في عيد الثورة الثالث : ما تحقق وما لم يتحقق

<img src=http://www.babnet.net/images/6/revolution.jpg width=100 align=left border=0>


منجي المازني

حلت الذكرى الثالثة لقيام الثورة التونسية مهد الربيع العربي في ظل تعثر الثورة المصرية والثورة الليبية وفي ظل حوار وطني مضن ينجز على طريقة الرّي قطرة قطرة وفي ظل توافقات عسيرة تحت قبة مجلس التأسيسي تغلب عليها تنازلات مؤلمة من قبل الطرف الحاكم وصاحب الأغلبية. ويمكن النظر إليها من زاوية محدودية الانجازات مقارنة بانتظارات الشعب. يضاف إلى ذلك تدني الرعاية الصحية وارتفاع الأسعار وعدم حصول تقدم ملحوظ في ملف شهداء وجرحى الثورة.

ولعلّ هذه الحصيلة هي التي حدت بالبعض ممن ينتمون لشرائح مختلفة من المجتمع المدني بالتصريح بأن الثورة لم تنجح في تحقيق الآمال المنشودة. بل إنّ بعضهم قال أنّ الثورة لم تحدث بالأساس. كما صرح بعضهم الآخر بأن الثورة حدثت فعلا ولكن السياسيين اختطفوها وحولوا وجهتها لصالحهم. فما مدى صحة كل رأي يا ترى، وما حقيقة قيام الثورة من عدمها في ظل كل الأحداث الجارية ؟




في واقع الأمر اندلعت شرارة الثورة من داخل المناطق الشعبية ومن داخل الأحياء المعدمة وشارك فيها العاطلون عن العمل والمهمّشون نتيجة سياسة الإقصاء والتهميش الصارخة التي انتهجها المخلوع وعصابته والتي تعسّفت على غالبية الشعب وخصوصا الفئات الضعيفة.
اندلعت الثورة إذن في عقول الثائرين وعلى أرض الواقع لغاية ولأجل إعادة ترتيب المعادلات، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية ومن التوزيع العادل للثروات وفرض احترام الحقوق والواجبات على كل الناس بنفس القدر. ولكن في غضون ثلاث سنوات من الثورة هل حققت الثورة كل هذه المطالب وكل هذه المعاني ؟ النظرة المستعجلة توحي بأن الوضع لايزال كما هو قبل الثورة. فالمهمشون لا يزالون مهمشين ولازالت الفئات الميسورة تتمتّع بامتيازات كثيرة تضمنها لهم القوانين الجارية. فرغم أن الثورة أشعل لهيبها العاطلون عن العمل لايزال أغلب العاطلين دون شغل إلى اليوم. وفي المقابل انتفض الأطباء والقضاة وغيرهم لأجل المحافظة على امتيازاتهم وتحصين مواقعهم التي استولوا عليها من زمن الاستبداد. بل زادوا على ذلك بأن انقضوا على معظم الزيادات المرصودة في الميزانية وحولوا وجهتها إلى زيادات في أجورهم.
وفي الأثناء وبعدما توارى بقايا الاستبداد وخفتت أصواتهم لبضع أشهر كشفوا عن نواياهم وتعالت اصواتهم من جديد بحيث ركبوا على الثورة واندسوا بين الثوار. فهذا السيد الباجي قائد السبسي، بعدما اعترف بعظمة لسانه بأنه قد زيف الانتخابات وساهم في سرقة إرادة الشعب في زمن الاستبداد،أصبح اليوم وفي الذكرى الثالثة للثورة منظّرا لها ويقول أنّ الثورة مرت بثلاث مراحل ويحدّدها وفق رؤيته الخاصّة فيما هو لم يعايشها مطلقا.
ولكن علاوة على ذلك ما الذي عطل تسريع الإنجازات وتسريع الإصلاح و المحاسبة إلى حد الآن ؟

لقد كان مصدر الفساد الأساسي هو رأس النظام و الأطراف واللّوبيات المنضوية تحت لوائه والتي كانت في توأمة تامة معه (على قاعدة خوذ وهات وعلى قاعدة دعم من جهة ومناشدة من الجهة الأخرى). وكان هذا الرأس يقود عملية الفساد والإفساد وبقية الأطراف تتمعش سرا وجهرا من حمايته لها. ولكن وبعد أن خلع الشعب المخلوع خرست أغلب اللّوبيات المرتبطة به في بداية الأمر. إلّا أنّها بعد أن اطمأنت على سلامتها، في ظل ثورة سلمية، خرجت من جحورها وبدأت تطالب، بدعوى حرية التعبير وبدعوى فرض القانون والمطالبة بتلبية مطالب مهنية، بفرض أجندتها وامتيازاتها القديمة والجديدة على الناس. فما كانت تفعله هذه الأطراف متخفية وراء ستار الاستبداد السميك أصبحت الآن تقوم به في العلن (بصحة رقعة) وكأنه حق مكتسب لها. فالأطباء مثلا (في العموم) تحصلوا على كل ما يريدون من قبل الثورة : أعلى مرتبات مقارنة بباقي الاختصاصات والقطاعات. فهم يعملون في نفس الوقت بالمستشفيات العمومية والمصحات والعيادات الخاصة ، وهم يستغلّون أجهزة المستشفيات لحسابهم الخاص ويحولون وجهة المرضى الميسورين من المستشفيات إلى المصحات الخاصة و... (وهذا معلوم للقاصي والداني) ويفرضون كل شروطهم على المجتمع المدني في صمت رهيب من سلطة الإشراف مقابل مناشدتهم لصانع التحوّل أو في أحسن الأحوال سكوتهم عن الظلم والاستبداد.
وبماذا تحجج القضاة في تحركاتهم ضد فصول من الدستور ؟ تحججوا باستقلالية القضاء! ! ! ولماذا لم تحتجوا أيها القضاة ولم تقوموا بمسيرات إلى مجلس النواب زمن بن علي عندما استغل العديد منكم أو أغلبكم لقهر الشعب التونسي وتغييبه في السجون لسنين طويلة ؟ فإذا كان أغلب القضاة فاسدين ومفسدين ومرتشين فكيف يترك القضاء لوحده دون تدخل من سلطة الإشراف بحجة المحافظة على استقلال القضاء؟

إثر سقوط رأس الاستبداد نزلت بقية الرؤوس والمفسدين إلى الميدان تدافع عن مكتسباتها بنفسها وتطالب بفرض ما كانت تتمتع به بحج مهنية وبحجج واهية لا تسمن ولا تغني من جوع، كتحجج أطباء الاختصاص بقلة التجهيزات في مستشفيات المناطق الداخلية ! ! ! وما دوركم أنتم أيها الأطباء المحترمون، يا من صرفت عليكم المجموعة الوطنية الكثير لتصبحوا أطباء ؟ ألا تريدون أن تضحوا قليلا لتردوا بعض الجميل إلى هذا الشعب الذي ناضل وكافح وأودع السجون وقدم الشهداء والجرحى ؟ أنا موقن يقينا جازما فيما لو كانت سلطة الإشراف اقترحت راتبا بعشرين ألف دينار إلى كل طبيب مختص يعمل بالمناطق الداخلية وبالأرياف لتقدم أغلب الأطباء بطلب نقلة إلى كل أرياف تونس ولأصبحت الأرياف وجهة الأطباء. ولأصبح العديد منهم يبحثون عن واسطة تمكّنهم من العمل بالأرياف.
ولذلك ينتظر الشعب الكثير من الصبر والمثابرة والجهاد لقطع كل الرؤوس الفاسدة (وخاصة المصددة). فتحقيق العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروات وعدالة توزيع الخدمات يتطلب وقتا وجهدا وتضحيات جديدة من الشعب. كما يتطلب المرور من الفترات الانتقالية إلى فترات مستقرة لكي يتحقق كل ذلك. فمثلا فرض طب الاختصاص في كل ولايات الجمهورية وفي كل الأرياف وفرض قضاء عادل وفرض توزيع عادل للثروات وفرض معيار تكافئ الفرص ليس ممكنا تحقيقها في ظل الفترة الانتقالية لأن هذه الفترة هي فترة مخاض وهي فترة تشريع ورسم الخطوط العريضة للسياسات المستقبلية. وهي كذلك فترة معارك بين الثوار و العصابات المتنفذة في سلك الصحة و سلك القضاء و سلك الإعلام وفي أغلب أسلاك القطاعات الأخرى. فكيف تريد عائلات الشهداء وجرحى الثورة أن يكشف اللثام عن القناصة في ظل قضاء فاسد ولم يتطهر بعد من رموزه الفاسدين ؟ فالأولى هو تطهير القضاء وبعد ذلك المرور إلى المحاسبة وإلى تعويض عائلات الشهداء والجرحى.
والحقيقة أنه لتطهير كل القطاعات من الفساد لابد من القيام بثورة أو بثورات في كل القطاعات. فالقضاء يتطلّب ثورة والإعلام يستحقّ ثورة والصحة يلزمها ثورة وإزاحة المفسدين من كل مواطن صنع القرار يتطلّب ثورة. وكل هذه الثورات لكي تنجح تستوجب تكاتف ومساندة من جميع الأطراف : أهل المهنة ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنون. لقد أعجبتني هبة الأيمة وتجمهرهم أمام المجلس التأسيسي لمساندة ودعم كل النواب المطالبين بسحب الفصل السادس من الدستور والذي ينص على تجريم التكفير. فأحيانا يجد ثوار المجلس التأسيسي أنفسهم مجبرين على الموافقة الوقتية على تمرير فصل لا يتماشى مع هوية البلاد والعباد نتيجة بعض الأخطاء من بعض النواب المحترمين ونتيجة ضغوط كبيرة من بقايا الاستبداد من داخل وخارج المجلس التأسيسي وتجنبا وتحاشيا لتخميرات بعض النواب المتطرفين لغاية تعطيل عمل المجلس والانقلاب على خارطة الطريق وعلى كل المسارات. فالثوار في المجلس التأسيسي ليسوا ملائكة وليسوا معصومين من الخطأ وبقدر ما هم محتاجون لتصويبات المجتمع المدني هم محتاجون في كل مرة إلى مساندة ودعم ثوار المجتمع المدني بكل أشكال الدعم من مسيرات ووقفات مساندة ومهرجانات خطابية.
فالثورة ليست مجرد محاربة ومجاهدة رئيس أو رأس نظام من أجل الإطاحة به وكفى. بل هي نضال مستمر ضد الفساد وكل رموز الاستبداد على مختلف الواجهات. ولا يعني الإطاحة برأس النظام هو نجاح الثورة بل هو وضع الرجل على بداية طريق النجاح. وكل عمل يهيأ لاجتثاث رمز من رموز الفساد أو لهدم قلعة من قلاع الاستبداد لترسيخ مناخ الحرية وقواعد الديمقراطية هو بمثابة قطع مسافة على طريق النجاح وهو بمثابة شحن إضافي ودوري لرصيد الثورة ومساندة إضافية للثوار وتثبيتهم في كل مواقعهم.
ولا يفوتنا في هذا المجال أن نستشهد بسيرة سيد الخلق ونذكر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الثورة على الفساد والاستبداد في مناخ معادي لها. واستدعى الأمر خوض أربعة معارك فاصلة في تاريخ الإسلام وصبر وجلد وجهاد مستمر وانتظار 21 سنة كاملة لتحقيق الانتصار. فإذا كان رسول الله المؤيد بالوحي والمؤيد بنصر الله والذي أوتي جوامع الكلم انتصر على الفساد والاستبداد بعد 21 سنة وبعد خوض أربعة معارك فاصلة فكم يلزمنا نحن اليوم من وقت ومن معارك فاصلة على مختلف بؤر الاستبداد لكي تنتصر الثورة على كل مظاهر الفساد.





   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


12 de 12 commentaires pour l'article 78458

Mongi  (Tunisia)  |Mercredi 22 Janvier 2014 à 10:00           
شكرا جزيلا NOURMAHMOUD
وشكرا جزيلا لمسالم ونزيد ندعم كلامك ونقول
الثورة أتت بمجلس تأسيسي منتخب من الشعب وبحكومة منتخبة من الشعب فعندما تساعد الشقيقة قطر والشقيقة تركيا الحكومة هي في حقيقة الأمر تساعد الشعب لأن الحكومة خرجت من الشعب بانتخابات شفافة يشهد بها كل العالم. أما مساعدات السعودية والإمارات هي مرصودة خصيصا لبقايا الاستبداد وللثورة المضادة.

Tounsi35  (France)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 19:14           
DORRA@ ولله هاي غايب روحها dorra لقد أبدعت هاذه للمره

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 18:18           
بالمناسبة تحية لقطر وتركيا فأموالهم كانت شفافة لفائدة الشعب ولمصالحه في تعويض الأكواخ وتدعيم البلديات والحماية المدنية والقائمة طويلة ودفاعنا حصريا لشعبنا بعيدا عن كل الأحزاب ....

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 17:20           
مقال ممتاز أما الذي تحقق فهو قطعا إنتصار الثورة واختراق سفينتها مثلث برمودا سالمة وبأقل الأضرار وانهزام الإنقلابيين رغم قوتهم وتأييدهم العالمي بالأدمغة الصهيونية والفرنسية وببحار الأموال السعودية والإماراتية .لقد انتصر شعبنا والدليل كل المعارضة تحولت لفقهاء في الدين ويعتمدون لغة الشعب ....

NOURMAHMOUD  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 17:10           
برافو يا مازني وضعت النقاط على الحروف و كشفت الخفايا و الأعماق.

GharsAllah  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 17:02           
هناك مغالطة كبيرة مقصودة أو غير مقصودة !!! إن فشل الحكم والسياسة للترويكا أو النهضة بصفة خاصة لا تتحمله الحكومة وحدها ... المعارضة كانت السبب المباشر لهذا الإخفاق ... فبرغم وزنها الجماهيري الصغير وإزدراء الشارع لتحركاتها استطاعت أن تؤثر سلبا في الحوكمة الرشيدة وتدمير التوافقات فكانت النهضة تتنازل ... و المعارضة لا تتنازل !!! إن تدخل الإتحاد لرسم ملامح الجمهورية ما بعد الثورة يعتبر تدخل و عرقلة أمام تحقيق أهداف الثورة ... خاصة وأن المعارضة تقف جنب
إلى جنب مع الإتحاد للحيلولة دون المحاسبة وكشف الأرشيف لما فيه من قضايا وحقائق تورط المكتب المركزي للإتحاد قياداته زمن المخلوع واليوم .... إن هذه المرحلة مرحلة رشوة وفساد لم يسبق لها مثيل في تاريخ تونس ؟؟؟ حتى نحكم على فترة حكم النهضة يجب التحقيق في كل أسباب تأخير إنهاء الدستور وتأخير العدالة الإنتقالية وتفكيك سيناريوات الإغتيالات و من يقف إخفاء عديد المستندات والوثائق لكشف مرحلة بورقيبة وبن علي ...فهل نحاسب النهضة أو الترويكا وننسى فترتي
المقبور والمخلوع ؟؟؟ ونتجاهل فترة السبسي ولماذا كان رئيس الوزراء في تلك الفترة دون سواه !!!

Mongi  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 16:42           
@Fikou
الإخوة المتابعين والمعلقين يحكموا علينا ويحكموا مابيناتنا

Dachamba99  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 16:39           
كلَ أهداف الثوَرة تحقَقت :
1- شغل : هانم خدموا جماعتهم الكل.
2- حرَيَة : هانم سيبوا المجرمة الكل.
3- كرامة : هانم عملولكم صندوق ... "الكرامة".
و هاذاكا علاش ماش يسحتوهم على خاطر ماعادش عندهم ما يحققوا.

Fikou  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 16:15           
المشكلة كون بعض المحللين أوالنقاد أصبحوا يضعون " الجال" على رؤوسهم و لكثرته يذوب و يتساقط فيتسبب فى انزلاقهم ...
فكلمة "ضطص" أيها الكاتب لها معنيين ، أولهم ترد في العربية كفعل مصدر : ضطص يضطص وضطست بالسين في ألآخر ،(فكما جاء في لسان العجم ، لا يمكن دمج الضاد مع التاء ولذا تستبدل بالسين ) ، وهذه تعني شطح يشطح وشطح بعقله بعيدا عن الواقع .. أي أن كلمة الشطح عادة ما تأخذ معنى ماديا بالإنحدار عن الواقع بينما الضطص مخصصة للأمور العقلية المفاهيمية ..
أما المعنى الثاني فهو إسم علم .. الـ ضطص ، وهو نوع من الطحالب الإخوانية الموجودة في كوكب سيكاموس 4 في مجرة الفا للمتحولين .. ومهمة هذه الطحالب هي أن تحول كل ما يلتصق أو يحتك بها إلى كائن إخواني أي إلى ضطص .. ومن هنا سقطت في مستنقع فكري ضحل وفضلت التضليل على الواقع والحقيقة. !!

فرغم إستشهادك ببعض الحقائق يبقى تحليلك أيها الكاتب ضعيف وموجها بطريقة ساذجة

Dorraa  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 16:06           

Ssaladin  (Tunisia)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 16:01           
On ne peut s'attendre a des miracles de la part d'une classe politique,pouvoir et groupuscules d'opposition reunis,mediocres,insignifiants,rikiki, et de surcroit,sionisto-croiseo-fantoches.

Dorra  (Italy)  |Mardi 21 Janvier 2014 à 15:12           
تحقق تناسل الجرذان و تكاثرهم بعد ان كانوا مرعوبين بجبنهم مختبئين في جحورهم كما تكاثرت الكلاب المسعورة المكلوبة و جبال القمامة و الأحوال و الأوساخ و المناظر المقرفة و غابت المظاهر الجمالية لهذا البلد


babnet
*.*.*
All Radio in One