المشكلة ظاهرها عبير ... و باطنها ما خفي كان أعظم

حياة بن يادم
في ظل مواصلة عبير موسي و كتلتها اعتصامها بمقر البرلمان، يظهر من جديد النجم الغائب محسن مرزوق مدونا "ان رفض حركة النهضة تقديم الاعتذار يوحي بان الفوضى الحاصلة داخل البرلمان تخدم صالحهم بعد ان تعطلت محاولات تشكيل حكومتهم و انسدت امامهم السبل".
في ظل مواصلة عبير موسي و كتلتها اعتصامها بمقر البرلمان، يظهر من جديد النجم الغائب محسن مرزوق مدونا "ان رفض حركة النهضة تقديم الاعتذار يوحي بان الفوضى الحاصلة داخل البرلمان تخدم صالحهم بعد ان تعطلت محاولات تشكيل حكومتهم و انسدت امامهم السبل".
بهذه الكلمات دوّن محسن مرزوق مؤسس المجلس المدني الموازي في 2012 لضرب المجلس الوطني التأسيسي، من مؤسسي نداء تونس و صاحب وليمة "الروز بالفاكهة بباردو" في ذات صيف 2013، قصد الانقلاب على المسار الثوري . ومنتحل صفة رئيس الجمهورية التونسية صاحب التوقيع على "مذكرة التفاهم المشبوهة" للتعاون طويل المدى بين تونس و الولايات المتحدة الامريكية في اواخر ربيع 2015. الداعم لحفتر في هجومها على طرابلس في أفريل 2019 . الموصوف خلال كل المراحل و من طرف الأوساط الخليجية نفسها، بكونه عرّابا للثورات المضادة، كما كشف ذلك موقع "أسرار عربية" سابقا بأنه عضو ضمن شبكة تجسس إماراتية تعمل في تونس لافشال التجربة الديمقراطية.
في المقابل، نجد الأطراف المحسوبة على الثورة، و منها التيار الديمقراطي، يعلن انسحابه من مشاورات الحكومة القادمة، ليعلن رئيسها ان حكومة الجملي، لن تنجح في ظل استشراء الفساد و ان "تونس اليوم ديمقراطية فاسدة ". و لا يشجع مناخها على العمل و الاستثمار، و لم يعد هناك مجال للاصلاح. لا أدري سيدي الأستاذ محمد عبو لو تحصلتم على الحقائب الوزارية التي طلبتموها و منها وزارة الاصلاح الاداري، فهل سيكون مجال الاصلاح مازال قائما؟ ، و هل وقوفكم على الربوة هو للإصلاح أم للفرجة بالعين الشامتة على انهيار الدولة؟.
أما حركة الشعب التي تؤمن بثورة 17 ديسمبر، ثورة الشعب التونسي العظيم. و تكفر ببقية ثورات الشعوب العربية المغدورة، و تدعم ثورات مضادة تقطر دما، مساندة صاحب البراميل المتفجرة، الجاثم على ركام جثث الاطفال و أشلاء النساء، الحاكم على أرض خالية من شعبه الذي اختار المنفى على الوطن. يعلن انسحابه من مشاورات الحكومة، معلّلا ذلك على لسان القيادي في الحركة سالم لبيض، بأن رئيس الحكومة المكلف والذي لم يباشر مهامه بعد، لم يعرب عن رفضه لاتفاقية بين دولتين (تركيا و ليبيا) لا دخل لتونس فيهما، في حين يصمت عن رئيس الجمهورية و هو صاحب الاختصاص في هذا الشأن.
أما رئيس الجمهورية المتوج ب 72.17 بالمائة من أصوات الشعب التونسي العظيم، و الذي وعد باحترام القوانين، نجده اليوم صامتا إن لم أقل رافضا لختم القانون الانتخابي المعدّل، الموجود على مكتبه، ربّما لحسابات سياسية، و الأيام القادمة كفيلة بمعرفة مدى استقلاليته عن الأطراف المكونة للمشهد السياسي التونسي.
في ظل هذا المشهد يجد رئيس مجلس النواب و رئيس حزب حركة النهضة الذي قارب 80 من العمر، في موقف لا يحسد عليه، في جلسات ماراطونية مضنية متعرضا للتنمّر من عبير و شاكلتها، واضعا نفسه في مكانة أقل بكثير من مكانته حسب المعجبين به كمنظّر و زعيم عربي.
لكن يتضح و أن المشكلة التي يمرّ بها الوطن، أعمق من أنها تجاذبات سياسية عادية، في دولة مازالت تتحسّس نهاية نفق مسار انتقالها الديمقراطي. بل هي محاولة ماكرة لنسف هذا المسار برمته بعلم من البعض، و جهل و غباء من البعض الآخر. ليكون الجهلة و الأغبياء هذه المرة، الوسيلة التي يستعملها المتربصين بالثورة، للاجهاز على حلم الشعب التونسي العظيم، المتمثل في تحقيق الرخاء الاقتصادي و الإجتماعي، بعدما ذهب أشواطا متقدمة في مجال الحقوق و الحريات.
رغم رؤيتي المختلفة التي ترى، كان من الأجدى من رئيس حركة النهضة اعتبار القصبة عصب الحكم، و أن لا يتقلد رئاسة المجلس لاعتبارات مذكورة آنفا. فإننا اليوم أمام لعبة شطرنج معقدة ضد كيانات سامّة و خبيثة، يقف متفرجوها للتآمر و للسبّ و في أحسن الحالات للتشجيع، ليس للنصرة بل بالدفع نحو الهاوية، إن كانوا على علم فهي مصيبة، و إن كانوا على جهل فهي مصيبة أعظم لأن الضربة التي تأتيك من الداخل هي الأخطر.
فوق حقل ألغام و رمال متحركة و هامش ضيق من المناورة، يعيش الوطن لحظة تاريخية فارقة، تستوجب شخصية تتحلى بالحكمة و ضبط النفس و خبرة متسلح بعقلية "من أين تؤكل الكتف"، و القدرة على الدفع بالتي هي أحسن و إقامة البينة، و تغليب المصلحة العليا للوطن، هذا هو المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة و الحساسة من راشد الغنوشي. رجل كان عنوان المواجهة زمن بورقيبة، في حين صفّق الآخرين و غرس البقية رؤوسهم في التراب إلا من رحم ربك. فكان ما كان من محاكمات جائرة وصلت إلى الاعدام.. ثم أبدى قليلا من المرونة في التعامل مع عنوان انقلاب 87 فاتهم بالخيانة. و حين انقلب المخلوع على وعوده عاشت حركته محرقة التسعينات، في حين من اتهموها بالخيانة اكلوا من فواضل مائدة السلطة. لتأتي محطة 2013، أتوا بفلول التجمع كعنوان للمّة "الروز بالفاكهة " قصد نسف مسار الثورة بأكمله، استطاع الرجل أن يلعب بطريقة تختلف عن سابقاتها، لينقذ ما يمكن انقاذه فكان دستور الثورة كأهم انجاز.
لكل ما سبق، هل يستطيع الغنوشي بتاريخه المذكور، أن يتفادى الوقوع في الجبّ المحفور؟ لأن المشكلة ظاهرها عبير و باطنها ما خفي كان أعظم.
Comments
3 de 3 commentaires pour l'article 194010