مفارقات تشكيل حكومة نجلاء بودن

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/615563e9116433.04301813_jloephkngfmqi.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)



لا يعرف الشعب التونسي الكثير عن المكلفة بتشكيل الحكومة، من قبل الرئيس قيس سعيد على أساس "الأمر "عدد 117 المعدّل للدستور، نجلاء بودن، وفهي تكاد تكون مجهولة، وغير معنية بالشأن العام، اذ لم نسمع لها مواقف عامة في القضايا الوطنية على امتداد سنوات، وهذه أوّل المفارقات التي جعلتها تحظى بمقبولية أوّليّة الى حدّ الآن.




فمن ناحية هي غير معلومة لدى الرأي العام، وغير مساهمة بشكل عمومي في قضايا المواطنين، وهذا ما لا يجعلها مؤهلة لشغل أحد أهمّ المناصب في الدولة، ومن أخرى "عدم الشهرة" هي ما يجعلها خارج مجال الاستهداف والتشكيك، في وقت دقيق وحساس، ويجعلها لفترة ولو قصيرة بعيدة عن نبش ملفاتها خاصة المتعلق بالفساد المحتمل، او الارتباط الحزبي او الخارجي او الشبكي ايضا الممكن، وهذا يعطي فسحة او لنقل "هدنة" على الاقل قصيرة لحوز حكم اولي ايجابي.

فالشعب التونسي ضاق ذرعا بالارتباطات التي تجعل رئيس الحكومة محكوما بمصالح واجندات من يفرضه، وظلّ يتطلّع للمسؤول غير المرتبط بالمصالح الخاصة او مصالح فئوية او قطاعية ضيقة او مرتبط بلوبي ما داخلي او خارجي، في زمن غابت فيه المصلحة العامة او كادت، غير انه يطرح الاستفهام بقوّة حول قدراتها (اي بودن) التسييرية وفي الحوكمة، لاهم المناصب اذ الخبرة الادارية والاكاديمية لا تكفي لتسيير دولة، ولكن في المقابل يطرح السؤال عن سلطاتها وصلاحياتها ان كانت تتطلب مؤهلات قصوى في ظل "الامر" عدد 117، الذي يمنح رئيس الحكومة سلطات محدودة تجعله مجرد مساعد للرئيس لا يرتقي حتى لمجرّد وزير أوّل.

الرئيس الذي يبدو أنّه صار تحت الضغط العالي لتشكيل حكومة وتسمية رئيس لها، بعد تصاعد الهجمة الاعلامية الخارجية في عديد الجرائد من "لوموند" الى "لوبوان" وصولا لـ"ليفيغارو" و"ماريان"، وبيانات الخارجية الامريكية وعدد من اعضاء الكونغرس الامريكي الاخيرة، وبعد ارتفاع حدة الضغط الداخلي من وقفة 26 سبتمبر التي قاربت 5 الاف مشارك من مشارب مختلفة، وبيانات الاحزاب والمنظمات والجمعيات الوطنية التي رفّعت النقد للبعض الى حدود الاتهام بالخروج الكامل لسعيد عن الشرعية، ولذلك كان الامر في غاية الاستعجال لدرأ ما يمكن من الضغط العالي، وكانت الاسبقية للتكليف دون اغفال تحقيق عدة اهداف اخرى محورية.

سعيد استند على الاغلب الى عنصر المباغتة والشكل والصورة على حساب المضمون، وهو الذي لا يولي للمضمون الحساب المستوجب في أغلب الاحيان، والاختيار على جامعية يظهر أنه مقصود للاستعاضة عن فقدان "الكفاءة السياسية"، لكن الاهم والابرز هو المسألة الجندرية باختيار امرأة، وهو ما كرره في ثلاث (3) مناسبات في مداخلة بأربع (4) دقائق، معتبرا الامر "لحظة تاريخية" وبأنه "أوّل مرة امرأة تتولى رئاسة حكومة في تونس"، وهذا على الظاهر للتغطية عن كل عيوب المعنية، واشغال المتابعين بالمسألة الجندرية التي تحوّلت الى موضوع أساسي للنقاش اختزل ابرز جوانب الحدث، وفي هذا نجح سعيد بشكل كبير.

الصورة كانت أساسية فالمنصب أصلا (اي رئيس حكومة) لم يكن أساسي لدى سعيد، وقد حوّل النظام السياسي في دستور 2014 الى رئاسي بسلطات امبراطورية مطلقة، وهو لا يحتاج الى رئيس حكومة فعلي يسيّر الحكومة ويضبط سياساتها، وقد كان (اي سعيّد) يتحدث في لقائه بمجموعة اساتذة القانون العام الذين التقاهم بالقصر قبل ايام عن حكومة رئيس بكتاب دولة، ورئيس الحكومة في تصوره ليس اكثر من مساعد يسهر على التنسيق بين افراد الحكومة وتنفيذ سياسة الرئيس، ولا سلطة له في تعيين اعضاء حكومته الذين يسميهم رئيس الجمهورية وفق الفصل 16 لـ"الامر" عدد 117.

سعيد اختار وجود رئيس حكومة لمزيد ابراز الفخامة ووضع وسيط بينه وبين الوزراء، وللتنصل عند الاخفاق من المسؤولية وعزل رئيس الحكومة بشكل استعراضي، كما هو الشأن مع بورقيبة وبن علي طيلة العقود السابقة، وحوز المنجز عند النجاح وفي فترات الاستقرار والرخاء، فحتى أعضاء الحكومة على الاغلب تم تحديدهم، فسعيد عن تكليفه بودن طلب منها تقديم تشكيلة الحكومة في "الساعات" قبل ان يستدرك بسرعة ويقول "الايام القليلة القادمة" وتبدو على الاغلب رئيس الحكومة مجرد "كمبارس" لا غير، والامر سيظهر ويتضح اكثر عند تحديد الاسماء والمحافظة خاصة على المكلّف بتسيير الداخلية، وبقية الاسماء الذين لن يخلو منهم شبكة الرئيس التي ساعدته في حملته "التفسيرية"، وربما مقربي شبكة القصر، مثلما حصل مع الفخفاخ والمشيشي.

وهذا أوّل اختبار لهذه الحكومة التي اذ ستمرّ بمجرد امضاء "الفرمان" الرئاسي دون تزكية برلمانية ودون حرج في الخصوص، فهي ستلاقي الاستهجان والاستنكار لو سقطت في تركيبة مشكلة من جماعة الرئيس، ولو أن الرئيس اكّد على وجود "فريق متجانس" لجسامة التحديات التي ستواجهها، ولو انها لن تخضع للمساءلة البرلمانية وبلا رقابة سوى امام الرئيس، في مهمّة اختزلها الرئيس في شق أساسي أوّل في "مكافحة الفساد" وفي شق أساسي ثان في الاستجابة لحقوق التونسيين في "الحياة الكريمة"، والمفارقة هنا تبدو عميقة اذ لا نعرف لنجلاء بودن خبرة ولا منجزات في مكافحة الفساد ولا حتى مجرد معرفة نظرية، وايضا في خصوص عناصر شق "العيش الكريم" المتمثلة في الصحة والنقل، وحتى التعليم الذي مارسته فتبدو تجربتها بلا نتائج تذكر ان لم تكن فاشلة.

ودون الخوض في ادارتها لادارة الجودة بوزارة التعليم العالي منذ مطلع العشرية الفارطة، ودون الخوض في اضطلاعها بمهام استشارية لدى وزير التعليم العالي، ويكفي التدقيق في مدة اشرافها ابتداء من 2016 على مشروع اصلاح التعليم العالي بربطه بالتشغيل (الذي موّله البنك الدولي للانشاء والتعمير بقرض بقرابة 70 مليون دولار) ، والاطلاع على قيمة الشهائد العلمية العقيمة المتهاوية بل المنتجة للاحباط العام لدى الشباب، للوقوف على الامكانيات والنتائج المحدودة للمكلفة بتشكيل الحكومة حتى في مجال اختصاصها.

المفارقات الحقيقة تزداد اكثر فأكثر لما لا نكاد نعثر عن اشارة لمستوجب "اعادة السير العادي لدواليب الدولة"، اذ المهمة التي حددها سعيد لهذه الحكومة لن تحقق الغاية الاساسية من الدخول في مسار 25 جويلية على أساس الفصل 80 من الدستور، وهو الذي تمّ التعسّف في تأويله في مرحلة أولى قبل شهرين، قبل الانحراف عن اهدافه ومستوجباته كلية في "أمر" 22 سبتمبر، الذي أسس لتحوير للنظام السياسي، وهو ما اعترض عليه عديد القانونيين والمنظمات والاحزاب، واعتبروه خروجا عن الشرعية ما يطرح التحدي الاكبر أمام بودن، التي سيعتبرها الكثيرون غير شرعية، وحتى اتحاد الشغل في قبوله بمستوى الحد الادنى (السميغ السياسي) أكّد على لسان امينه العام اليوم بانه لن يقبل حكومة دون رقابة.

المفارقات الحقيقة كثيرة ومتعددة ولا يمكن الاحاطة بكل تفاصيلها في الخصوص، والرئيس سعيد الذي اكد في خطاب التكليف انه "سيعمل في ظل القانون" وفي "ظل احترام النصوص القانونية"، وضع المكلفة بتشكيل الحكومة في "دوّامة" النزاع حول نفاذ الابواب الدستورية التي تم تعليقها والمؤسسات المجمدة المرتبطة بها، خاصة وانّ المعنية غير مختصة في القانون وفي مثل هذه النزاعات والصراعات المعقّدة، ناهيك انّ القضاء تعهّد بجزء متعلق بمدى شرعية تطبيق الامر عدد 50 لسنة 1978، والتحديات كبرى اذا اضفنا اليها تأزم المالية العمومية والانكماش الاقتصادي وامكانيات عودة الوباء.

الظاهر أنّ الرئيس اختار "البروفيل" المناسب للمكلفة بتشكيل الحكومة ليست هي من يقرر أمر تشكيلها ولو أنّ البيان الرئاسي كلفها بذلك، وامتصّ الضغط الدولي والداخلي الى حدّ كبير وتجاوز مستوجب تعيين رئيس حكومة، مع ضمان القاء المسؤولية عليه عند الفشل وتخفيف المسؤولية الحالية القائمة عليه، ولم يشذّ عن قاعدة افتقاد السند الحزبي وايضا المحدودية السياسية وهذه المرة اضيفت اليها المحدودية القانونية والعملية، فالرئيس يظهر انه يبحث عمن لا يجادل ولا ينازع ويخضع ويستجيب لـ"التعليمات" و"الاوامر" ويصمت عن غضب صاحب السلطة، المهمّ هو تحقيق الحلم نحو المرور لحيازة كلّ السلطات.

ولكن ألا يبدو هدف تغيير النظام السياسي واستثمار كل الطاقات فيه انحراف بأهداف حركة 25 جويلية التي اطلقها الشباب في كل الجهات بالاساس ضد شبكة الريع السياسي والاقتصادي ولوبيات الفساد، التي لم يحقق في شأن تفكيكها سعيد شيء برغم السلطات الجبّارة التي حازها طيلة شهرين كاملين، ما سيصعّب الامور في وجه الحكومة التي ستكون أمام مهمّة معقّدة جدا بين "التدابير الاستثنائية" المركّبة ومحاربة فساد شبه مستحيلة ونوازع رئيس للسلطة واسعة.. برئيسة حكومة محدودة الكفاءة السياسية ؟!!

(*) باحث في الفلسفة السياسية والقانون العام


Comments


8 de 8 commentaires pour l'article 233315

Sarramba  (United States)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 13:43           
@Lechef
Tu les connaissais où Jbali et Laareïdh ?
Pendant qu’ils étaient en travaux forcés dans une cellule « zènzèna » pendant 16 et 17 ans après des années de tortures et sévices inavouables ???
Incroyable les fanfarons restent toujours des fanfarons

Fenac  (Tunisia)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 11:58           
اش قولك انحطواميسي اوك مشهور ياسر ههه

Lechef  ()  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 11:12           
Inconnue , dit-il ! Qu'est-ce qu'ils ont faits et apporté au pays ces personnalités supposées connues en commençant par Jbeli, Layredh...
Quelle est la différence entre les résultats des inconnus '' Jommaa, Chehed,....et ceux supposés connus .?
Etre connu c'est '' bavarder''' à la télé sans prévoir des solutions !

Sarih  (Tunisia)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 09:45           
سي شكري قلت انها غير معروفة وهذا ايجابي، نذكرك حتى قيس ماكانش معروف لا بنضالاته ولا بمواقفه السياسية، كان بعد الثورة يعطي في تفسير لمواقف سياسية حسب القانون الدستوري لا غير وفي الاخير طلع دكتاتور ما ما له مثيل إذا أحنا هالمجهولين ما ربحناش فيهم بل خسرنا خسارة كبيرة ونهية هالخسارة مازال موش معروفة اصلا
سي بن عيسى جدودنا يقولوا:
الوجه إلٌي تعرفه خير من إلٌي ما تعرفاش
ربي يستر تونس

Mnasbad  (Tunisia)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 08:46           
وجد امراة على قد ايدو

Sarramba  (Russian Federation)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 08:28           
يقول: "هي ما يجعلها خارج مجال الاستهداف والتشكيك، في وقت دقيق وحساس" وهي موضفة في البنك الدولي بمهمة، تنفيذ برامج ومشاريع البنك الدولي بوزارة التعليم؟؟؟
يعني أنها من المخربين الأساسيين للهوية العربية الاسلامية للمجتمع التونسي وخاصة لكواد ومثقفي ومفكري الدولة

Sarramba  (Russian Federation)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 08:16           
يقول: "ويجعلها لفترة ولو قصيرة بعيدة عن نبش ملفاتها خاصة المتعلق بالفساد المحتمل"، فيحن أن نجلاء بودن لديها قضية فساد قيد التحقيق (150 مليار)
المصدر: الراصد التونسي


Goldabdo  (Tunisia)  |Jeudi 30 Septembre 2021 à 08:00           
مرة اخرى نستنجد بالمراة للقيام بالاعمال الثانوية.


babnet
*.*.*
All Radio in One