هل اقتنع الغنّوشي بما فعله مانديلا؟

بقلم الأستاذ بولبابة سالم
يحتل الشيخان راشد الغنوشي و الباجي قايد السبسي صدارة المشهد السياسي في هذه الفترة خاصة بعد تتالي اللقاءات الثنائية , وكان آخرها عشاء ليلة الجمعة بالحمامات الذي دار في أجواء ودّية و حميمية بعيدة عن تطاوس الصغار و لعب الأطفال و لغة المراهقة السياسية التي يتّبعها زوّار السفارات الأجنبية الذين حفيت أقدامهم هذه الأيام . عندما قال الباجي قايد السبسي في قناة نسمة الحمد لله أنّ هناك شيوخ في تونس فذلك يعني أن الحل قد اقترب و لم تبق سوى التفاصيل الصغيرة , و الشيطان يكمن في التفاصيل كما تعلّمنا من الأنقليز .
يحتل الشيخان راشد الغنوشي و الباجي قايد السبسي صدارة المشهد السياسي في هذه الفترة خاصة بعد تتالي اللقاءات الثنائية , وكان آخرها عشاء ليلة الجمعة بالحمامات الذي دار في أجواء ودّية و حميمية بعيدة عن تطاوس الصغار و لعب الأطفال و لغة المراهقة السياسية التي يتّبعها زوّار السفارات الأجنبية الذين حفيت أقدامهم هذه الأيام . عندما قال الباجي قايد السبسي في قناة نسمة الحمد لله أنّ هناك شيوخ في تونس فذلك يعني أن الحل قد اقترب و لم تبق سوى التفاصيل الصغيرة , و الشيطان يكمن في التفاصيل كما تعلّمنا من الأنقليز .

لعل البعض يتذكّر تلك الجملة الشهيرة التي قالها الزعيم نلسون مانديلا عند خروجه من سجون الميز العنصري بجنوب إفريقيا لمّا وقف بين الملايين من أنصاره من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في بريتوريا و الذين جاؤوا لتحيّته و انتظار خطاب النصر و التحدّي و التصعيد , فخطب فيهم قائلا : ألقوا بكل أسلحتكم في البحر حتّى العصيّ , لقد انتهت الحرب في جنوب إفريقيا , تفاجأت تلك الجموع بهذا الخطاب و ردّت عليه بالتصفير و الإستهجان . لقد قال مانديلا حينها : لقد كان أصعب قرار اتّخذته في حياتي , لكن أن تكون زعيما فعليك أن تتّخذ أحيانا قرارات غير شعبية لأنّ الزعيم يجب أن تكون له رؤية مستقبلية تتجاوز النظرة الضيّقة و لا يمكن التعايش مع وجود أحقاد الماضي .
ما صرّح به الشيخ راشد الغنوشي في الفترة الأخيرة أغضب بعض النهضاويين و اعتبروا أنّ زعيمهم قدّم تنازلات مؤلمة في غير محلّها و بعضهم اعتبر التطبيع مع نداء تونس خط أحمر و لا تراجع عن قانون تحصين الثورة لكن الغنوشي تجاوز الجميع و تحدّث عن بداية الشراكة السياسية مع نداء تونس و أطنب في الحديث عن حجمه الإنتخابي . ما قاله الغنوشي لم تقرره مؤسسات النهضة و خاصة مجلس الشورى وهي أعلى هيئة لاتّخاذ القرارات الحاسمة . لقد أدرك الشيخ راشد الغنوشي أن قوّة المعارضة الحقيقية هي نداء تونس و آلة النظام القديم فهي القادرة على حشد الناس و صرف الملايين كما في اعتصام باردو كما تسيطر على الجزء الأكبر من الإعلام و لها علاقات وطيدة بالدوائر الأجنبية الفاعلة . لقد عاش الغنوشي عشرين عاما في بريطانيا و هي مهد الديمقراطية و تعلّم معنى الواقعية السياسية و كيفية التعامل مع الأزمات خاصّة و أنّ بعض أطياف المعارضة أعلنت صراحة و بكل وقاحة عن نيّتها إعادة محرقة التسعينات لقيادات النهضة و أنصارها , هذه الخطابات الفاشية ليست قوّة لمن يقولها بل هو استعداد للتعامل حتى مع الشيطان للقضاء على خصم سياسي و لا ننسى أن هناك من دعا علنا إلى تدخّل خارجي بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 , و بعض القوى الإستئصالية التي عملت مع بن علي و توارت بعد الثورة عادت من جديد إلى الواجهة بفعل حكومة الأيادي المرتعشة .
أدرك الغنوشي أن استقرار البلاد غير ممكن دون الحوار بين النهضة و نداء تونس و لا يمكن لأحدهما أن يقصي الآخر , و أن بعض الآحزاب الميكروسكوبية هي مجرد ظاهرة صوتية لا أثر لها في الواقع , و لعل البعض قد أدرك اليوم لماذا فشلت حملة إرحل بعد أن أعلن الباجي قايد السبسي رفضه التطاول على مؤسسات الدولة مهما بلغت الأخطاء.
خطاب السيد الباجي قايد السبسي لا يختلف عن خطاب الغنوشي فقد ذكر أنّه خلع جبّته الحزبية و تحدّث كسياسي يبحث عن مصلحة تونس باعتبارها فوق مصالح الأحزاب و اتّخذ قرارات صعبة بعيدا عن عنتريات بعض قيادات نداء تونس فرفض خطاب الإقصاء و التهديد ضدّ شركاء الوطن . ما ذكره قايد السبسي أزعج بدوره بعض القيادات المتشنّجة و المتطرّفة داخل حزبه الذين عادوا إلى لغة التصعيد و الإقصاء و الوعيد في خطب نارية ذكّرتنا بحقبة السبعينات و الثمانينات في الساحات الجامعية لذلك أغمض الشعب أعينه عنهم لأنّهم لم ينضجوا و لا يبيعون سوى الأوهام , وهم الذين استكرشوا في العهد السابق و لم نسمع لهم صوتا و بعضهم كان غارقا في العمالة . عارض الباجي قايد السبسي حملة إرحل التي أطلقتها الجبهة الشعبية و تحدّث كرجل دولة , و قال عن الغنوشي : لقد استمعت إلى رجل واع بخطورة المرحلة و تحدّث عن المصلحة الوطنية .
لقد بدأت تونس تستعيد أنفاسها و تسير على طريق الحلّ , و لا شكّ أنّ من يحلم بالسيناريو المصري قد فقد أعصابه هذه الأيام , و المصيبة أنّهم يسمّون أنفسهم ديمقراطيون و حداثيون .
كاتب و محلل سياسي
Comments
22 de 22 commentaires pour l'article 70753