النهضة بين خيارين، خيار الحسن أم خيار الحسين

<img src=http://www.babnet.net/images/9/faisaleuch.jpg width=100 align=left border=0>


فيصل العش

مقدّمة

لم يكن شهر رمضان لهذا العام عاديا نتيجة ما شهدته البلاد من أحداث متتالية أدخلتها في دوّامة من الصراعات السياسية العنيفة بين المعارضة التي تجمّعت مؤقتا في «جبهة الإنقاذ الوطني» لترفع سقف مطالبها وتدعو إلى حل المجلس التأسيسي وجميع المؤسسات المنبثقة عنه وإسقاط الحكومة وتعويضها بحكومة إنقاذ وطني من جهة و «الترويكا» وبعض الأحزاب المؤيدة للشرعية والدفاع عن المكسب الوحيد للتونسيين بعد الثورة أي المجلس التأسيسي الذي كان ثمرة انتخابات شفافة ونزيهة اختار من خلالها التونسيون من ينوبهم لكتابة الدستور الجديد، من جهة أخرى. فبعد زلزال مصر المتمثل في اغتصاب السلطة من طرف العسكر والذي كانت له انعكاسات كبيرة على استقرار الساحة السياسية التونسية حيث تعالت الأصوات هنا وهناك لاستنساخ التجربة المصرية قصد الإطاحة بحكومة «النهضة» ، تّم اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي أمام بيته في ثاني اغتيال سياسي بعد الثورة . وقد زاد هذا الاغتيال في تأزم العلاقة بين المعارضة ودعاة الشرعية فتمّ الإعلان في نفس اليوم عن تأسيس ما يسمى بجبهة الإنقاذ الوطني في محاولة لتكرار النسخة المصرية التي تحالفت مع العسكر لإسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي . وقد دعت هذه الجبهة إلى حلّ المجلس التأسيسي والحكومة وتعويضهما بهيئة وطنية عليا للإنقاذ الوطني ممثلة للأحزاب السياسة ومكونات المجتمع المدني التي تتولى، بالاستعانة مع خبراء القانون الدستوري، استكمال صياغة الدستور في بحر شهرين ليعرض في ما بعد على الاستفتاء الشعبي و حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا يترشح أعضاؤها في الانتخابات القادمة برئاسة شخصية وطنية مستقلة متوافق عليها تتخذ ضمن برنامجها جملة الإجراءات الاستعجالية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية و تعد لانتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة.



ثمّ تتالت الأحداث بسرعة كأنها أحداث مسلسل هيتشكوكي لينزل خبر مقتل 8 جنود تونسيين بأيادي الغدر والإرهاب بجبل الشعانبي على التونسيين عامّة والطبقة السياسية خاصّة نزول الصاعقة لتشحن أجواء الليالي الرمضانية المتبقية بالتوتر والفعل وردّ الفعل بين الأطرف السياسية التي لم تفلح في الجلوس إلى طاولة الحوار فاختارت أن تلعب ورقة التجييش الشعبي أو معركة الشوارع وكأنني بالجميع يسعى إلى تكرار السيناريو المصري ولو باختلاف بسيط فتتالت الاعتصامات والمظاهرات المعادية من جهة والمؤيدة للحكومة من جهة.لينتهي شهر رمضان بتجمعين كبيرين الأول في ليلته السابعة والعشرين جمع عشرات الآلاف من التونسيين من العاصمة وخارجها بساحة القصبة دفاعا عن المجلس التأسيسي ومساندة للجيش الوطني والثاني في الليلة التاسعة والعشرين من رمضان بساحة باردو قبالة المجلس التأسيسي تتويجا لاعتصام الرحيل وإحياء لذكرى مرور 6 أشهر عن مقتل الشهيد والمناضل اليساري شكري بلعيد.
إذا بلغت نسبة التوتّر مداها مع انتهاء شهر رمضان فكيف سيكون الحال في شهر شوال 1434 هـ (1)؟ هل ستنجح الترويكا وخاصّة حركة النهضة ومن ورائها الحكومة في تجاوز هذه الأزمة بسلام كما حصل بعد مقتل شكري بلعيد؟ أم أن الوضع أصبح مختلفا ولم يعد للسلم بين الفرقاء السياسيين أفق ؟ وكيف ستتصرف «النهضة» مع هذا الوضع الجديد خاصّة بعد أن تحالفت «الجبهة» مع « الإتحاد من أجل تونس» وبعد أن خلع الإتحاد التونسي للشغل علنا «استقلاليته» وأعلن صراحة مساندته لمطالب «جبهة الإنقاذ الوطني» ؟

النهضة بين خيار الحسن وخيار الحسين
لم يعد للنهضة مجال كبير من المناورة خاصّة مع تعنّت المعارضة ورفع سقف مطالبها ومع ظهور بوادر الانشقاق داخل الترويكا خاصة من جانب التكتّل من أجل العمل والحريات (2). ولأن أوضاع البلاد لم تعد تتحمّل مزيد الاستمرار في حالة التعطّل والأزمة الراهنة فهي اليوم بين خيارين لا ثالث لهما فإمّا أن تختار التنازل وترضى بقبول شروط المعارضة خاصّة غير المعلنة منها (3) وتضحّي بالحكومة لإنقاذ المجلس الوطني الـتاسيسي وهي بهذه الطريقة تتنازل عن حكم البلاد لما تبقى من الفترة الانتقالية لفائدة «حكومة الإنقاذ الوطني» كما تنازل «الحسن بن علي بن ابي طالب» عن الخلافة لمعاوية ابن ابي سفيان حفاظا على المسلمين ولتكون الخلافة واحدة في المسلمين جميعاً، ولإنهاء الفتنة وإراقة الدماء (4) وفي هذه الحالة لا أحد قادر على تحديد انعكاسات هذا الموقف خاصة على البناء الداخلي لحركة النهضة ومدى قبول قواعدها هذا المستوى من التنازل.
أمّا الخيار الثاني فهو النزول عند رغبة الجماهير التي تجمّعت في القصبة لاستكمال أهداف الثورة وحماية مسار التحول الديمقراطي وبالتالي عدم الرضوخ إلى ابتزاز المعارضة والمضي قدما في الدفاع عن مؤسسات الشرعية التي اختارها الشعب حتّى لو أدّى ذلك إلى تفكك الترويكا ودخولها في معركة لي الذراع مع من يجاهر بمعاداتها.
يقوم الخيار الثاني على التمسك بالمجلس التأسيسي كمؤسسة شرعية وحيدة بالبلاد والدفع نحو استكمال بناء المؤسسات المنظمة للحكم وخاصّة الهيئة العليا للانتخابات وقطع الطريق أمام أزلام العهد السابق للعودة إلى الساحة السياسية وبالتالي إلى الحكم وذلك بالتمسك بمناقشة قانون تحصين الثورة والموافقة عليه. إنه الخيار الصعب لإتمام الفرز الحقيقي بين قوى الثورة والبناء وقوى الردّة والهدم لكنه سيدفع بقوى الثورة المضادّة واليسار الراديكالي المتحالف معه ورؤساء الأموال الفاسدين إلى المرور إلى السرعة القصوى في مواجهة الحكومة مستفيدين في ذلك من كرم بعض دول الخليج العربي في سبيل القضاء على ثورات الربيع العربي وموقف العديد من القوى الأجنبية المعادي لنجاح أي مشروع للانتقال الديمقراطي في تونس لما لقيام دولة ديمقراطية مستقرة في تونس من تأثير كبير على الساحة السياسية وعلى مصالح هذه الدول بالمنطقة عامّة ومصالح الكيان الصهيوني خاصّة. والنهضة في هذه الحالة ستروم إلى خيار «الحسين بن علي بن ابي طالب» في مواجهته ليزيد ابن معاوية عندما تمسّك الحسين بمبدئه ورفض تحويل الخلافة إلى إرث، وأبى أن يكون على رأس الدولة من لم يختره الشعب، فرفض أن يبايعه ولم يعترف به (5). وفي هذه الحالة سيكون الصراع عنيفا ودمويّا مع شق من المعارضة وبقايا حزب الدستور ومن المحتمل أن تنتصر قوى الردّة لتعود بتونس إلى ما قبل هروب بن علي.
فهل ستختار النهضة «خط الحسن» أم «خط الحسين»؟ أم سيكون لها رأي آخر؟


الهوامش
(1) تعمّدت اعتماد التواريخ الهجرية ردّا على «أولاد حمد» الذي صنّف التونسيين حسب التقويم الفلكي حيث قال : « نحن في 6 أوت ، وهم في 28 رمضان» . وهي رسالة بسيطة لأعلمه وأمثاله أننا نسكن داخل تاريخ الأمّة وزمانها وليس مثله خارجها
(2) قام مصطفى بن جعفر باتخاذ قرار أحادي الجانب بتعليق نشاط المجلس التأسيسي إلى أن تتم عودة جميع المنسحبين دون استشارة شركائه ورؤساء الكتل النيابية بالرغم من اعترافه بأن الجلسة العامة التي التأمت يوم الثلاثاء 28 رمضان هي دليل على أن المجلس قادر على مواصلة أشغاله بأغلبية مريحة. كما دعى لاعتبار الإتحاد التونسي للشغل المؤسسة التي يمكن أن تكون راعية للحوار الوطني المأمول في الوقت الذي أعلن فيه الإتحاد مساندته ومباركته لاعتصام الرحيل.
(3) أهمّها قانون تحصين الثورة وبعض فصول الدستور. فقد عبّر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار أدلى به لوكالة الانباء رويترز يوم الاثنين 7 رمضان 1434 عن استعداده لتقديم مزيد من التنازلات للمعارضة لانهاء الازمة السياسية في البلاد، وان سحب او تأجيل عرض قانون تحصين الثورة الذي يتيح اقصاء عدد كبير ممن عملوا مع النظام السابق أمر ممكن اذا وصل الفرقاء السياسيين الى اتفاق.
(4) الكامل في التاريخ لابن الأثير، المجلد الثالث، صفحة 406، طبعة بيروت، 1385 هـ، 1965م./ صحيح البخاري، كتاب الصلح.
(5) الكامل في التاريخ لابن الأثير، المجلد الثالث، طبعة بيروت،


Comments


11 de 11 commentaires pour l'article 69743

Nejmeddine  (France)  |Mardi 13 Août 2013 à 08:16           
ابتعدوا عن هذه الاسقاطات على واقعنا من وقائع تاريخية محددة لها اطارها وسياقها واهدافها. ليست النهضة حسن ولا حسين هذا الزمان وليس الاتحاد أو من معه معاويته

Rafik  (France)  |Mardi 13 Août 2013 à 07:14           
Personnellement, comme solution au blocage actuel, je demande à tous les élu(e)s de la constituante de reprendre la discussion de la constitution ( et que les élu(e)s qui sont partis soient radié(e)s et que leurs salaires et les avantages qu'ils ont soient supprimés car il ne faut pas oublier que chacun a des droits et des devoirs et que chacun assume sa responsabilité) , de la terminer le plus vite possible et d'organiser un réferendum et
c'est le peuple qui dira son mot.

Rafik  (France)  |Mardi 13 Août 2013 à 07:07           
Le problème en tunisie est que cette opposition veut nous faire subir sa dictature.
malgré le fait qu'ils ne représentent pas grand chose (et on le répéte toujours et tous le temps sans se lasser qu'ils sont les 0,000000), ils prétendent toujours parler au nom du peuple, mais ils oublient que le seul moyen et le seul outil qui peut donner la pemission de parler au nom du peuple ce sont des élections libres et trasparentes, or , comme ils savent que pour le moment (et que ce moment risque d'être long), le peuple ne leur
donnera jamais la majorité alors ils usent de tous les moyens (médias, rumeurs, argent sal, hommes d'affaires corrompus, aide éxtérieure,...)pour arriver à leur but.
il me semble que les gens d'ennahda et ceux qui ont voté pour eux , aussi ceux et celles qui aiment vraiment la tunisie , doivent mettre cela dans la tête et devant les yeux que quelque soit le compromis trouvé, ces minables de soi disant opposition demanderont toujours plus et essaieront par tous les moyens de garder leurs privilèges et ceux des gens qui les financent , et tout cela aux dépens de l'intérêt du peuple .
il ne faut pas hésiter de rappeler, que comme dans une parie de foot, pour avoir un bon match il faut deux bonnes équipes et à la fin il y a toujours un gagnant et un perdant , et lorsque le perdant sait qu'il a bien joué , il n'a rien à regretter et qu'il essaiera de travailler plus, pour qu'au match suivant il jouera mieux et gagnera.
mais lorsque le perdant ne veut rien admettre et mettra toujours la faute sur l'autre et surout ne respecte pas les règles du jeu , il restera toujours perdant et malheuresement il ny aura plus de sport , je suppose que c'est pareil pour la démocratie, lorsqu'on ne respecte pas ni le vote ni les résultats des élections, il n y aura plus de démocratie et c'est cela la dictature que veut nous imposer cette minorité d'opposition qui ne
représente qu'elle même.

Swigiill  (Tunisia)  |Lundi 12 Août 2013 à 23:51           

ارتَقُوا...

فالقاع امتلأ

RCDSniper  (Germany)  |Lundi 12 Août 2013 à 23:21 | Par           

يبدو أن معارضتنا مصابة بمرض التوحد او شيء من هذا القبيل. عافانا وعافاكم الله. والتوحد هو أن لا يعي الشخص وجود من حوله. أو النرجسية وهو عشق الذات.
المهم ان الراعي الرسمي للمعارضة هو اتحاد الشغل الذي يذيل كل بياناته بأنه ديمقراطي ومستقل. بتصدره المشهد السياسي مقابل الترويكا يهمش الإتحاد المعارضة ويزيد في تقزيمها. الإتحاد هو المساند الرسمي للنظام السابق. والنظام السابق هو نداء تونس.
بدون جهد نفهم أن المستفيد الوحيد مما يجري الآن من محاولة إعاقة التحول الديمقراطي هو النظام السابق في أسوء صوره

RAFFOUT  (Tunisia)  |Lundi 12 Août 2013 à 23:13           
Riadh ben hassine
félicitation ton commentaire reflète la réalité il est mille fois mieux que les journalistes bou dourou

RAFFOUT  (Tunisia)  |Lundi 12 Août 2013 à 23:02           
يا

Riadhbenhassine  (Tunisia)  |Lundi 12 Août 2013 à 23:02           
"واهم من يعتقد أنّنا سائرون إلى انتخابات قادمة باسم "التوافق" مع الانقلابيين الاستئصالين بشقّيهم الندائي و الجبهوي. فالانتخابات لن تصير إلا بمعاضدة التهديد الشارع و تهديد العنف الثوري الحقيقي و ليس الستاليني، و التي ستسمح بإجرائها حتى تحت التفجيرات و القصف الإرهابي الإنقلابي". هذه المقولة هي لب الإستراتجيات المتضادة، إستراتيجية الثورة ، و إستراتيجية الثورة المضادة، بطريقة تجعل ربح طرف هي خسارة الطرف المقابل ، و بالتالي فهم و تفكيك هذه الحقيقة
–لب الإستراتيجيات المتضادة- و جعلها مفهومة لدى العامة و مزيد تكريسها في أذهان المتسيّسين هي الضامن لعدم الخلط و فقدان البوصلة في خضم المتغيرات التكتيكية اليومية المتسارعة النسق صعودا و نزولا بحيث تربك العقول و تجعلها تحيد عن الخط الإستراتيجي للسياسات العامة المتبنّات، خاصة مع عقولنا الغير مستقرّة المنطق السياسي و التي سهل جدا التأثير عليها بمختلف الإستراتيجيات و التكتيكات العلمية لأعداء الثورة (علمية بالنظر إلى مراكز البحث العالمية التي درست
مآلات الثورات و سبل إجهاضها بمختلف الوسائل النفسية و الاقتصادية و غيرها و التي تبنتّها قوى الثورة المضادة )
أبدأ فأقول أنّ "الحقيقة" و التي (سأبرهن على صحّتها) و التي ستكون لاحقا "مسلّمة" على أساسها تبنى الإستراتيجيات، هي أنّ النظام النوفمبري هو تحالف و مزيج مركّب (من ناحية الهيكلية و الأدوار) من 1-حزب التجمع، و2- من الأحزاب و المنظمات و الشخصيات التي تدور في فلكه . فالتجمع كهيكل هو مزيج من ورثة حزب الدستور (الحزب الإشتراكي الدستوري في عهد بورقيبة) و من بعض الشخصيات اليسارية التي انضمت رسميا إليه و التي تبوأت مواقع التنظير له و لسياسياته في إطار ما
يسمّى "بلجان التفكير" في صلب الحزب ، أو في مواقع وزارية لتنفيذ أجنداته ، و كان في إطار خطة تقضي بتصفية الإسلاميين عقب انتخابات 89. و من أبرز هذه الشخصيات منصر الرويسي، عفيف شلبي ، عياض الوذرني، و خاصة محمد الشرفي كبير سحرة اليسار الذي تعهد بمهمّة تجفيف المنابع في التعليم، و هو الذي أوصل تعليمنا لهذه الحالة المزرية. أمّا الأحزاب و المنظمات و الشخصيات التي تدور في فلكه، فاليسار كان من أبرز مكوّناته (بالتوازي مع النخب الفرنكوفونية) ، و برز ذلك في
سياسيات الإقصاء المعتمدة لكل نفس إسلامي -أو ما بقي منه- داخل صفوف إطارات التدريس الجامعية و الثانوية خاصة، و كانوا بطريقة مباشرة و غير مباشرة يباركون حملة الاستئصال التي قادها النظام النوفمبري ضد الإسلاميين في أوائل التسعينات، و التي أسست للدكتاتورية النوفمبرية لاحقا. اليسار –أو أغلبه- بشقيّه الرسمي داخل التجمع، و الوظيفي خارجه و داخل دواليب الدولة، هو الضلع الثقافي للطغمة النوفمبرية، و ما الانقلاب اللاحق و الظاهر على الدكتاتورية من بعض مكوّناته
(اليسار) إلّا بعد أن تمكّن الأمر لبن علي و أقصى بعض مجاميع اليسار المتمرّدة و المضطربة بطبعها ، و أساسا حمة الهمامي و حزبه الذي كان شريك الاستئصال في أعوام 91 و 92، و حادثة أشرطة حمة الهمامي التشويهية لقيادات النهضة ما هي إلّا مهمّة ظاهرة و بواحة لتحالفه مع الدكتاتورية في تلك الأوقات. معرفة هذه الحقائق التاريخية مهمة جدا لتفسير الصراعات الحالية، و أي تجاوز لهذه الحقيقة التاريخية هي تخبّط و عدم فهم لما يحصل الآن.
ما حصل ليلة 13 جانفي ، هو محاولة الانقلاب على الانتفاضة الشعبية (و التّي شارك فيها اليسار في محاولة لقلب رأس النظام و ليس جوهر النظام كما سأبيّن لاحقا، إذ أنّه -اليسار- مكوّن بنيوي للنّظام النوفمبري) ، و محاولة لإستكمال التحالف الإستراتيجي بين فلول حزب الدستور و المجاميع اليسارية "المتبرجزة" و "المتبجبجة" ( في لسان العرب الكرب، بجبج يبجبج تبجبيجا ، أي البطن و الأرداف ترهلت، و الحدود طريت و إحمرّت من أثر الروز بالفاكية، و التصريف و الزوائد لم
يعد يتحكّم فيها من أثر رذالة العمر)، فحكومة الغنوشي الأولى هي تخلّص من الرأس ، أي زين العابدين بن علي، و مواصلة نفس التحالف التاريخي، و لكن هذه المرّة بصورة مباشرة، و ذلك ببروز رموز اليسار داخل التجمع في الواجهة في الحكومة ، و هم منصر الرويسي، عفيف شلبي، عياض الوذرني. من ناحية أخرى، نجد المعارضة الديكورية -المنمّقة للواجة النوفمبرية- حاضرة بقوّة في شخصبة أحمد براهيم اليساري. أما الشابي و الذي عرف بمعارضته للنظام في العشرية الإخيرة، فقد إسترجع
باكرا أدوار التحالف القديم في أعوام 91 و 92 . هذه الحكومة أجهضت بفضل صمود الثوار في القصبة 1، و أتت الحكومة الثانية للغنّوشي بعد إزاحة الشخوص التجمعية اليسارية خاصة، و بدأت في الالتفاف على الثورة في قضية تعيين الولّات التّجمّعيّين مثلا، و تحديد موعد انتخابات رآسية من دون تشاور كمثل ثان لتسّرع الثورة المضادة للانقضاض على الحكم بفرض أجندتها، و أسقطت في القصبة 2 بعناء بعد المواجهات الدامية مع البوليس في أيام 26 و 27 فيفري. و هنا تتقدّم شخصية
ديناصورية لقيادة الحكومة، الباجي قايد السبسي الشريك التاريخي في مؤامرة إرساء الدكتاتورية في بداية التسعينات (تحت إمرة كمال اللطيف المهندس الفعلي للحقبة النوفمبريّة)، و قد كان رئيس البرلمان المزوّر. أولى علامات الالتفاف على الثورة و مواصلة التحالف الإستراتيجي بين اليسار و حزب الدستور هو تعيين "الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإنتقال ........" ، و قد كان أغلب مكوّناتها من رموز اليسار الاستئصالي، و لا غرابة أن نجد في عضويتها الصغير أولاد حمد
و الكثير من ناشطات النساء الديمقراطيات الإستئصالية. كما أن في فترة السبسي ، راجع إتحاد الشغل (بعد أن أفاق من سكرة الثورة) سياسته -و بتفاهم مع القيادة الفعلية للثورة المضادة- قرّر عدم التصدّي لأفعال السبسي، باعتبار أنّ الكثير من قيادات الإتحاد هي يسارية التوجه. حاولت الثورة المضادة تأجيل الانتخابات و ربّما إبطالها، و التي كانت مطلب القصبة 2، و لكن القصبة 3 أمالت الكفة لصالح تحقيقها، و هذا بعد أن أعد القوم سيناريو للفوز بها بعد أن استبعدوا حصول
النهضة على أكثر من 20 في المائة، يعني أنهم عملوا للانتخابات و كان في حسبانهم الفوز بها بعد أن أعدّوا القانون الانتخابي على قياسهم بفضل الهيأة اليسارية الأغلبية. في انتخابات 23 أكتوبر ،حصلت النهضة على 41 في المائة من مقاعد المجلس التأسيسي ، و مع حلفائها قفزت للحكم، و هنا الضربة التي لم يقرأ اليسار لها حسابا، و أعلنوا منذ البداية نية إسقاط الحكم و ترك الترويكا وحدها تحكم ، و قرّروا التعطيل بجميع الوسائل لمحاولة استرجاع الحكم -عن غير طريق الصندوق
الغير آمن- في كثير من المناسبات، من تمرّد الداخلية في 9 جانفي 2012 إلى 1 ماي إلى 23 أكتوبر، إلى 6 فيفري مع اغتيال الفقيد شكري بلعيد، و أخيرا مع اغتيال الفقيد البراهمي. من هذا التاريخ البعيد و القريب ، يمكن أن أستنتج بكل ثقة، أنّ الثورة المضادة فعليّا هي هذا التحالف القديم بين اليسار و حزب الدستور و تواصله الجديد في شكل أهم مكوّنيه نداء تونس (ذات القيادة اليسارية النافذة و القواعد التجمعية) و الجبهة الشعبية اليسارية البواحة. هنا، و بهذا الفهم،
يمكن أن أستنتج أنّ هؤلاء ليس في واردهم قيام أي انتخابات، فهي غير مضمونة في كل الأحوال، و حتّى لو ربحوا التشريعية منها، فاحتمال أن تربح رموز الثورة الرآسية هو احتمال سيسقط جميع حساباتهم الانقضاضية على الحكم، إذ الصلاحيات الممنوحة للرئيس القادم يمكن أن تفرمل كل توجّه نحو الدكتاتورية التي يبغون، علاوة على أن الانتخابات البلدية سيكون للثوريين نصيب منها، و التنافس سيظهر جليا بين شقّي الثورة و الثورة المضادة، و سيبرز من يخدم البلاد و من همه السرقة و
السطو على الأموال العامة. هذا الوضع لا يمكن أن تحتمله الثورة المضادة بأي حال من الأحوال، فهو "مقتلها" ، أي أن الانتخابات هو مقتلها الفعلي، لذلك ، فهي في سبيل عدم الوصول لها، تفعل كل شيء للاستحواذ على مقاليد الحكم الفعلي ، أي الحكومة، و ذلك بإتباع سياسة "القضم الحكومي" في كل مناسبة سانحة، من تحييد وزارات السيادة إلى الوضع الحالي أين تحاول أن تحييد جميع الحكومة، و هي بتحييدها هذا إنما تفسح المجال للدولة العميقة خاصتها -بقيادة إخطبوط كمال
اللطيف- لتنفيذ أجندتها ، حيث أن الوزير المحايد يصبح لقمة سائغة لها إن بالترغيب أو بالترهيب من دون سند حزبي قوي له إن إيمانا به (الحزب) أو أنصارا، و بذلك في صورة عدم إجراء أي انتخابات لأي سبب من الأسباب يختلقونها (تصل إلى حد التفجيرات في مكاتب الاقتراع) يقع التمديد للأمر الواقع الحكومي " المحايد" المتحكّم فيه من قبلهم (كما أرادوه سابقا من مواصلة لحكومة السبسي و قضية الاستفتاء الشهيرة على صلاحيات المجلس التأسيسي قبل انتخابات 23 أكتوبر). أمّا في
صورة بقاء حكومة موالية لأطراف الترويكا الحالية، فتأجيل الانتخابات هو تمديد لحكومتها (الترويكا)، و هذا يبقي الأمور في غير صالحهم من ناحية الصراع بين الحكومة و الدولة العميقة خاصتهم. لهذا، فإستراتيجية الثورة المضادة هو الانقضاض على الحكومة (الجهاز التنفيذي) و ليس بأي حال من الأحوال عن طريق الانتخابات، و سوف يفعلون ما في وسعهم بعدها لعدم إنجاز الانتخابات إلى حين إرساء منظومة دائمة انقلابية تخدم مصالح التحالف المافيوزي اليساري الدستوري
العبرة من كل ما تقدّم أنّ "المسلّمة" الأولى في واقعنا الحالي هو أن "اليسار –في أغلبه- هو شريك بنيوي في النظام النوفمبري، و مشاركته في الثورة إنما لتغيير رأس النظام و ليس تغيير جوهره" ، أمّا أمسلّمة الثانية فهي أنّ "التحالف اليساري الدستوري المتمثل حاليا في الإتحاد من أجل تونس و الجبهة و قيادة إتحاد الشغل اليسارية في غالبيتها لا يريدون الإنتخابات" و في سبيل ذلك سيحاولون "الإنقضاض على الحكومة أو تحييدها في أسوأ الحالات" و هي المسلّمة
الثالثة. إذا كانت هذه إستراتيجية الثورة المضادة، فنقيضها هو ما وجب أن تتبعه الترويكا الحالية بغض النظر عن الفشل الذي أصابها في تأدية مهامها في الإنتقال الديمقراطي

MOUSALIM  (Tunisia)  |Lundi 12 Août 2013 à 22:57           
احتمال انتصار قوى الردة معدوم في تونس وقد ثبت ذلك خلال الهزائم المخزية للمتمردين بعد الثورة والى اليوم .والمعارضة تخوض الدربي في تونس وعينها على نتيجة الدربي المصري الذي لن يكون له تأثير يذكر والانتصار سيكون لارادة الشعوب في الحرية .وتونس بعيدة عن حل الحسن وبعيدة جدا عن حل الحسين فشعبها متماسك ضد كعبتين وكعبة من المتمردين على شرعية آدم شرعية الاختيار الشعبي ....

Mandhouj  (France)  |Lundi 12 Août 2013 à 22:57 | Par           
Il n'aura jamais un deuxième karbala. Tous simplement parce à l'époque el houseyne n'avait pas un peuple derrière lui. Et la une grande partie de la population se mettrait contre le rcd et les partis de la gauche sanguinaire, et l'ugtt cette fois ci ne rentrera pas dans le combat, du moins officiellement.
Résultat: la démocratie gagnera. Ben Ali harab. Mandhouj Tarek.

Godefroy  (France)  |Lundi 12 Août 2013 à 22:55           
Vos références sont vraiment puisées à bonne source et vos hypothèses ne souffrent pas discussion.
l"opposition radicale" et "les malfaisants" si je comprends bien sont de la mème race.
pour un analyste, vous pourriez choisir votre langage et éviter les basses amalgames.
ridicule et peu concluant pour une contribution qui se veut référencée, avec des notes de bas de page.


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female