الفرق بين المعارضة المصرية و المعارضة التونسية

بقلم الأستاذ بولبابة سالم
استطاعت المعارضة المصرية أن تحشد الملايين ضدّ الرئيس المنتخب محمد مرسي , وجمعت حملة تمرّد التي نظمها الشباب المصري 22 مليون توقيعا . و السؤال المطروح , لماذا استطاعت المعارضة في هذا القطر العربي الشقيق ما عجزت عنه المعارضة في تونس رغم وحدة الهدف عندهما ؟
استطاعت المعارضة المصرية أن تحشد الملايين ضدّ الرئيس المنتخب محمد مرسي , وجمعت حملة تمرّد التي نظمها الشباب المصري 22 مليون توقيعا . و السؤال المطروح , لماذا استطاعت المعارضة في هذا القطر العربي الشقيق ما عجزت عنه المعارضة في تونس رغم وحدة الهدف عندهما ؟
الفرق بين المعارضة المصرية و المعارضة التونسية هو في الخطاب السياسي , مسألة الهوية محسومة لدى أشقائنا المصريين فلا أحد يشكك في الإنتماء العربي الاسلامي لمصر و أغلب رموز المعارضة المصرية ملتزمون دينيا فتجدهم في صلوات الجمعة مثلا – و تابعنا محمد البرادعي و حمدين صباحي في مساجد مختلفة حتى زمن حسني مبارك - و في أغلب المناسبات الدينية و خلافهم مع الإخوان هو خلاف سياسي , أما البعض من معارضينا- و أقول جيدا البعض - فعداؤهم للنهضة ليس لفشلها بل لمرجعيتها الإسلامية , إنهم لا يملكون الشجاعة لإظهار رفضهم للإسلام - وهو حقهم وهم أحرار في ذلك - لكنهم يرون في الإشارة إلى - الإسلام - في الدستور سببا لرفضه لأنّ مقرر الدستور ينتمي إلى حركة النهضة . بمثل هذا الغباء تزيد بعض وجوه المعارضة في شعبية النهضة من حيث لا تدري. لذلك فالمقارنة مع المعارضة المصرية لا تجوز وهي مجرد وهم و خيال .
من طرائف بعض معارضينا أنّهم أصرّوا على فتح مشرب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي ترأسها الأستاذ عياض بن عاشور في شهر رمضان المعظم و احتجّوا بشدّة على غلقه في الشهر الفضيل , و أولئك ساندوا بن علي في محاربته لكافة أشكال التديّن و كانوا ذراعه الإعلامي و الثقافي في سياسة تجفيف المنابع .
لست نهضويا و لن أدافع عن أخطائها و أهمّها إصرارها على تعيين الأستاذ الحبيب خذر مقررا عاما للدستور و كنت أتمنى في إطار سياسة الوفاق التي انتهجتها الحركة تأييد ترشح العميد الفاضل موسى لهذا المنصب نظرا لمكانته العلمية و نظرته الوسطية و أخلاقه العالية التي جلبت له احترام الترويكا الحاكمة و المعارضة على حد سواء. لكني مع ذلك لا أنكر أنّ النهضة قدّمت تنازلات هامة من أجل التوافق مع شركاء الوطن حول مضامين الدستور حيث وقع تضمين ما تمّ الإتّفاق بشأنه في الحوار الوطني كما صرّح بذلك السيد أحمد نجيب الشابي , كما قدّمت تنازلات في السلطة بتخليها عن وزارات السيادة و تلبية مطلب المعارضة بضرورة تحييدهن .

لقد حيّدت المعارضة المصرية الجانب الديني و جعلته مشتركا بين الجميع و بقي الصراع سياسيا كما كان لبعض المعارضين تاريخ نضالي مشرف ضد نظام حسني مبارك مثل أيمن نور و محمد البرادعي الذي كان سيترشح ضدّه , و كذلك المناضل القومي الناصري حمدين صباحي الذي انتقد بشدّة سياسات حسني مبارك الداخلية و الخارجية خاصة حول القضية الفلسطينية إضافة إلى دورهما في الثورة المصرية .أما معارضينا فباستثناء نجيب الشابي و حمة الهمامي فإن البقية لم نسمع عنهم مواقف تستحق الذكر في سنوات الجمر بل أصبح بعضهم معارضا بعد 23 أكتوبر عندما لم يعد للمعارضة ثمنا كان يعرفه الجميع . و الأغرب أن بعض المعارضين اليوم لم نر لهم موقفا واحدا ضدّ المخلوع و نظامه بل كانوا في قمّة النعومة و الإنبطاح و لم تقع مساءلة أحد منهم رغم مرور أغلب المعارضين الحقيقيين على قلم التحقيق .
نعم , إنّ سلوك بعض المعارضين – كما شاهدنا بالأمس- أشبه بالسيرك السياسي لذلك فهم يقدمون خدمات جليلة لحركة النهضة بتلك التصرفات الرعناء ’ لقد بدا المواطن البسيط ينظر إليهم كسياسيين لا يحترمون هيبة المجالس لذلك فقد أساؤوا لأنفسهم و ليس للمجلس , و لن يضع الشعب مصير بلده و مصيره بين أيدي عابثة , و أظهروا نوّاب النهضة أمام الشعب كسياسيين مسؤولين يتحلون بالرصانة . و من مهازل التيار القومي في تونس مثلا أنه رغم تاريخه النضالي فقد ارتضى أن يكون تابعا لأقصى اليسار, أما في مصر فإن حمدين صباحي و التيار الناصري القومي الذي يمثله يجر قاطرة المعارضة القومية و اليسارية و الشباب غير المسيّس.
ما يوحّد المعارضة التونسية ليست البرامج بل معاداة النهضة , و حجم عداوتهم لبعضهم أكبر من عدائهم للنهضة لكن تلك المعارك مؤجلة لما بعد التخلص من الثور الأبيض رغم أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة كما قال ماركس .
لتأكيد العبثية الإيديولوجية في تونس التي أصبحت من الماضي في الدول المتقدمة أن أغلب التوجهات الإقتصادية للترويكا و نداء تونس و الجمهوري و المسار متشابهة بل و تصل إلى حد التطابق , فكلهم يتبنون النموذج الإقتصادي الليبرالي الذي يعتمد اقتصاد السوق , و الإقتصاد هو جوهر حياة الشعب الكريم لكنه آخر اهتمامات النخبة السياسية . لذلك فإن استنساخ الحالة المصرية هي أضغاث أحلام لأنّ طبقتنا السياسية بعيدة عن الشعب و مازالت تعيش صراعات الماضي . و عندما نجد أنّ بعض معارضينا تزعجه كلمة – الإسلام – الذي هو دين الشعب في الدستور و يريدوا أن يحكموا تونس , فنقول لهم : من أنتم ؟ و هنيئا للنهضة بمثل أولئك المعارضين ؟
كاتب و محلل سياسي
Comments
50 de 50 commentaires pour l'article 67765