هذا الوطن يجب أن يسعنا؟

<img src=http://www.babnet.net/images/7/chouket.jpg width=100 align=left border=0>


د. خالد شوكات

لدينا كتونسيين كل المقومات لنجعل من أنفسنا و بلدنا نموذجا يحتذى رائدا في منطقتنا جديرا باحترام العالمين لنا، كما لدينا أيضا كل المقومات لنخرب بيتنا بأيدينا و نضحك الآخرين علينا و نعيد بلادنا سيرتها الأولى فلا ثورة قامت و لا دم سال و لا شعب نهض.

و من حيث ندري و لا ندري، قد يصر بعضنا على النظر إلى 14 جانفي باعتباره 7 نوفمبر مكرر، فلكل نظام جديد يقوم أهل جديرون به كما لكل نظام سابق أزلام و فلول إن لم تنصب لهم المشانق تكرما من الثوار فإن عليهم أن يلزموا بيوتهم و لا ينسوا ماضيهم و يذعنوا لإرادة الحكام الجدد، إذ ليس من العدل حسب بعضنا أن يأخذ هؤلاء زمنهم و زمن غيرهم، و ما أسس منطق مثل هذا إلا لدورة استبدادية جديدة لا يعلم أحد مداها.



جميعنا تقريبا يتبارى في نشر خطاب الضغينة، و كبارنا واقعون تحت سطوة الحملات الانتخابية المبكرة و بريق السلطة الممكنة، و أصوات حكمائنا دعاة السلام و التعايش و السمو الأخلاقي خافتة، و غالبيتنا تشحذ لبعضها البعض السكاكين و السيوف و الألسنة، و كأن على ساستنا أن يكونوا جميعا ملائكة، تماما كما ينظر إلى معارضينا باعتبارهم شياطين مردة.
أجواؤنا العامة غير مشجعة و سماؤنا ملبدة بغيوم ما في قلوبنا و ما تلهج به ألسنتنا، و أنا على يقين أنه بمقدورنا أن نجعل من حياتنا – كما هي اليوم و دون أدنى تغيير و بكل ما تحويه من مشاكل مستعصية- حياة أكثر ملاءمة للعيش و أطيب و أنعم، فالأخلاق الحميدة و الكلمة الطيبة و النفس اللوامة و الروح الإيجابية الخلاقة قيم تلين الحديد و تجعل الصحراء القاحلة عامرة.
و أحسب أن كثيرا منا قد استمرأ قول السوء و تفريغ عقده بسب و قذف و ثلب الآخرين، حتى أولئك الذين يفترض أن يكونوا قادة شعبهم إلى الخير، يقفون من أعلى منبر في أعز مناسبة و في أكثر أماكن البلاد رمزية، لا ليكونوا قدوة في القول و الفعل، ينقلون الحكمة التي اكتسبوها من بلاد العم سام، و يزينوا للناس حسن المقال و دعة السلم وحب العيش المشترك بين الإخوة أبناء الوطن، بل لينفثوا ريح السموم و يشجعوا على قطع الأرحام و يؤججوا مشاعر الحقد و الكراهية، فما هكذا تورد إبل الأوطان و لا هكذا أقام من سبقنا إلى الديمقراطية عراها.
لم نحفظ طيلة أكثر من عامين لكبير مقاما، و لم نبق لعفيف أو شريف أو عالي مقام ذمة، و تبارينا في سباق محموم متواصل في التطاول على كل رمز و قيمة، و تسابقنا في تجريم كل كاتب و خطيب و كل ظاهر و مستتر و كل حزب و تيار و جماعة، و كرسنا طبائع الانقسام و الانتقام، و جعلنا لممارسة العقد النفسية و الأسقام المعنوية أساسا في التنظير و الممارسة، و عادينا كل مستنكف لا يخوض معنا في صراعاتنا و لا يجاري ما انحرف من طبائعنا و ميلنا شبه الفطري إلى جلد ذواتنا و تعذيب بعضنا.
و على هذا النحو حولنا مواقعنا الإعلامية إلى مراكز للشتيمة و التكفير و التزوير، و حولنا الحرية إلى مطية لأراجيف المرجفين و أكاذيب الكاذبين و افتراءات المفترين، و حولنا الديمقراطية إلى دين عنيف و عقيدة اقصائية بدل أن تكون مجرد آلية سلمية لتنظيم اختلافاتنا و استيعاب تناقضاتنا، و حولنا الثورة من فرصة للوطن إلى فرص لجماعة من بيننا دون سواها.
و لا أرى إلا أن القادم من معاركنا حول الدستور و الانتخابات و الإعلام و الهوية و المصالح الاقتصادية و السياسة الخارجية و أدوار الجيش و الحرس و الأمن، أشد و أدهى و أقسى، فهلا ثبنا إلى رشدنا و أحب كل واحد منا لأخيه في الدين و نظيره في الخلق ما يحب لنفسه..
إنني أكاد أجزم لو أحب كل واحد منا لأخيه في الدين أو الوطن ما أحب لنفسه، لاستقامت أخلاقنا التي هي في ذات الوقت جوهر أزمتنا و أصل تقدمنا، فالأمم الأخلاق ما بقيت، و لن يصلح حالنا ما دامت أخلاقنا في الحضيض، فالصحوة الأخلاقية شرط لكل صحوة مادية، و ليس ثمة أمة في العالم، البارحة و اليوم و غدا، بمقدورها النهوض من الكبوة الحضارية و كسب رهان العلم و التقنيات و التنمية دون الأخذ بشرط الأخلاق أولا..
يجب أن لا ننسى أبدا قول المرحوم سي محمد مزالي أن أزمتنا هي أزمة أخلاق أولا .




Comments


8 de 8 commentaires pour l'article 64599

MOAPensee  (Europe)  |Dimanche 5 Mai 2013 à 03:25           
Il change de position plus que son t-shirt. au fait meme s il devient le n° 1 dans le monde restera toujours un " chlaka" . il sait tres tres bien c'est quoi ca chez lui !!!!

Tunisia  (France)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 22:31           
زايد... التطبيل والتلحيس ليه ناسو

MOUSALIM  (Tunisia)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 21:06           
لمن قرأ مقال الدكتور البجبوجي أن يعيد القراءة بين السطور ليقف على الرسائل المراد ايصالها ....

MOUSALIM  (Tunisia)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 20:46           
الخامس من أفريل 2013 كان يوما تاريخيا للدكتور الكاتب بحيث أستقبل بحفاوة من البجبوج وأعلن اثراها عن بيعته للأب الحنون البجبوج ....

Atef_bellaj  (Tunisia)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 20:37           
لا أستطيع أن أكن له أي ذرة من الاحترام وهو المعروف بمداهنته الديكتاتورية لآخر رمق في حياته وهو الذي حاول ارباك الثورة بمواقفه المتماهية مع الفلول والمعادية للثورة وعليكم بالرجوع لما كان يكتبه في tunisnews

Daily1999  (Tunisia)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 10:13           
لن أخوض في تحاليل و آراء السَيد خالد شوكات السَابقة و الَتي لي عليها العديد من المآخذ، ولكن ما كتبه هنا و لغة التَسامح الَتي طغت على كامل مقاله لا تستحقَ إلَا التَشجيع و التَنويه و أنا أدعو الجميع إلى نشرها على أوسع نطاق.
شكرا دكتور.

TITI2  (Tunisia)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 09:29           
و رجع التـــرّ إلى رشده ...

Amir1  (Tunisia)  |Vendredi 3 Mai 2013 à 09:24           
يبدو أن الدكتور خالد شوكات توصل أخيرا إلى ان الموقف السليم هو في
الوقوف إلى جانب الوطن أولا، ثم مساندة كل من يتبنى نفس الموقف بعد ذلك
الأهم : كشف الزيف الذي يتنكر به أعداء الوطن. وهو أمر أظنه يسيرا بالنسبة إليه. أعتقد أن المقال الحالي ينبأ بأن
الدكتور الذي احترمنا آراءه عندما كان يتكلم في قناة الجزيرة سيقدم قراءات موضوعية
ومفيدة لحالة بلدنا


babnet
*.*.*
All Radio in One