الحلقة 9... الوضع ليلة الاستفتاء

غلطة المدرسة (1): مادة الإسلامية شَوّهُوها
سبق للمدرسة التونسية بش خاضت تجربة تهدف لإصلاح منهجية فهمِ النص الديني لكنها كانت تجربة فاشلة. اللي كان يتسَمى إصلاح متاع برامج تعليم مادة التربية و التفكير الإسلامي اللي قام به محمد الشرفي (1989-1991) أفضى لاختزال المدونة الدينية وحَصرها في مواضيع مختارة من كتاب الله. وقد تم هالانتقاء حسب أهواء الخبراء المشرفين وقتها أي كان انتقاء إيديولوجي. وكانت النتيجة أن الشباب المتمدرس جنى إما التغرّب وإما التشدد الديني (وما انجر عنو من فكر داعشي وإرهاب).
*
غلطة المدرسة (2): التفريق بين المواد
مجرد أن يكون تلميذ يتعَلم في الرياضيات و الفيزياء وعلوم الحياة والأرض والمعلوماتية وغيرها، ويتألق فيها وينال جوائز بفضل تَأَلقو فيها، هذا ما يدُلّش اللي التلميذ هذا عندو عقَل متطوّر يسْمَح لو بش يساهم في تقدم المجتمع.
ما دام التلميذ ما يتعلّمْش لاش تصلح هالمعارف والعلوم وعلاش يِدْرِس فيها وكيفاش يوَظّفها في وجودو وحَسب شخصيتو والهوية الثقافية متاع بلادو، بش يبقى هالتلميذ مُجرد ألعوبة في يد كل أصناف المتلاعبين، المحليين والخارجيين.
آشنية الضمانة بش يِتحَطّ وجدان هالتلميذ وعقلو عالمسار الصحيح؟ الضمانة هي تظافر وتداخل المواد والمعارف والعلوم مع بعضها. لأنّ إذا كان هذا ما يتِمّش، التلميذ بش يصبح طالب ماهُو مُعتني إلا بمادة الاخصاص متاعو، ومِن بَعد ربما يصبح مُدرّس او مهندس أو طبيب، زادة ماهو بش يَعرف كان مجال اختصاصو. خلّي ناخذو مثال الطبيب: المريض قد يمشي لطبيب متخصص في أمراض المعدة والأمعاء، ويكتشف الطبيب اللي المريض عندو مشكل نفسي يأثّر على جهازو الهضمي. ممكن يبعثو لطبيب نفساني، لكن ممكن ياسر ما يجِيش لبالو بش يبعثو. نقولو هالطبيب عندو مقدار كافي من الغيرية والمسؤولية، ويقرر بش يبعثو للنفساني. يا هل ترى بش يصير تنسيق بين الزوز أطباء، المختص في الهضمي والمختص في النفسي؟ ما ظاهرلي. اللي بش يصير هو كل واحد يَلعَب على درابّوه، على الزي، على زَي راسو، كيف ما يقولوها. لا الطبيب هذا يهِمّو في آش عمَل الطبيب لاخر، ولا لاخر يهِمّو في هذا. كان عَمْلو المليح، الطبيب هذا وإلا لاخر يسمع من عند المريض آش قال الطبيب لاخر. ماثماش تواصل وتنسيق بين الأطباء. ما ثمّاش تشاور بيناتهم. ما ثماش تعاون بيناتهم. ما ثماش قرار مشترك بيناتهم، لا لفايدة المريض ولا لفايدة العلم. بل المصلحة العليا هي لفايدة المهنة ولفايدة الطبيب.
يعني أكيد ثمة رابح وثمة خاسر في وضعيات دارجة كيف هاذي. الرابح هو الطبيب والربح متاعو مادي لا غير. أمّا الخاسر فهُم متعددين. المريض أوّل الخاسرين. لكن زادة السيستام كامل. والمجتمع والبلاد هومة الخاسرين في النهاية.
نفس الإشكال موجود عند المُدرس والمهندس وغيرهم من المِهنيّين. المُدرس متاع الفيزيا أو العلوم الطبيعية أو الرياضيات ممكن ياسر، وفي أغلب الحالات، ما يعرفش يحكي أدب ولا فلسفة ولا فكر، بالتالي ماهوش قادر بش يدمج مادة التدريس متاعو في سياق علمي وفكري، كوني ومجتمعي ووطني. بالمثل، مُدرس اللغة الأجنبية ممكن ياسر، وفي أغلب الحالات، ما يعرفش لاش يُصلح الحساب في الحياة عموما وفي المعمار وفي الصناعة وحتى في الفكر والفلسفة. بالمثل، المهندس ممكن ياسر، وفي أغلب الحالات، ما يعرفش لا فكر و لا فلسفة و لا سياسة، و في معظم الأحيان ما يعرفش يحَرر سيرة ذاتية صحيحة وإلا تقرير مهني صحيح، بأيّ لغة يدّعي أنو يعرفها.
الحاصل، مجتمع متعدد الأمراض ولا حياة لِمَن تنادي. بلاد راكشة في العادات السيئة ولا مِن قال هاو
كيفاش نَبدَاو الإصلاح، وراهو يبدا من المدرسة، بتعدد المواد multidisciplinarité
لكن أيضا وبالخصوص بتوحيد المواد interdisciplinaritéمن أجل توحيد التخصصات .
*
غلطة المدرسة (3): تجفيف منابع آش؟
الأجيال الحالية ما لقاتش علامات الطريق متاع وجدانهم و وجودهم ربما لأنّ على امتداد السنوات 80 و 90، النظام غلُط في الثنية بعنوان مقاومة الإسلام السياسي حيث إنو حَب يعمل سياسة "تجفيف المنابع" (متاع التشدد الديني) ويذا بيه جفف منابع التديّن بالإسلام عوضا عن التشدد باسم الإسلام. وإلا فيني الروح متاع المسلمين في مرآة الأخلاق، و في مرآة الآداب والفنون، وفي مرآة الاقتصاد، وفي مرآة العلوم؟ آشكون من الساسيين عبّر على هالروح هاذي في الفعاليات السياسية؟ من آش هاربين أو خايفين؟ من الخلط والمزج بين الدين والسياسة؟ يا هل ترى تجفيف منابع التديّن موش زادت في الطين بَلة وبش تتسبّب لاحقا في مزيد من الخلط والمزج؟
*
أبناء المدرسة الفاشلة والحُلم المفقود
الأسعار ارتفعت؟ باهي فهٍمتك. السّكر مقطوع؟ باهي فهٍمتك. السرقة كُثرت؟ باهي فهٍمتك. البلاد وٍحلٍت في الاقتراض؟ باهي فهٍمتك. التعليم فسٍد؟ باهي فهٍمتك. الصحة العمومية تهٍز ساق تُغرُق لُخرى؟ باهي فهٍمتك. ماثماش شُغل للبٓطّالة؟ باهي فهٍمتك. الدولة ماهيش تستثمر في القروش الدولية لإنتاج الثروة؟ باهي فهٍمتك...
يا سي المواطن، يا لٍلَّى المواطنة، إمالاَ آش تقترح بش يٍتقطَع دابٍر مشاكل البلاد والعباد؟ آش نية أحلامك؟ آش نية طموحاتك؟ كيفاش ترى بلادك بعد 20 سنة؟ هكة خَلاوك تحلم بدستور فيه كلمة ديمقراطية، وبمحكمة إدارية، وبانتخابات سابقة لأوانها أي بحاجات ما يِتحلِمش بيها إنما حاجات تتحقق كنتيجة للحلم المصحوب بالعَمَل وبالتطبيق؟ هكة جَرُّوك للتعلق بلغة ما تعَبّرش لا على احلامك ولا على طموحاتك، لغة تحرمك من الحلم ومن الطموح؟! هاني آنا فهٍمتك وانت ما فهٍمتنيش!
*
ديمقراطية شكلية
بان بالكاشف اللي وقت المدرسة و الإعلام ما يقومُوش بوظيفتهم في تربية الأجيال، البلاد ما تحَصّل إلا التخلويض: رانا تعلٍّمنا من عَشرية "الفساد باسم الديمقراطية" اللي دستور يرَكّز على الديمقراطية والنظام الديمقراطي ومفردة "ديمقراطية" وكل مشتقاتها و أخواتها وخالاتها وعمّاتها، ماهوش ضمانة لتكريس لا الديمقراطية ولا الحياة الكريمة للشعب. ومع هذا ما ترَبّيناش. باقي نحِبّو ندَسْترو الديمقراطية! باقي نحِبّو الشكلي! بينما الضمانة الضرورية هي ضمان للحياة السعيدة. هاذي تتحقق بفضل تكريس العدل والمساواة ومناهضة الظلم بأيّ منهج عقلي وعلمي وروحي مُتاح، ومِن بَعد ما يتحَقّق هذا، سَميها اللي تحِب. مِاللخّر ، علاش تونس ما تتجاوزش النظام الديمقراطي (اللي هو على فراش الموت في العالم المتقدم) وتمَهّد لتوليد نظام جديد؟!
*
الاستفتاء و تغيير طُرُق التفكير
إذا كان التصويت بنَعَم على دستور 25 جويلية يمَكّن المجتمع والفرد في تونس بش يبَدّلو طرُق التفكير، يا مرحبا. وبالتوازي مع هالتبديل، لازم السياسيين متاعنا يغَيّرو أدوات التحليل. نعطيكم بِضعة أمثلة:
أولا، حكاية "تونس صغيرة". هاذي شِبه عقيدة راسخة في أذهان التوانسة مُنذ أن حَليت عينَيَّ. هاذي تطَورِت وخَلقِت أداة تحليل غالطة لأنها هي عقيدة غالطة. مشاريع وبرامج وأعمال تمَّت في الماضي بناء على هالفكرة. طبعا ما ماكانتش أفعال ناجحة لأن في الأصل تونس ماهيش صغيرة. مثال آخر هو حكاية "الصناديق الدولية". تقُلّي واقع وما واقع، مانيش بش نِفهمِك. الرضوخ لشروط هالصناديق ناجم عن أداة تحليل قديمة، ولو كانت صحيحة. بش نجَدّدو هالأداة لازم نكَسرو الشروط ونِستغَلو القروض الدولية في تمويل مشاريع نَخلقو بيها الثروة ونخَدّمو بيها البَطالة. ثالث مثال هو حكاية "رُواندا طارت بينا ولازم نَعمْلو كيفْها". رُواندا متاع بعد الحرب الأهلية بلاد تجريبية، تصَنعت في مخابر الأمم المتحدة وبرعاية الولايات المتحدة و انڨلترا و بلجيكا*. عبارة على مثال تهيئة بش يطَمّع بيه الغرب أيّ بلاد متخلفة...بالتالي إذا كان كل مرة في بلاطو التلفزات والراديوات متاعنا ما نسمع كان المديح للحَوكمة متاع روندا وكأنّ هالبلاد مستقلة فعلا وقايمة بروحها(!)، هذا يعني اللي السياسيين متاعنا يتمَناو تونس توَلي كي رواندا وعِبارة على يُرسلُو في ميساج فيه دعوة ضمنية للدول المتقدمة بش يتدَخلو في السياسة متاع تونس، بل بش يتصَوروها كيف ما يَحلالهم، ويغَيّروها بصفة تتماشى مع مصالحهم. الحاصل تغيير طُرق التفكير وأدوات التحليل عملية ما تْجِيش من الهواء إنما لازم تكون مسبوقة أو مصحوبة بتغيير النظرة للدين وما يقترن بيه من فوائد، كيف ما وضّحنا في النشريات السابقة وكيف ما بش تزيد نوضحو في النشريات التالية.
*انظر تقرير "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" بعنوان "إعادة إعمار رواندا ما بعد الحرب". منشور بالانڨليزية على الانتنرت.
(يُتبع)
حمَيدة
للعودة إلى الحلقات السابقة:
الحلقة 1

الحلقة 2

الحلقة 3

الحلقة 4

الحلقة 5

الحلقة 6

الحلقة 7

الحلقة 8

Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 250171