تطلعات المرأة التونسية.. اسبقية الحرية والمساواة ام اولوية الحقوق الاساسية؟

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/femmefacebook1040.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

في عيدها الثامن والخمسين تحتفل المرأة، والشعب التونسي عموما، بمنجزات ومكاسب تحققت للمجتمع وسط تباين حاد بين فئة نسوية اولى تتطلع وتنادي بمزيد الحريات الفردية والمساواة التامة الفعلية مع الرجل في تسيير الشأن العام، وفئة نسوية ثانية لم تصل الى تحقيق ابسط الحقوق الاساسية، وفي غياب شبه كلي لبرامج عميقة للاحزاب في الشأن الا فيما ارتبط بالدعاية الانتخابية والتجاذب على اساس النمط المجتمعي وبقية الشعارات الجوفاء الخالية من كل خلق وواقعية، في مقابل انتشار شبكات مدنية محترفة في المجال تحت عناوين الحركة النسوية اشبه ما يكون بنوادي الترف الفكري والاجتماعي المنعزلة عن واقع شرائح عديدة من النساء لا تزال ترزح تحت خط الفقر والامية وغياب ابسط المرافق الصحية..





بعد 58 سنة على سَنّ مجلة الاحوال الشخصية بما مثلته من دستور مدني اعتبره العديدون ثورة في التشريع والمجتمع قادها بورقيبة، حققت خلالها المرأة في العموم مكاسب متنوعة، ولكن ظلت فئات نسوية عديدة وخاصة القاطنة بالجهات المهمشة والقاطنة بالريف وبالاحياء الاسفلتية في احزمة المدن الكبرى، في مستوى لا علاقة له بمثيلاتهن المحظوظات، وبرغم ذلك لا نكاد نرى سوى الشعارات المرتبطة بالتطلعات السياسية المتصلة بالحرية والمساواة على حساب الشعارات المرتبطة بالحقوق الاساسية برغم العدد المرتفع للفاقدات لهذه الحقوق.

المجتمع بان جليا منقسما بحدة بين فئة نسوية مثقفة ومتعلمة، استفادت مما جاءت به مجلة الاحوال الشخصية، طغت عليها طموحات المساواة في الشغل وفي الشأن العام مع الرجل ويهمها حق الانتخاب وحق الترشح للوظائف العامة والتكافؤ الحقيقي للفرص في الصدد، وفئة نسوية ثانية لم تستفد من اغلب ما جاءت به مجلة المرأة فضلا عن ابسط المقومات المرتبطة بالحياة الكريمة، ما يزيد في طرح سؤال عميق حول المساواة بين المرأة والمرأة زيادة على المساواة بين المرأة والرجل.

ولئن تختل الارقام على حساب المرأة في نسبة النشاط المرتبطة بالشغل التي تمثل 25% للمرأة مقابل 69% للذكور سنة 2010، والامية للفئة العمرية 15 سنة فما فوق التي تمثل 29% للاناث مقابل 13% للذكور سنة 2010، فان الخلل يكون اساسا بسبب انتماء المرأة للوسط غير البلدي او الجهة المهمشة، وبالتالي فان الفجوة تتعلق اساسا بفئة من النساء محددة، وهو ما يزيد في حدة الاشكالية.

المرأة فعلا في الجهات المهمشة والجبال الوعرة والمناطق النائية المحرومة والغابات الموحشة فاقدة لابسط الحقوق بما فيها الماء الصالح للشراب وهي تكابد من اجل لقمة العيش، ومنهن الكثيرات محرومات حتى من البيت الكريم ويعشن في اكواخ بدائية، المرأة المهمشة التي تعمل في الحقل من اجل سد الرمق تقضي 12 و14 ساعة عمل من اجل اجرة لا تفوق في الغالب خمسة (5) دنانير، ومثلها المرأة المُظطَهَدة المستَغَلَّة في المصانع التي تصل الى 16 ساعة عمل يوميا باجر زهيد متعرضة في كثير من الاحيان لامتهان كرامتها وحقوقها.

وعلى اهمية تطلع المرأة لحقوقها السياسية المشروعة وضمان فرصتها كاملة في المشاركة في المجال العام، فان مبادىء التكافل والتضامن والمساواة تفرض الدفاع باولى واحرى عن حقوق المراة المسحوقة من منطلق شمولية الحقوق وكونيتها وعدم تجزئتها او التمييز فيها ومن منطلق العدالة في تطبيقها، والمسؤولية تشمل المرأة والمجتمع والدولة على حد السواء.

كما لا يعقل ان يقود تطور حركات التحرر النسوي الى استغلال فئة نسوية لفئة اخرى من جنسها، او الى حرية مشوّهة تمس بالعمق بكرامة المرأة، فخروج المرأة الى العمل والمشاركة المكثفة في الشأن العام لا يجب ان يبرر بحال تشغيل النساء معينات منزليات يقع قطع دراستهن في سن الطفولة، كما ان كرامة المرأة الاصيلة ترفض تحويلها الى سلعة تجارية او جنسية يقع استغلال جسدها في المواخير ومساحات الدعارة الاخرى التي تنتشر اليوم بشكل مخيف في انتهاك صارخ لحقوق الانسان، او كذلك استغلال مفاتنها في الاشهار التجاري والتسويق او واجهات للبيع او للرقص في الحانات والكباريهات، ما يفقد المرأة انسانيتها الاصيلة.

التطور في مسار حقوق المرأة التونسية لئن اتبع منحى ايجابيا في مجمله، فانه سار في عدة انحرافات خطيرة هددت في عديد الحالات الخلية الاساسية في المجتمع والمجتمع في كليته سواء عبر انتشار ظاهرة الطلاق التي اقتربت الى حالتين عن كل عشرة حالات زواج سنة 2010 وانتشار نسبة الجريمة وخاصة استهلاك المخدرات لدى الاطفال التي وصلت الى نسب مفزعة، والحقيقة ان جزء من السبب يعود الى التحرير القسري للمرأة الذي لم يكن قاعديا بادوات ثقافية بل اتبع في اكثره التشريعات والقرارات السياسية التي بدت في عديد الحالات فوقية، وادت الى تطبيقات مشوهة، خاصة وانها لم تراع في عديد الوضعيات الخصوصية التونسية والقيم العربية الاسلامية في اصالتها وعمقها ولم تحقق التوازن المطلوب بين الخصوصية والكونية وكان من نتائج تنميط المجتمع الذي قاده بورقيبة (الذي كان من افضع الخارقين لمجلة الاحوال الشخصية بطلاقه من وسيلة بمجرد بلاغ!!) بشكل حاد طمس التنوع والخصوصيات والسقوط في التقليد والاستلاب.

النموذج المجتمعي اليوم في تونس في كليته يطغى عليه النمط الاستهلاكي الاستعراضي وقاد بصفة كبيرة الى الاغتراب النفسي والثقافي والى اختلال التوازن داخل المجتمع على حساب القيم الاخلاقية والثقافية العميقة، وبعيدا عن المنطق الايديولوجي لا بد من اعادة صياغة النموذج الذي يضمن المعادلة التي تضمن تحقيق الحقوق والحريات الاساسية للمرأة بدرجة اولى للمرأة المسحوقة في المواقع الهشة، وتضمن حماية الاسرة وحماية الطفل في نفس الوقت، وتوفق بين الخصوصية والكونية وتجد العلاقة المثلى للمرأة بين الفضاء الخاص والفضاء العام، وتحقيق انسانية المرأة في عمقها بما يعود عليها وعلى المجتمع بالفائدة ويجعلها قوة تمكن من كل الفرص التي تسمح بالتوظيف والاستثمار الامثل لقدراتها وطاقاتها لخير المجتمع ولمستقبل الوطن، والانسانية جمعاء.

تاريخ تونس حافل بالنساء المناضلات دفاعا عن حقوق المرأة والاسرة والمجتمع وحتى الرجل وكانت مساهماتهن كبيرة في الشأن العام، بما فيها مناهضة المستعمر والدفاع عن الوطن والاستقلال، مثل بشيرة بن مراد التي ساهمت في رسم مستقبل المرأة المشرق منذ بدايات القرن الماضي، وعزيزة عثمانة في العمل الخيري منذ قرون، وكان للمرأة وجود فعّال في المدى القريب في مقاومة الفساد والاستبداد طوال حكم بورقيبة او بن علي وساهمت بجدارة في الثورة التونسية من اجل الكرامة والحرية والعدالة.

(*) قانوني وناشط حقوقي



Comments


7 de 7 commentaires pour l'article 89959

Mandhouj  (France)  |Vendredi 15 Août 2014 à 13:53           
On est dans la société des inégalités.
le combat doit reprendre dès le début afin que la tunisie sortira des fractures multiples qui forment la société tunisienne.
- en tunisie il y a deux Jeunesses, (...)
- il y a deux Femmes (...)
-
-
les fractures sociale, économique, numérique, énergétique, au niveau de l'accès au savoir aussi,...
si cela continue ainsi, on rentrera dans une fracture culturelle, et là on pourra faire la prière de morts sur le vivre ensemble.

Osons être une unique et seule communauté de destin, ainsi on sauvera l'homme et la femme, la république et la démocratie, l'égalité et la liberté, la diversité et le vivre ensemble mieux et bien.

ben Ali harab
Mandhouj Tarek

Mongi  ()  |Vendredi 15 Août 2014 à 11:01           
حرّية وهمية من زمن الاستبداد استغلّها الحداثيون من أجل إشاعة الفساد الأخلاقي والعري والفواحش ومن أجل تغيير النمط القديم بنمط يرتكز على التسيّب والمجون والعربدة وقلّة الحياء.

BenMoussa  (Tunisia)  |Vendredi 15 Août 2014 à 10:57           
مقال مفيد وأراء صائبة ولكنه مطول جدا
شكرا لمسالم الذي لخص الموضوع في بضعة سطور ووفر الإفادة

Srettop  (France)  |Vendredi 15 Août 2014 à 10:12           
تعميم الموضوع والخلط المتعمد بين قضيتين مختلفتين دليل على عدم إقتناع المحرر بحقوق المرأة.

Bismarck75  (Germany)  |Vendredi 15 Août 2014 à 09:17           
لوكان العالم العربي يحكموه نساء رانا لباس علينا

Dachamba99  (Tunisia)  |Vendredi 15 Août 2014 à 09:14           
كلام حق يراد به باطل (علامة مسجَلة للطَائفة)، كلَه يصبَ في خانة تعويم الموضوع (إختصاص إخواني)، يجب على المرأة أن تفتكَ حقوقها كاملة دون تجزئة و دون منَة من أحد.

MOUSALIM  (Tunisia)  |Vendredi 15 Août 2014 à 07:05           
مقال أنيق يدفعنا لمراجعة ما تحقق للمرأة في ظل مجلتها ومن المؤسف حقا أن نسبة كبيرة من المرأة التونسية تناضل للبقاء على قيد الحياة مع أطفالها لا أكثر ومن المؤسف أن المرأة التي غنمت الحرية هي نفسها التي تستقل سيارتها نحو أريافنا لتخطف فتيات في براءة الطفولة وتحولها لجارية لها ولزوجها وأطفالها ومن المؤسف أن أدعياء حرية المرأة في النافورة هم من يعتدون على شرف وكرامة المرأة لتصل بإلقائها من أعلى المباني الشاهقة ومن المؤسف أن هؤلاء الحداثيون يجندون
المرأة للتخلص من ثيابها نكالا في خصومها السياسييين والقائمة طويلة التي تحكي نفاق المنافقين لقدسية بقرة الأحوال الشخصية .يجب التأسيس من جديد للأخذ بيد المرأة لتتحول لكائن تمتلك حريتها وكرامتها وموقعها في المجتمع موقع الكائن الإنساني الذي أسجد له الخالق سبحانه وتعالى كل الملائكة .


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female