السفير الفرنسي يدفع الغنوشي للتمسك بالشاهد

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/safirfrandsagannouchiiiiiii.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

لم تشهد الحياة السياسية في العالم على الأغلب حالة مثل التي تشهدها تونس هذه الأشهر، مشهد سريالي لا يكاد البعض يفهمه ويفككه، من الغرابة أنك لا تجد له تفسيرا، لا في أدبيات القيم والمبادىء السياسية، ولا في كنشات الميكيافيلية الانتهازية، الحزب الذي ينتمي اليه رئيس الحكومة يسحب منه الثقة، ويطالب بتغييره ويذهب الى ما أبعد بتجريح عميق في كفاءته، والحزب الحليف الأكبر يعترض ويتمسك بنفس قيادة الحكومة.





وضع إشكالي معقّد أرّق الكلّ، بما فيها النخب السياسية التي عجزت عن تفكيك الأحداث، كما عامة الشعب الرازحة تحت اشتعال الأسعار التي بلغت دراجات قياسية، وإذ لا تنتظر من هذه الحوارات أيّ تحسّن في أوضاعها المتدهورة، فهي صارت لا تنتظر سوى اتضاح الأمور وانجلاء الضباب، وانتهاء هذه المسرحيات الممجوجة وفكّ الحصار المضروب عليها والضغط الذي زاد في خنقها، فلم يعد يعنيها هذا الاسم أو ذاك أو هذا الحزب أو ذاك، فقد صارت الأمور سواء مع هذه الطبقة السياسية الحاكمة الفاقدة في أغلبها للحلول، وتحولت هي الى المشكل الأصلي في البلاد.

حوارات صارت عبثية لأقصى درجة، ففضلا عن خرقها للدستور بخلق مؤسسات عشوائية موازية، فهي تجتر العجز والعقم والفشل، وترسل نفس الكليشيات التي سمعها الشعب مئات المرات، من كل الزوايا ومن كل الوجوه، ولا تبشّر بأيّ انفراج ممكن من خلال العناوين المتداولة، بل تزيد في تكريس حالة جمود وتعفّن الأوضاع، ولا تعكس سوى إرباكا عميقا لدى الأحزاب الحاكمة، من خلال "النداء" الذي انقلب 180 درجة على ممثله في القصبة، والتضحية به ومسح كامل الفشل فيه وحتى الانقلاب على الرئيس المؤسس، في سبيل المحافظة على الوجود والإنقاذ من انهيار بات وشيكا، ومن خلال "النهضة" التي تمسكت بالشاهد ثم تخلت عنه وعادت تمسكت به من جديد، ليس على أساس تقييم وإنما ارتباطا بضغوط دولية.

ومونبليزير اذ أوضحت موقفها النهائي بالتمسك بالشاهد تحت تعلّة المحافظة على الاستقرار، فهي لم تتردد في الإفصاح عن الاعتبار الدولي بالتوازي، البحيرة ردت عليها بحدة تصل للعنف اللفظي عبر تدوينة حافظ (بقلم بسيس) النارية، وأسقطت حجج حزب الغنوشي الذي غيّر موقفه بشكل فجئي، وكان السبب مفضوحًا لهثا وراء إنقاذ الحزب من المحرقة التي وقع فيها، ويريد الخروج منها بسرعة بإلقاء كل الفشل على الشاهد والتنصّل منه حدّ التجريح فيه، وما لم يتم اثارته بشكل مباشر هو السبب الحقيقي لتغير موقف النهضة، الذي كان غير معني بتغيير الشاهد من عدمه في وقت سابق، الى حدود زيارة وفد "السبعة الكبار" مع سفير الاتحاد الاوروبي للشاهد، الذي تبعه زيارة "تهنئة" من السفير الفرنسي للغنوشي بـ"نجاح الانتخابات".

فالنهضة التي كانت تؤجل القرار في التحوير الحكومي والشاهد الى ما بعد البلديات، صارت غير متمسكة بالشاهد كما في السابق واعلنت قبولها بتغييره اذا توافق الجمع على الامر، لكن الزيارة التي قام بها سفراء "الدول السبع الكبرى" بالاشتراك مع باتريس برقانيمي للشاهد يوم 11 ماي 2018، وخاصة بعد زيارة السفير الفرنسي ولقائه بالغنوشي الجمعة 18 ماي 2018، تغيرت نبرتها وتصريحاتها، وصارت منسجمة مع ما صرح به بوافر دارفور بعد اللقاء المشهود مع الشاهد، التصريح الذي عدّه الطبوبي صادرا عن "المقيم العام"، معتبرا تمجيده لحكومة الشاهد "وصمة عار جديدة لتونس".

النهضة أصبحت مناهضة بصفة حاسمة لتغيير الشاهد، وما هو مؤكد أنّ اللقاء بين السفراء السبعة زائد واحد كان بطلب منهم، والهدف كان الدعم المباشر في مقابل الدعوات الواضحة بسحب الثقة منه خاصة من الاتحاد، وخاصة بعد نتائج البلديات التي عاقبت الحكومة بقوّة على منجزاتها السلبية، والامر كان علنيا بعد خروج سفراء فرنسا وكندا اثر اللقاء بالتنويه بالحكومة بصيغ مختلفة، والرسالة (التوجيه) كانت مباشرة للغنوشي بعد لقاء دارفور به، والحقيقة أنّ الرسالة (التوجيه) شملت أيضا كل من اتحاد الأعراف الذي غيّر هو الآخر موقفه بشكل جوهري بعد أن كان مطالبا برأس الشاهد ووصفه رئيسه بأفظع النعوت، كما وُجِّهت بنفس الحدّة للسبسي، الذي يحرص على الظهور بمظهر المحايد علنا، لكنّ يعبّر في كلّ مرّة عبر الناطقة الرسمية قرّاش عن موقفه التي اعتبرت "تغيير الشاهد ليس الحل"، في خروج واضح عن الحياد المُستوجَب، ولكن مفهوم وهو مقصود في تعبير عن التزام الرئاسة بإملاءات الدول الكبرى.

والحقيقة أنّ النهضة المترددة بين دعم الشاهد ورفع الدعم عنه سابقا، صارت اليوم رأس الحربة في التمسّك به، بعد الطلب الدولي المباشر عبر السفير الفرنسي، الذي يخدم مصلحتها الضيقة مباشرة بحماية أغلب وزرائها المستهدفين من التحويرات، واظهار امتثالها للقوى الكبرى الدولية بإبراز نفسها الطرف الداخلي القوي الذي يمكن أن يضمن مصالح هذه القوى، وابعد من ذلك يمكن اعتمادها كوكيل مؤتمن ويمكن أن ينال جائزة "الحصرية"، ودخلت بذلك على طريق تناقضات لن ينتهي على الأغلب، في التفريط في السيادة الوطنية، والتمسك بخيارات فاشلة مسبقا، والاضرار بالمصلحة الوطنية والانتقال الديمقراطي الذين ترفع شعار التمسك بهم صباحا مساءا.

والتخبّط بات كبيرا على النهضة، وفي كل مناسبة صارت "تبدع" في الخضوع للضغوط الدولية، في تفريط صارخ للسيادة والقرار الوطنيين، وهو ما يضر بمكونات الاستقلال الوطني والمصلحة العليا، وفضلا عن ذلك فالتمسك بحكومة لا تنتج سوى الانهيارات والفشل سيزيد في تعقيد الأمور، وزيادة وهو الأخطر تبرير الاخفاق وابتذال الرداءة وسوء التسيير وجعله طبيعيا معتادا، وتشريع الافلات من المحاسبة والرقابة مادامت الحكومات الفاشلة تجد من يدافع عنها ويبرر استمرارها تحت عنوان "الاستقرار"، وهو ما يضرب قواعد الحوكمة الرشيدة والجدارة والكفاءة والفعالية الذين تنبني عليهم وثيقة قرطاج الاولى والثانية، ويكرس قاعدة "القبول بالسيء" حتى "لا يأتي الأسوأ"، المنهج الذي أصبح الغنوشي وصهره عبد السلام وزيتون يتفنون في إخراجه في صيغ مختلفة ببراعة قلّ وجودها في كلّ العالم.

ولا ندري الحقيقة معادلة الغنوشي في الخصوص بالخضوع للسفير الفرنسي، واختيار نهج التصادم بين حكومة متلاشية (فاقدة للثقة من الحزب الذي ينتمي اليه رئيسها) واتحاد الشغل، الذي سيدخل ان استمر الشاهد في معارضة مدمرة لها، خاصة وكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشتعل بالأحمر، والمفاوضات الاجتماعية معطلة وأزمةصندوق التقاعد تتعمق، والغلاء يستشري والدينار يتهاوى والنفط في صعود غير متوقع، الغنوشي في هذهالحالة لن يلقي بالبلاد فقط في أتون النار الحارقة، بل بحزبه الذي سيتحمّل كلّ الوزر السياسي والتاريخي، وسيكون الضحيّة الابرز والبلاد على أعتاب انتخابات تشريعية ورئاسية مصيرية في غضون سنة ونصف.

الثابت أنّ رحيل الشاهد غير كافي لوحده، بالرغم أنّ التغيير في حدّ ذاته يمكن أن يحدث انفراجا نفسيا وانزياحا لغمّة سياسية طالت كثيرا، فاليوم المستوجبات عديدة ولا بد من حكومة تقود الى هدفين استراتيجيين، الأساسي هو تأمين انتخابات 2019، والجوهري الذي يسبق ذلك هو تجنيب البلاد حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الوشيك، ولا يمكن أن يتمّ ذلك بنفس الحكومة ونفس الوجوه ونفس السياسات ونفس الأحزاب التي هي جزء من الأزمة، والحقيقة أنّ تجنيب البلاد حالة الانهيار لا يتم إلاّ عبر رؤيةجديدة وبرنامج جديد بأولويات واضحة وآليات تنفيذية دقيقة فعّالة، لا نظنّ مقتنعين أنّ الأحزاب الحاكمة الحالية قادرةعلى تأمين الحدود الدنيا في الخصوص، وهي المختصة في الانتاج المتراكم للإخفاق!!

(*) قانوني وناشط حقوقي


Comments


5 de 5 commentaires pour l'article 162404

Ammar  (Tunisia)  |Samedi 26 Mai 2018 à 15:18           
قد يكون اتفاقا تحت ضغط السفراء أو المفوض الأممي... المهم أنه اتفاق رغم أنف البلاط وكتلة طوبال... أنجح الانتخابات البلدية... اتفق مع الهيئة... أصدر أمر النفاذ إلى المعلومة... فتح بعض ملفات الفساد وليس كلها... وضع على الطاولة ملفات الإصلاحات الاقتصادية الكبرى رغم لاءات الاتحاد وخطوطه الحمر خاصة فيما يهم الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية... بين يوسف الشاهد من جهة و ولد بوه وعصابة العهدة الثانية والتوريث و"ولد خالة مرتو وزير بن علي" الذي
يحضرونه للبلاصة من جهة أخرى... ليس هناك مجال للمقارنة أو الحياد...

Ammar  (Tunisia)  |Samedi 26 Mai 2018 à 11:21           
الأنباء المتداولة عن تأسيس حزب جديد في وسط اليمين social-libéral بقيادة يوسف الشاهد والمهدي بن غربية ورياض الموخر... يعمل وفق برنامج محدد للإصلاحات الاقتصادية ويتجاوز الاستقطاب الثنائي والعداء الأيديولوجي لحركة النهضة قد يغير الكثير في المشهد الحالي ويحرر الحوار السياسي أخيرا من الاستقطاب الثنائي الذي سيطر عليه منذ الثورة ويوجهه نحو البرامج الاقتصادية والاجتماعية في استحقاقات 2019 مثل كل الديمقراطيات العريقة في العالم...

Cartaginois2011  ()  |Samedi 26 Mai 2018 à 07:42           
الحقيقة ان حزب الأغلبية لم يعد له اطارات تسيره،وأن اقتراح تغيير الحكومة هي شهوة شخصية،و ما يخص النهضة،فإن النواب افهموا الغنوشي ان الذي صار مع الحبيب لن يتكرر

Mandhouj  (France)  |Samedi 26 Mai 2018 à 07:02           
قوی تعطيل العمل الحكومي قويۃ جدا داخل الموءسسات العموميۃ و متعددۃ علی الساحۃ السياسيۃ .. مع إرتباطات خارجيۃ خبيثۃ , خاصۃ مع الكيان الإماراتي المارق عن القانون الدولي و الكيان السعودي الذي يتزعمه الكزيزوفران محمد بن سلمان . . الذي في الحقيقۃ تدور حوله أخبار بأنه طريح فراش نتيجۃ إطلاق نار عليه و ربما حتی ميت و لم يعلن عن وفاته حتی تنظم العاءلۃ السعوديۃ
أوراقها الداخليۃ . . الوضع الإقليمي يوءثر كثيرا علی الوضع الداخلي التونسي . و الأحزاب السياسيۃ لم تستطيع لحد الآن تجاوز هذا الإرتباط الخبيث و السلبي علی الوضع الإجتماعي و السياسي في تونس . . هذا الإرتباط السلبي لا يمكن تجاوزه سوی عبر عمل حكومي يتقدم بالإصلاحات وسط هذا المحيط الهاءج . . ثم الذي يربك المشهد هو أيضا تفكك نداء تونس و الوصول لحد أنه لم يعد يحدث التوازن علی الساحۃ السياسيۃ . . بل
اليوم مجموعۃ القاءمات المستقلۃ علی المستوی البلدي التي ستحدث التوازن . . الإشكال هو أن هذه القاءمات الكثير منها محسوب علی أحزاب فشلت في توحيد صفوفها . . و هذه القاءمات فيها الكثير من يتناغم مع فكرۃ القطيعۃ مع بعض الأحزاب . . كيف ستتجاوز تونس هذه المرحلۃ ؟ الحزب الذي يعيد ثقۃ التونسي في السياسۃ هو الذي سيربح و سيحدث بدايۃ إستقرار حكومي حقيقيۃ . هل سينتظر الشارع التونسي
حتی إنتخابات 2019, خاصۃ التشريعيۃ ؟ الأكيد نعم , لكن هل سيطيق الإقتصاد هذا الإنتظار الذي سيبدو طويل ؟

Scorpio  (France)  |Samedi 26 Mai 2018 à 03:53           
هذا هذيان و ليس مقالا. تفسيره الوحيد عداء أيديولوجي من الكاتب نحو هذا الحزب. سيادة وطنية و تفريط! لا حول و لا قوة إلا بالله. بدون تعليق


babnet
*.*.*
All Radio in One