مكافحة للإرهاب أم دروشة إعلامية أمنية؟

عبدالكريم زغدودي
حالة الانفلات الإعلامي في تغطية الظاهرة الإرهابية في تونس تدعو إلى الأسى...وتصريحات من يسمّون أنفسهم خبراء تدعو للقرف...أماّ تسريبات الرسميين حول العمليات الإرهابية وحيثياتها فهي لا تعدو كونها استبلاه للعقول ودروشة ورعوا نية في مواجهة خطر جدي يتهدّد مصير دولة برمّتها.
حالة الانفلات الإعلامي في تغطية الظاهرة الإرهابية في تونس تدعو إلى الأسى...وتصريحات من يسمّون أنفسهم خبراء تدعو للقرف...أماّ تسريبات الرسميين حول العمليات الإرهابية وحيثياتها فهي لا تعدو كونها استبلاه للعقول ودروشة ورعوا نية في مواجهة خطر جدي يتهدّد مصير دولة برمّتها.
في جميع دول العالم التي واجهت الظاهرة يُصنّف الخبر الأمني في دائرة الممنوعات الكبرى قبل تسريبه من طرف السلطات المختصّة التي قد تعمد أحيانا لتسريب أخبار تضليلية الغاية منها الحصول على أخبار صحيحة أو استدراج بعض المبحوث عنهم إلى أخطاء مميتة.
أما في تونس فالمنافسة على أشدّها لتسريب أكبر كم من المعلومات مهما كانت درجة مصداقيتها وبأقصى سرعة وكأن الجميع في مسابقة من سيربح المليون...وهذا في حدّ ذاته استهتار بأرواح الأمنيين الذين يعملون في الميدان ويواجهون الظاهرة وجها لوجه وهو يُصنّف جريمة في أغلب الدول الديمقراطية ولا علاقة له بحريّة التعبير.
نعم، مكافحة الإرهاب فكريا وإعلاميا مطلوبة للتخفيف من انتشار الظاهرة أمّا تسريب الأخبار الأمنية فهو صبّ للزيت على النّار وترويع للمواطنين وخدمة مجانية للظاهرة نفسها تحت مسمّى محاربتها.
مُكافحة الإرهاب تقتضي أوّلا:

- تشكيل غرفة عمليات أمنية مشتركة تحت إمرة جهاز من الأجهزة يُشترط فيه الانضباط الكامل والحرفية المطلقة وهذا غير متوفّر في أجهزة وزارة الدّاخلية التونسية حاليا لما تعرفه من انتشار للنقابات الأمنية المتحوّلة إلى أحزاب سياسية غير معلنة تخدم أجندات مجهولة تصبّ في خانة الثورة المضادة.
ولا أرى أي حلّ آخر غير تكليف الوحدات الخاصة في الجيش الوطني بالمهمّة مع تشريك جهاز مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الداخلية والقوات الخاصة للحرس الوطني.
-غرفة العمليات تكون مسنودة بجهاز استعلامات لأن الحرب على الإرهاب حرب استعلامات وحرب استباقية قبل أن تكون مواجهة مسلّحة.
-منع تسريب المعلومات الأمنية ومعاقبة من يقوم بذلك عبر القضاء ألاستعجالي لتلاعبه بأرواح الغير وهو في مكتبه المكيّف.
-الدعوة لمؤتمر وطني حول الإرهاب ومكافحة الإرهاب في الوقت الراهن كلمة حق يُراد بها باطل،أوّلا لأن الإرهاب لا يُكافح بالمؤتمرات في بداياته بل بالاستعلامات والمواجهة الميدانية وتونس أبعد ما تكون عن الحاجة إلى عكاظيات حمه الهمامي وغيره من الساسة والنقابيين وقد أثخنوا تونس طيلة ثلاثة سنوات بعكاظياتهم...تونس تحتاج إلى دولة صارمة وعادلة لمواجهة المخاطر المُحدقة بأمنها ومستقبلها.
-إن الدعوة إلى سنّ قانون للرّحمة والتّوبة في المرحلة الحالية لن يّساهم إلاّ في ضرب هيبة الدّولة في الصميم، نعم للرّحمة ولفتح باب التراجع ولكن بعد إثبات النجاعة الميدانية.
ولو أخذنا عملية القصرين الإجرامية نموذجا للاستهتار والرعوانية فبإمكاننا ملاحظة الآتي:
- فور وقوع العملية حدّد السيد وزير الدّاخلية أسماء ومكان تواجد المنفذين...طيّب إن كان الأمر كذلك لماذا لم تواجهم الأجهزة المختصّة قبل وقوع الكارثة؟
- السيد الوزير المكلّف بالأمن قال إن العملية كانت مفاجئة والسيد وزير العدل قال إن العملية كانت نصف مفاجئة، في انتظار التخفيضات، هل كان الأول ينتظر بريد الكتروني على علبة رسائله قبل التنفيذ؟ والثاني كان ينتظر رسالة نصيّة قصيرة قبل العملية على هاتفه الجوّال؟
- التسريبات الرّسمية-هكذا- تقول إن المجموعة المسلّحة استحوذت على سيارة مجموعة من السكارى لتنفيذ العملية؟؟؟؟ ما شاء الله الجماعة خطّطوا لمهاجمة بيت وزير الدّاخلية واعتمدوا على الدعاء الصالح ورضا الوالدين للحصول على وسيلة نقل؟ يعني لو لم يجدوا سكارى لتراجعوا عن التنفيذ؟ هل يتم تجريم السكارى لتواجدهم في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ؟ وهل أولئك السكارى لم يُفكّروا في تبليغ مصالح الأمن؟أم أنّ المجموعة المهاجمة كان يبدو عليها التقوى والصلاح وستُعيد السيارة المسروقة فور الانتهاء من المهمّة؟ أي استبلاه هذا؟
- ثمّ ما معنى الحديث عن الجانب المفاجئ في العملية؟ وما معنى اللوم الشديد تجاه حرفية الأمنيين؟ ألا يعلم الجميع أن الرصاص عندما ينطلق من مخزن الكلاشنكوف لا يرحم ولا يترك فرصة للردّ ولو كان الضحية رامبو نفسه؟ وما معنى التباكي على سنّ الضحايا؟ هل هناك سنّ محدّدة يجوز فيها التهاون مع الأرواح البشرية؟
تلك هي مأساتنا ومأساة تونس.
Comments
19 de 19 commentaires pour l'article 86183