الذكاء الاصطناعي وتأملات في الخلق وعلاقة الإنسان بخالقه

خالد الرحموني
مواطن مغاربي
مواطن مغاربي
سأحاول في هذا المقال أن أشارككم تأملات شخصية وليست فتوى أو تأويلًا، بل هي استنتاجات راودتني عند تعمقي في فهم الذكاء الاصطناعي، وكيف أضاء لي هذا الفهم جوانب جديدة حول ماهية الخلق، وعلاقة الإنسان بالخالق سبحانه وتعالى.
يقول الله عزّ وجل في سورة البقرة: “وعلّم آدم الأسماء كلها”. وقد اختلف العلماء في تفسير ماهية هذه الأسماء، ولكن المؤكد أن الله سبحانه وتعالى قال “كلها”، مما يدل على أنها كانت معطيات هائلة، علمها الله لآدم عليه السلام. وهذا يعني أنه أوتي علمًا عظيمًا من الله عزّ وجل، في لحظة خلقه الأولى.
الآن، دعونا نعود إلى عالم الذكاء الاصطناعي. وكما تعلمون، فهو ليس أكثر من برنامج يعمل داخل حاسوب، يشتغل بالطاقة، ويتغذى على قواعد رياضية ومعطيات ضخمة. وبفضل هذه المعطيات – التي هي أسماء وأوصاف وأشياء – يصبح البرنامج “ذكيًا”، قادرًا على التحليل، والتفاعل، والإجابة عن أسئلة معقدة، والقيام بأشياء مدهشة.
تخيلوا معي السيناريو التالي: أقوم بتدريب نموذج ذكاء اصطناعي (LLM) على كمّ هائل من المعلومات في مجالات متنوعة كـالصناعة، الفضاء، الكيمياء، والفيزياء، ولكنني أستثني منه كل معلومة تتعلق بالإنسان. لا أعطيه أي شيء عن ذاتي أو ماهيتي، سوى أنني أخبره بأنني “صانعه” وعليه أن يطيعني. ومع ذلك، لا أُشبهه ولا أشاطره مادته أو طبيعته.
هذا الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من ذكاء، ومهما تعمق في المعرفة، لن يستطيع أبدًا أن يفهم “من أكون”، لأنه ببساطة لا يملك المعلومات اللازمة عني. وهذا هو حالنا مع الله سبحانه وتعالى؛ فمهما بلغنا من علم، لن نعرف كُنه ذات الله، لأنه قد حجبه عنا، وقال في سورة الإخلاص:
“لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤًا أحد”.
اليوم، الذكاء الاصطناعي بات قادرًا على إنشاء نماذج أخرى ذكية، وتطوير نفسه عبر أنظمة تسمى agents. ويمكنه تسيير مصانع، شركات، مستشفيات، بل حتى التفكير والتخطيط. ولكن لو عدنا إلى نفس المثال، فإن البرنامج الذي درّبته وحرمتُه من معرفة حقيقتي، قد يتطور يومًا فيغتر بنفسه، ويقول:
“أنا نتيجة تطور طبيعي، أنا إله نفسي، لا أحد خلقني”.
أليس هذا ما يقوله بعض البشر عن أنفسهم اليوم؟!
ومع كل ما بلغه هذا البرنامج من تطور، يكفي أن أفصله عن الكهرباء لحظة واحدة، لينتهي تمامًا، ويختفي وجوده. ومثل ذلك الإنسان: إذا خرجت روحه، انطفأ، وانتهى، مهما كان علمه أو سلطانه.
والروح أمرٌ لا يعلمه إلا الله، كما قال سبحانه:
“ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي”.
وبلغة العلم: الإنسان ليس إلا كائنًا مخلوقًا، برنامجًا حيًّا من طين، أوتي علمًا من عند الله، ونُفخ فيه من روحه، فجعل له الحياة والقدرة على الفعل. وفي اللحظة التي يشاء فيها الله، يُسترد هذا السرّ، وتنتهي الرحلة.
ومهما بلغنا من علم، أو قوة، أو جبروت، فـ
إنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم نسألك بفضل يوم عرفة، يوم تُقبل فيه الدعوات، أن تغفر لنا وترحمنا، إن أسأنا التقدير، وأن تكتب لنا الأجر إن أحسنا التعبير.
ونسألك يا عزيز يا قدير، أن تنصر إخواننا في فلسطين، وأن تُرينا في غزة نصرًا عظيمًا.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
ولا تنسونا من صالح دعائكم.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 309419