''حتى أنت يا يوسف !'' ...هل أصبح الشاهد''بروتوس'' تونس ؟

طارق عمراني
« ان التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار لكن في باطنه نظر و تحقيق »
« ان التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار لكن في باطنه نظر و تحقيق »
هكذا قال العلامة ابن خلدون ففي التاريخ عبر و ربما يعيد نفسه بعد الاف السنين و ربما تتحقق بعض الاساطير بشخصيات اخری في ازمنة مختلفة و اماكن جديدة فكم من سيزيف في تونس اليوم يسعی عبثا الی التموقع السياسي و كم من دون كيشوت يحارب طواحين الهواء وكم من مكيافيل انتهازي و كم من "يعاقبة" تخمروا بالثورة التونسية و اندفعوا دون قراءة الواقع ولئن اسعف الحظ الثورة التونسية بعدم دخولها مرحلة الدموية المعروفة في التسلسل المنطقي للثورات فإن الثوار اعدموا سياسيا فوق مقصلة افتراضية و كم من ثائر قال في قرارة نفسه قولة الثائر الفرنسي الشهير جورج جاك دانتون عندما قال وهو أمام مقصلة الإعدام " ان الثورة تأكل أبنائها " ، مستكملا المثل الفرنسي القائل " من السهل ان تبتدئ الثورات ولكن من الصعب ان تنهيها بسلام ".
و لا نبالغ هنا بالقول ان الفيلسوف الالماني هيغل لو عاصر الثورة التونسية لأعتبرها نقطة تحوّل في التاريخ نقلت العالم العربي من جهود التحرر الی وعي التحرر فقد اكد هيغل علی اقتناعه بفشل الثورة الفرنسية و لكنه حافظ علی تمسكه مبادئها التي فشلت في تطبيقها فالحرية و المساواة و الاخاء ظلت مجرد شعارات لكنها تترجمت إلی الواقع بعد مئات السنين ...كذلك شعارات الثورة التونسية "شغل ،حرية ،كرامة وطنية " مازالت الی اليوم شعارات طوباوية مع انتكاس الثورة لكنها عبرت الجغرافيا و صدرت مبادئها إلی دول اخری و ستتوارثها الاجيال وسينصفها التاريخ
ان ما نعيشه اليوم في تونس هو تجل منطقي لسيرورة الثورات فلكل ثورة ثورة مضادة و لكل ثورة مضادة "نابليون "
و اذا تعمقنا في تحليل هذه المرحلة في تاريخ تونس و المعركة التي يعيشها الحزب الحاكم علی السلطة بين ساكن القصبة و جماعته من جهة و رئيس الجمهورية و ابنه و حاشيته من جهة اخری فإن ذلك سيحيلنا علی قصة "بروتوس و يوليوس قيصر " في الامبراطورية الرومانية.
حيث كان للإمبراطور الروماني ابن غير شرعي من عشيقته سيرفيلا اسمه بروتوس ،وكان للقيصر الفضل علی بروتوس بأن دخل عالم السياسة و مجلس الشيوخ ،و اغدق عليه من الاوسمة و المناصب لكن الاخير قرر الانتقام من القيصر بأن شارك في مؤامرة اغتياله مع اعضاء من مجلس الشيوخ حيث وجه له طعنة قاتلة من الخلف ليلتفت الامبراطور الروماني و يقول كلمته الاخيرة "حتی انت يا بروتوس " ليجيبه "انا ايضا احبك لكن احب روما اكثر "
و لا نبالغ بالقول ان هذه التراجيديا الرومانية تعيد نفسها في تونس اليوم و لو بشكل افتراضي فالباجي قائد السبسي هو صاحب الفضل علی رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كان قياديا مغمورا في الصفوف الخلفية لحركة نداء تونس و كل ما يذكر عنه التاريخ قبل 2016 هو ذلك الفيديو المسرب لإحتفالات القيادات الندائية في مقر الحزب بالبحيرة بإنتصار الباجي قايد السبسي في رئاسيات 2014 و رقص الشاهد الهستيري مع اهازيج نابية في حق والدة السيد محمد المنصف المرزوقي اضافة إلی تدوينة فايسبوكية " الباجي وحش السياسة فتق النهضة و المؤلفة قلوبهم " ...

ليشغل بعدها منصب كاتب دولة للفلاحة و الصيد البحري في حكومة الحبيب الصيد ثم يصطفيه الباجي القايد السبسي لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية في صيف 2016 و مازالت اسرار ذلك الاختيار غامضة الی اليوم حيث اشتد عود يوسف الشاهد و انقلب علی الادارة التنفيذية لنداء تونس و من خلفها رئاسة الجمهورية فلا نبالغ بالقول ان ما يحدث اليوم هو اغتيال سياسي لرئيس الجمهورية الذي فقد سطوته و نفوذه امام زحف رئيس الحكومة المغامر و لسان حال الباجي يقول "حتی انت يا يوسف " ليجيبه "انا ايضا احبك لكن احب الكرسي اكثر "
فهل ينجح يوسف الشاهد في استنساخ التجربة الماكرونية حيث تمكن الرئيس الفرنسي الشاب في سنوات قليلة من تسلّق سلم الدولة بالاستقالة من وزارة الاقتصاد في حكومة امانويل فالس سنة 2016 و التنكر لفرنسوا اولاند ولي نعمته (سياسيا) بتكوين "حركة فرنسا الی الامام " و قلب الخارطة السياسية الفرنسية توّجت بصعود امانويل ماكرون ربيع 2017 الی سدة الحكم في قصر الاليزي ؟
Comments
2 de 2 commentaires pour l'article 167931