الغنوشي و حديث البديهيات

<img src=http://www.babnet.net/images/7/rachedtop2.jpg width=100 align=left border=0>


كريم السليتي (*)

في ظل ظاهرة تضخيم التفاهات حتى أنها أصبحت ثقافة ما بعد الثورة، جاء الحديث عن الفيديو المسرب (من النهضة حسب اعتقادي) الذي تحدث فيه زعيم حركة النهضة عن بعض الأمور التي هولتها جميع الأطراف كالعادة. فمنهم منتصر للغنوشي حيث يبين أن الحركة لم تحد عن مبادئها و أهدافها غير أنها تلاقي صعوبات ظرفية، ومنهم مستنكر لتصريحاته مركزا على إزدواجية الخطاب و تقسيم التونسيين بين مسلم داعم وعلماني معطل.





غير أن هذا الحديث في جله هو تعبير عن بديهيات ناتجة عن حكم استبدادي طوله نصف قرن لا يمكن تغييره في سنة أو سنتين.

هل يتوقع السيد راشد الغنوشي أن يطبل الإعلام له و لحركته (الممثلة للإسلام التونسي المعتدل حسب بعض وجهات النظر) وهو يعلم تمام اليقين أن بن علي و زبانيته المخلصين قد وضعوا معايير اختيار دقيقة لكل صاحب جريدة أو وسيلة إعلامية، ألا لا يعلم الغنوشي أنه لا يُقبل في وسائل الإعلام العمومية إلا من يصادق على تعيينه عبد الوهاب عبد الله شخصيا.

يستغرب السيد الغنوشي أن الإدارة ليست في تناغم مع الحكومة و أن عددا من الموظفين يعطلون و لا ينفذون الأوامر. ألا يعلم أنه في عهد صانع التغيير كانت هناك الأبحاث الأمنية عن كل منتدب جديد في الوظيفية العمومية (من العامل البسيط إلى مستشار المصالح العمومية)، ألا يعلم أن من يقوم بتلك الأبحاث الأمنية لا يترك شيئا للمخاطرة: فإذا وصلته ربع إشاعة أن المرشح للتوظيف له شبه تدين فيه أو في عائلته أو بعض أصدقائه يسحب من القائمة مباشرة. حتى أن الترقية من خطة وظيفية إلى أخرى تتطلب بحثا أمنيا جديدا وهو ما حدى بعدد من إطارات الإدارة إلى مقاطعة المساجد و ربما الصلاة في العلن خشية أن يكتب في شأنه أنه من رواد المساجد. ألا يعلم الغنوشي أن بن علي و من قبله جعل في ودادية خريجي المرحلة العليا للإدارة خمارة تسقي الموظفين الجعة بأبخس الأثمان، حتى يحفظ لهم هيبتهم من ارتياد الخمارات الشعبية.

يستغرب السيد الغنوشي أن الأمن و الجيش ليسا مضمونين، ألا يعلم بأنه إن كان موظف الإدارة يقام في شأنه بحث أمني واحد فإن كل منتدب جديد في الأسلاك النشيطة و في الجيش الوطني تقام في شأنه ثلاثة أبحاث أمنية من جهات مختلفة، يتمحور جلها حول التدين ومدى القرابة من المتدينين.

هذا لا يعني أن الإعلام أو الإدارة أو الأمن أو الجيش لا يضم أناسا شرفاء أو متدينين بل على العكس، لكن أغلب هؤلاء في الصفوف الخلفية، خيروا الابتعاد عن الأضواء حتى لا يقع الأسوأ لهم و لعائلاتهم زمن الاستبداد و القهر. وحتى بعذ الثورة خيروا البقاء في نفس المواقع خوفا من تقلب الزمان. كم أن كثيرا من التونسيين خير السلامة في عهد المخلوع، فمنهم من ترك الصلاة و حافظ على شرفه و قيمه و منهم من ترك الصلاة و القيم معا. ثم إن كثيرا من التونسيين لم يستطيعوا مقاومة ضغط الإفساد الذين كانوا يتعرضون إليه في ظل حرب معلنة و طويلة لا يرى نور نفقها على الأخلاق و القيم و مظاهر التدين. فانتشرت الانتهازية و الأنانية و حب المظاهر والجسد و إهمال الروح و القلوب، فكثر الحسد و الحقد و البغضاء بين التونسيين و أصبح كثير منهم لا يهتم إلا بسفاسف الأمور مبتعدين في ذلك عن مظاهر التحضر و الثقافة والعلم و الحكمة.

نحن اليوم في تونس مازلنا بعيدين تمام البعد عن المهنية و التفريق بين الواجبات المهنية الصرفة و الميولات السياسية أو الايديولوجية. فالموظف حتى و ان كان علمانيا وايديولوجيا ضد النهضة فهذا لا يعني و لا يبرر تعطيل مصالح المواطنين أو تأليب الادارة على الحكومة. و إذا كان قاضيا لا يبرر كرهه للإسلاميين الانتقام منهم لدى الحكم عليهم. كذلك الإعلام و بقية القطاعات فهل يعقل أن ينتقم الجراح من خصمه وهو على فراش غرفة العمليات؟

إن إصلاح ذات البين بين التونسيين لن يرى على أرض الواقع إلى بنبذ الجدال في السفاسف و الاهتمام بما ينفع التونسيين جميعا. ومن أقوى دعائم الإصلاح هو رفع الظلم عن المظلومين من الكفاءات التونسية التي أقصيت عن الإعلام و عن الإدارة و عن الأمن و عن الجيش الوطني بسبب تدينها أو شبهة تدينها. وهناك بلدان مثل ماليزيا طبقت التمييز الايجابي و نجحت فيه خلال السبعينات من القرن الماضي لرأب الصدع و الشرخ الذي كان يقسم المجتمع. و نحن في تونس لا نحتاج اليوم إلى الجرأة السياسية و قوة القيادة في إتخاذ القرارات المصيرية و الصعبة لكنها الكفيلة بتحقيق الاستقرار و التطور الاقتصادي و الحضاري و العلمي لتونس، بلدنا الصغير الجميل.


* كاتب و محلل سياسي



Comments


14 de 14 commentaires pour l'article 55489

Raisonnable  (Saudi Arabia)  |Mardi 16 Octobre 2012 à 19:00           
مقال ولا أروع كاتب و محلل سياسي يبشر بخير أمام هذا الكم من البوليس السياسي اللذي امتهن مهنة التحليل بعد البطالة بعد 14 جانفي و هو يتقنها للعب بخواطرنا

Universitaire  (Tunisia)  |Mardi 16 Octobre 2012 à 13:09           
Une analyse très réaliste de la situation en tunisie et qui met le doigt sur l'origine du mal. si nos politiciens puissent quelque instants oublier leur envie du pouvoir et leurs différents et regarder cette réalité en face et penser qu'un instant nous sommes sur la même galère et qu'il faut mener à bon port, faute de quoi tout le monde fait naufrage.

Observateur  (Canada)  |Mardi 16 Octobre 2012 à 01:39           
حكومة النهضة هي أقوى و أنبل حكومة في تاريخ تونس؟
- تآمر عليها كل من هب ودب : تجم
عيون ،يسار متطرف، نقابيون، الإعلام، مال فاسد، اسرائيل،بن علي وزبانيته في تونس،...
- استعملت معها كل الوسائل : اعتصامات، اضرابات، كذب، تشويه، تزوير، تخويف، تهديد...
- جندت تلفزات وإذاعات وجرائد لشيطنتها
لكنها لازالت واقفة... لم تنزلق نحو الظلم والقهر والديكتاتورية واختارت الطريق الصعب ...تتحمل الآلام والمظالم كالعادة وتحتسبها عند الله ولسان حالها يقول " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" صدق الله العظيم

Riadhbenhassine  (Tunisia)  |Lundi 15 Octobre 2012 à 09:25           
لاحظت من كاتب المقال إستعماله المتكرر للفظة "يستغرب الغنوشي من " ، و بصراحة لم أرى من كلام الغنوشي أي إستغراب، بل هو توصيف للواقع الذي يتجاهله السلفييون و كثير من أبناء الشعب في مطالبهم بالتغيير السريع، و للأسف فإن الغنوشي تكلّم في البديهيات و قد إضطر إلى ذلك إضطرارا و ذلك بعد ما لاحظه من قلة الوعي لدا الكثيرين، و في الحقيقة ما كان له فعل ذلك ، و لكن الظروف و قلة الوعي و الهرسلة الإعلامية البنفسجية هي السبب

Ettttounsi  (Saudi Arabia)  |Lundi 15 Octobre 2012 à 06:59           
مقال في الصميم.فعلا تونس قامت بثورة على نظام سياسي لا كن طريقة تفكير التونسيين ظلت كما هي .لذلك يجب القيام بثورة فكرية وهي الأصعب لأنها تنبع من الذات ولا تخضع لتأثيرات خارجية كثيرة.وفي اعتقادي أن مشكلتنا هي الأنانية بكل أنواعها فلو تركنا الأنانية لصرنا نحترم الدولة ونحترم بعضنا دون ألاخذ في الاعتبار الألوان الساسية أو الدينية أو الجهرية...

Cha3by  (Canada)  |Lundi 15 Octobre 2012 à 03:42           
Excellent article. décrit très bien la situation en t.nisie

Satiro  (Algeria)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 23:50           
La fameuse vidéo de ghannouchi a été diffusé par un salafiste en colère contre ghannouchi et l'araidh.
aprés l'attaque contre l'ambassade d'amérique qui a été programmé et voulu par les nahdhaouis et les salafistes. et après la mort de quatre personnes et les réactions qu'ils y a eu, le ministere de l'interieure commencé a prendre les choses au sérieux, ce qui n'a pas plu au salafistes qui on eu des promesses auparavant de ghannouchi pour qu'ils activent sans problèmes.
ghannouchi a eu des chantages de ce salafiste avant la diffusion de la vidéo.

BENBW  (Tunisia)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 23:43           
أقترح على إدارة باب نات إظافة خدمة تقييم المقالات مثلما هو معمول به بالنسبة لتقييم الردودِ ِ و شكرا

Nadhirgh  (Tunisia)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 20:20           
الثورة التونسية مرت من طورها الشعبى الى طورها الحالىألا وهي الثورة ألآديولوجية...كل ألمعارضة و ألآحزاب اليساريةالمعتدلة والرادكالية ترفض الفكر الدينىالمعتدل و تسعى لآسقاطه و تعويضه بالفكر الحر الهمجى الذى يستهزء بالمقدسات ألآسلامية

Zekri  (France)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 19:39           
Excellant article

NOURMAHMOUD  (Tunisia)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 17:23           
أعتقد أن الحل لمجابهة الظلم و الاستبداد تتمثل في احترام إرادة الشعب التي يعبر عنها بانتخاب من يحكمه .هذا الحاكم المنتخب سيسعى لخدمة مصالح من انتخبه وإقامة العدل ويدفعه إلى ذلك دافع غريزي و شرعي و من أسس العمران وهو حب ممارسة السلطة التي لا ينالها إلا بالفوز في الانتخابات التي تليهاو هذا مرتبط أساسا بمدى خدمته للشعب في الانتخابات التي قبلها.

Observateur  (Canada)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 16:32           
ça y'est , c'est parti! pour felix baumgartner

Observateur  (Canada)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 16:22           
ça y'est felix baumgartner est sur le point de décoller :http://www.20minutes.fr/sciences/1022068-live-direct-saut-supersonique-felix-baumgartner-suivez-exploit-live-des-16h30

TunisiaYes  (Tunisia)  |Dimanche 14 Octobre 2012 à 16:17           

... الغنوشي يورط النهضة من جديد
ياشيخ إعتني بثرواتك في الخارج واترك الشباب يسطرمستقبله


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female