا طويلا نحو التقدم العلمي والتكنولوجي بعد أن أنهكته سياسيات العهد البائد في توزيع الديبلومات كما اتفق.
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 98094