ماذا حدث بالتحديد..

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5d7fc0718bcb44.18954554_ilemqfhknojgp.jpg width=100 align=left border=0>


نصرالدين السويلمي

الديمقراطية هي مشاركة المجتمع في ادارة شؤونه بأشكال مباشرة او عبر وسطاء يرتضيهم، وتعتبر الأحزاب أرقى ما وصل اليه التنظّم الديمقراطية، لذلك هي عمود العملية في انتظار تحيينات أخرى مستقبلية على امل الوصول الى نماذج أكثر فاعلية وربما ارتكست بفعل المال ومصالح الكبار وشرِكات وشرَاكات الاستعباد المهينة للإنسان.





من رحم النشاط الديمقراطي يحدث أن تعزف الشعوب عن احزابها وترحل للبحث عن وصفات اخرى، او تسعى الى استبدال الاحزاب التقليدية المجربة بأخرى غير مجربة، عادة ما يحدث ذلك عند الازمات اذا تعلق الامر بالديمقراطيات العريقة، وعند التأسيس ومراحل الانتقال الاولى اذا تعلق الامر بالديمقراطيات الناشئة، ففي الديمقراطيات العريقة تشهد أوروبا اليوم نوعا من الشد نحو الوعود المتصلة بالمصالح المادية والثقافية المتخففة أو المنفصلة عن حقوق الاقليات ومصالح الشعوب الاخرى و المنظومة الكونية والمشترك الإنساني، وأسباب ذلك طويلة متشعبة، منها الصراع المخيف بين عمالقة المال على حساب الإنسان، ومنها القلق نتيجة للشمولية الصينية "المربحة" ونصف الشمولية الروسية التي تتقدم في كل الاتجاهات وهزيمة السياسي لصالح المالي داخل الديمقراطي وخاصة الجمهوري الأمريكي.

ذلك عن الديمقراطية العريقة، أما الناشئة منها فتونس هي النموذج الأقرب للديمقراطية في مراحلها التأسيسية، حيث غول المطلبية وسلاح الانتظار. فبعد ان هب الشعب الى الساحات لإنجاز ثورته هب الى الصناديق لاستعادة ثروته، نجح في الثورة وقدم مفاتيح الخزنة للنهضة والترويكا وانتظر النقلة النوعية واستعد لاستقبال الثروة التي قال النضال ان الانظمة القمعية المتعاقبة احتكرتها وقسمتها فيما بينها.. لم تأت الثروة فشرع الشعب في التململ، مع معاول الثورة المضادة وحملات التسفيه والتشويه، تجمعت قوى انتقامية واخرى استئصالية ودفعت بالنداء لعقاب الترويكا التي لم تفرج عن الثروة، تلك نسبة 55% بينما ظلت نسبة 45% منحازة إلى الثورة.

لم تأت الثروة مع النداء فانخرم أنصار الانتقام والاستئصال، ثم طال العهد بخزان الثورة فانصرف للبحث عن تجليات أخرى. وتشكلت كتلة كبيرة طوافة لا جنس لها، منقسمة بين قوى عقابية وقوى استكشافية، تبحث عن البديل المفقود او المنشود، يمكن القول أن قطاعات واسعة من الشعب التونسي وسعت مساحة الاستكشاف بأشكال كبيرة، ربما رفعت كل الحواجز والخطوط الحمراء وبحثت حتى في المساحات المحضورة! كان الشعار الغالب هو البحث عن الثروة المنشودة في المرتفعات والمنخفضات والوديان والسواقي وأوكار الطيور وغيران الثعالب والأفاعي، كان شعار الكتل المحبطة، افتش انقب امارس حظي اجرب حتى بإتلاف الاحزاب وبركوب المخاطر اجرب حتى بالقروي وان لزم بعبير وان استوجب بالقصاص واذا تحتم حتى بعلي شورب..

لم يكن تصويت منتصف سبتمبر بالتصويت الغبي بل كان في ملامحه الكبرى التصويت المغامر الذي يغامر من اجل فرصة للربح والا فانه يعتقد ان ما يعيشه قاع الخسارة وتخ زيرها، لذلك لا ينفع مع هذا الكاميكاز الانتخابي دعوات التعقل لثنيه عن هذا المرشح او ذاك.. ربما الكثير من الذين هالتهم النتيجة لا يدركون أن الذئاب الانتخابية المنفردة لا تستهويها حسابات النخب والأحزاب بقدر ما تستهويها لذة التجربة، فان وجدت رئيس البحبوحة فقد حسن طلبها، وان خاب مسعاها فيكفيها شرف الانتقام من عدوها الذي رفض الإفراج عن الثروة.

تُنّقل الجموع الحائرة افئدتها تباعا، وحق لها ان تبحث عن مرادها كما تشاء، حق لها أن تروي ظماها بعد عقود من العطش، اذا لم ترتوي من الثروة فالترتوي من حرية الاختيار ..الاختيار الواعي الزاطل المحربش المحشش العلمي العبثي.. لا يهم، "انا اختار اذا فانا موجود"، ليس المشكل في الجموع الحائرة الباحثة عن خارطة الكنز، بل في ادعياء الوعي السياسي الذين يسفهون كل السابق ويبشرون بكل اللاحق، لا يمارسون النقد البناء للتجربة التي تماسكت بمعجزة في بحر إقليمي دمر نفسه ويسعى الى تدميرها على مدار الساعة، بل يسفهون رحلة الثماني سنوات، ويتحدثون عن النار التي انقشعت والجنة التي حلت! تلك أقراص مخدرة سيدوم مفعولها لسنة تقل أو تزيد، ثم تشرع الحيرة في تجديد نسلها، لان الثروة لن تطل برأسها! ببساطة لان الثروة غير موجودة في مخازن الدولة وإنما في ثنائية القانون العادل والشعب العامل، الثروة تكمن في عملية إصلاح شاملة من الأسفل الى الأعلى، في تنقية الحياة السياسية من الصراعات العقيمة، تكمن في جبهة اجتماعية حشادية الهوى وليست جرادية الغريزة، تكمن في تجفيف منابع التنبير المزري ورغاء أباطرة الإحباط ، تكمن في تهديم كل هذه المصانع المفلسة التي اختصت في تصنيع الشماعات.

نتفهم أن ينتعش الكثير باختيار قيس سعيد، وبسقوط المنظومة خاصة التجمعية الفاقعة، لكن لا نفهم هوس البعض باغتيال فضيلة المراكمة، والاجهاز على طبيعة وفطرة الحياة السياسية التي تتنفس برئة الأحزاب، هذا التسفيه المجنون يشبه المدمن الذي يقتل ويحرق كل ما حوله ليتمتع بجرعة ستسكن حاجته لوقت قصير ثم يعود الى دوامته، كذلك فرح بعضهم بتفكك حزب المؤتمر والتكتل وتراجع النهضة ثم فرحوا بتفكك الجبهة الشعبية ثم تغامزوا على نتيجة المرزوقي في الرئاسيات ووصفوا عبو بالفاشل، عملية التهام مجنونة للأرصدة، سكر واضح جرعته لحظة انتخابية زائلة، يدرك الكثير انها ليست الحل السحري وانها عابرة في المشهد، كما عبر الهاشمي الحامدي والرياحي والشاهد وعشرات الأحزاب التي افلت والاحزاب التي في طريقها الى الأفول.

نحن بصدد مرحلة استثنائية، يتنقل فيها المجتمع بنسق رهيب، يبحث عن عمر او صلاح الدين او ابن الوليد، وان تعذر فلا بأس من البحث عن عمر بن هشام ليذبح الفقر وعن قارون ليطلق خزائنه على الفقراء، في هذه الوقت العصيب، على الاحزاب الجادة ان تحافظ على تماسكها وتصبر على لحظة القلق الانتخابي، تحسن، تحصن، ترمم نفسها وتستعد الى زمن الصفاء، حين يسكت الغضب عن المجتمع ويقتنع ان التنمية سلوكات وليست قرارات، وان مفاتيح السعادة ليس حبيسة دهاليز تحتاج الى رجل قوي امين يفتحها او يخلعها، بل السعادة منطلقة في الحقول ، تحتاج البذرة والماء والكثير الكثير من الجهد المضنى.

وحدهم المراهقون تلفحهم لحظة نتائج انتخابات عابرة، فيتخمرون بها ثم يفزعون الى ثلب تاريخهم وجلد أنفسهم، وتتكاثر الخمرة في عقولهم فيطلقون النار على من حولهم، ثم يطلّقون حاضرهم وينطلقون خلف السراب، وحدهم الرعاع من اذا لمحوا الثريد لمع بريق الخيانة في عيونهم، ثم وحدهم من تحصنوا بالعقل وأحسنوا قراءة اللحظة، وحدهم من يحافظون على الأحزاب الجادة ويسعون إلى تأثيث أحزاب جادة.. تحتاج تونس الى أحزاب قوية لإدارة حياة سياسية سليمة مكتملة الشروط، حياة سياسية سيحتاجها العقل الناخب حين يستريح من مشقة البحث الواهم عن شمشون الجبار الذي سيطلق سراح الثروة من دهاليز الدولة.


Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 189221

Mandhouj  (France)  |Lundi 16 Septembre 2019 à 21:07           
فشلت الأحزاب التاريخية في تحقيق أهداف الثورة الاجتماعية و الثقافية و التنموية. نعم حافظت على التعددية و على حرية الرأي. لكن الله غالب تجيبو كرشو، ليس ميثال عبطي. و لا الوم أحدا جابتو كرشو. فالفقر يكاد يكون كفرا، بالالاه الخالق، و ليس بالحرية فقط. .

حزب النداء عدى 5 سنوات وهو يتخاصم، ففرط في المواطن و خارج بي 4 مرشحين، الشاهد، الزبيدي، مرزوق و سلمى اللومي. حزب 4 حكومات، ظهر أنه حزب أكثر من 4 مواقع فشل، يلزم نحسبو سي العيادي. إذا لم انسى أخرين. نسيت جلول. يخرب بيوتكم.

الأحزاب الأخرى، أداء نوابهم في مدن و قرى دواءرهم الإنتخابية، الله غالب . و مسؤوليهم السياسيين، لم ينجحوا في ايصال، لا الفكرة و لا العذر وهو سخون. هناك من عدوا 5 سنوات نوم، و البعض الآخر، شجار و عراك. و هذا الكلام لأغلب الأحزاب. و أكيد كل حزب ، لم ينجح في بناء عملية تواصل مستدامة، و لو أنه فاقد للحلول. لأن السياسة تواصل. فطبيعي أن يلجأ الكثير من الناخبين لتشكلات أخرى غير حزبية.

أحب أن أقول كلمة.
لا تقدم لا رقي ، بدون حرية ضمير. حرية الضمير اختزلناها في في الحق في المثلية و حرية اللباس ،... ووووو . في الوقت نفسه نحاكم الناس بتهمة الافراط في التفكير، و في الابتكار. تخيل مستوى السياسات و السياسيين. لا حضارة بدون حرية ضمير، بدون تفجير طاقات الإبداع.

لا رقي و لا عدالة بدون مساواة. و نحن عملنا حرب عالمية على المساواة في الإرث. و المساواة في الأجر، لنفس العمل نفس الأجر ؟ رجال الأعمال و الشركات، ما يحبوش !!! و المساواة في الاعتبار ؟ و فنفتح المرأة الحياة السياسية على مصراعيها كما هي للرجل . و أن تكون المرأة في مسؤوليات في مجالس الشركات الكبرى.

ثم يأتي من يحمل فكر ثورجي أو انركي، يتبجح بالحق في استرجاع السيادة على الثروات !!!!

و الله تعبان.
و تصبحون على خير.
لا خوف على الحرية.
تونس بخير.
بن علي هرب.

Mandhouj  (France)  |Lundi 16 Septembre 2019 à 19:24           
نواصل النقاش.

لما تقول أن أرقى و أزيد انجع، تنظم سياسي هو الحزب. نعم صحيح 100% .

لكن منذ ربع قرن بدأ غسل المخ، بكلمات، مثل، البرقماتيكية، التكنوقراط،.... تهشمت الأحزاب السياسية الكبرى على اعتاب العولمة الوحشية، و اعتاب صندوق النقد الدولي. كما تهشمت اقتصاديات الدول. الأحزاب التاريخية تحمل اديلوجيا، و تخوض معركة أفكار، و تخلق احلام،... يكفي فضلا للاديلوجيا أنها تثري معركة الأفكار. طبيعي الاديلوجيا الاقصاءية أمر سيء و فساد و دكتاتورية.

ثم تهشيم طبقة العمال و المهنيين الاحرار، الصغار منهم خاصة، و الفلاحين الصغار، كل هذا لعب دورا في تحويل الوعي السياسي لوعي عبر البطن. و هذا طبيعي أيضاً. فالانسان لا يمكن أن يعيش بالهواء و الحب.

أحزاب كبيرة اليوم، وصلت لدرجة، ليس فقط لم تستطع الإستماع لابناتها و ابناءها، القراب و البعاد، بل بل لم تتمكن حتى من استعاب بعض افكارهم لتؤثث أكثر عرضها الانتخابي . تخيل إلي أي حال وصلت تلك الأحزاب التاريخية . فصدقت عليها، اللطخة. و قد يصدق عليها إن لم تتدارك، إلي يعمل بيدو ربي يزيدو.

رغم كل ما حدث من لطخة أو زلزال،... في تونس هناك البعض من العاءلات السياسية و الفكرية، التي يمكن لها، أن تذهب لعملية نقد ذاتي ديمقراطي عقلاني، و دون تشنج ، و بعد ذلك تذهب لمؤتمر خارق للعادة، و تؤسس من جديد لعهد نضالي جديد، تفعل خلاله حتى أفكار اتفقت عليها سابقا لكن بقيت حبرا على ورق. بمعنى تستفيق.

تحية لك أستاذ.

Mandhouj  (France)  |Lundi 16 Septembre 2019 à 18:42           
سيدي من لا يسمع قبل الساعقة، يجوز في حقه، إلي يعمل بيدو ربي يزيدو، حتى يستفيق. و الحزب الذي لا يقدر في حالات الخطر المحدق، قبل أن يحل الخطر، أن لا أقول يسمع لابناءه و بناته، و إنما يستوعب اراءهم، ليثري عرضه الانتخابي ، فهو يستحق هذه الصعقة، حتى لا أقول التمرميدة. الجميع يعلم أن المال الفاسد يؤثر على الناخبين في خياراتهم . هل هناك دولة تصدت لهذا ؟ لا. لماذا هذه الدولة تسجن فلان و لا تسجن أخرين ؟ معنى ذلك أن المسؤول الكبير أو الدولة العميقة الفارضة
نفسها ، تريد تطويع المسجونين، و ليس معاقبتهم على جراءمهم ضد الخزانة العامة. كل هؤلاء المسجونيين نتيجة فساد، ينتمون للدولة العميقة. أليس كذلك ؟ أم هم متطفلين، استغلوا علاقاتهم فترة ما مع الدولة العميقة، ثم ارادوا أن يؤسسوا دولة عميقة هاميشية ؟ كل واحد يحلل كما يريد في الأخير ! .

قضية القضاء على الاديلوجيات و على الأحزاب الكبرى، هي بدأت منذ أن اقتصاد السوق فرض نفسه، في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. و أصبحت عبارة لا يمين لا يسار في كل نشرات الأخبار في الغرب، خاصة منذ نشأت منظمة التجارة العالمية. كانت هناك تجارب، يمكن أن توصف بالمخبرية، ليروا هل ممكن أم لا، لا يمين لا يسار. كانت مع شارون، لما حطم الليكود و حزب العمل، و أسس لكديمة. عملية ناجحة الأهداف، على كل المستويات. في فرنسا كانت مع ماكرون، حطم الجمهوريين و الحزب
الاشتراكي. الكلام يطول.

نفس الممولين ارادوا فعلها في تونس، مع الشاهد . ماكرون تونسي. لكن في الأخير طلعتلو قرعة. و أمام فشل منظومة الحكم، ذهب الخيار العولمي و الخيار الحر الشعبي، لمن يؤثث البطن. المافيا الصنديدة.
نواصل النقاش.
هذا جزء أول.


babnet
*.*.*
All Radio in One