حصاد عام من حكومة الشاهد ... أليس الأفضل أن نذهب إلى الحوار الاجتماعي هذا الصباح؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/chahedddlelell.jpg width=100 align=left border=0>


الصحبي صمارة
إعلامي



لم تخفُت بعد موجة الانتقادات وردود الأفعال تُجاه الحوار الذي أجرته قناة "نسمة" مع رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنّوشي. وأولى الملاحظات حول هذا الجدل، أنّ الحوار الذي تمّ بثّه، بتاريخ غرّة أوت الجاري واستغرق ساعة من الزمن، تمّ تحويل وجهته ولم يتبقّ منه سوى موقف واحد يتعلّق برأي الغنّوشي في فرضيّة ترشّح رئيس الحكومة الحالي للانتخابات الرئاسية القادمة.




وبالنّظر إلى أنّ السّجال حول هذا الموضوع اتّخذ رقعة دعائية أكثر من العادة، فإنّ مجلس شورى الحركة أعلن دعمه لرأي الغنّوشي ليتحوّل الرأي إلى موقف رسميّ للحزب الذي يحظى بأسبقية عددية في البرلمان. وعليه فقد تحوّلت فرضيّة ترشّح الشاهد، بصفته رئيسا للحكومة، لانتخابات 2019 مرفوضة من قبل حركة النهضة ولن يتغيّر هذا الموقف إلاّ بتغيّر موقع الشاهد إمّا بالاستقالة أو بالإقالة بغضّ النّظر عن الآجال المفترضة والممكنة لذلك. فلا سبيل بالنسبة لحزب النهضة، وربّما هذا الرأي الغالب لدى حزب نداء تونس، لترشّح الشاهد إلى رئاسة قرطاج طالما لا يزال رئيسا للقصبة.

اقرأ أيضا: هل بات الغنوشي عبئا على حركته؟

بين هدوء المقترحات وصخب التعليقات
بالعودة إلى الحوار ، الذي حمل في فقراته رؤى أخرى، هي بالأساس أهمّ بكثير من الحديث عن الاستحقاق الانتخابي لسنة 2019، ثمّة مجموعة من الاقتراحات والمواقف التي أعلن عنها الغنّوشي، والتي تمّ القفز عليها عمدا من قبل لوبيّات، حديثة التشكّل، أبان أغلبها عن دعم متشنّج للشاهد ولعبت دور ناطق غير رسميّ باسمه. فقد قدّم الغنّوشي قراءة للوضع العام الذي تعيشه البلاد وبنى على أساسه مجموعة من التصوّرات أهمّها الدعوة إلى حوار اجتماعي.
الحوار اجتماعي هو إحدى النقاط الجوهرية للقاء التلفزي، نقطة كانت على قدر من التفصيل وقد رسمت عناصر هذا الحوار وأهدافه، إلاّ إنّه وقع إسقاطها من الجدل الصاخب الذي أحاط بالحوار نفسه. وهي دعوة تزامنت مع دعوة رئيس حزب نداء تونس حافظ قائد السبسي إلى حوار اقتصادي، بما يعني أنّ هناك تطابقا من حيث التشخيص لدى القوتين السياسيتين اللتان تمثّلان أغلبية في البرلمان.

الغنّوشي قال حرفيّا: "نحتاج إلى حوار وطني اجتماعي، مثلما نجحنا في حوار وطني سياسي أنقذ تونس، نحتاج إلى حوار مجتمعي بين اتّحاد الشّغل واتحاد الصناعة والتجارة والفلاّحين والأحزاب، محتاجون إلى حوار اجتماعي حتى نتوافق حول كيفية حلّ المشكل الاقتصادي. نحن دون ذلك نسير إلى مزيد من الغرق ومزيد من الديون والتبعيّة. إذا لم نصل إلى توافقات مجتمعيّة حول طريقة التعامل مع القطاع العام؟ كيف نُنمّي بلادنا؟. لا يجب أن ندخل بمقرّرات إيديولوجية سابقة مع هذا الخيار أو ذلك، ينبغي أن نطرح كلّ الخيارات، نطرح مشكلنا بكلّ نزاهة وصراحة ومن يتحمّل المسؤولية يتحمّلها ولكن المهمّ أن نمضي إلى المستقبل بخيار مجتمعي موحّد ينقذ بلادنا من السير نحو الغرق ."



هكذا وردت دعوة الغنّوشي. وهي بالنسبة للمعنيين، بجدّية ومسؤولية بمصير تونس ومستقبلها، تمثّل أحد أهمّ منافذ الخروج بالدولة التونسية من الخندق الاقتصادي الذي يزداد عمقا يوما بعد آخر. وقد نصّت الدعوة على ضرورة التخلّي عن البراقع الإيديولوجية من أجل مواجهة مسؤولة وواقعية للأزمة وعيا من صاحبها بأنّ الحواجز الإيديولوجية أحد أكبر المعوّقات أمام توافقات تضمن إصلاح الوضع الأعرج.
وضع أعرج بين نجاح سياسي في بناء الديمقراطية وفشل اقتصادي في بناء التنمية، بما أنتج خللا وظيفيا في تسيير المؤسسات وأدّى إلى حالة أشبه بشلل نصفي في جسم الدولة قد يأتي على أعمدتها إذا لم يعالج. وقد انتقى الغنّوشي بعناية مصطلح "الغرق" في تقييمه للحالة التونسية لأنّه ينظر إلى التلازم بين الديمقراطية والتنمية كتلازم شقيقين سابحين في البحر أحدهما يتداعى للغرق والآخر يبذل جهدا مضاعفا لإنقاذ شقيقه وبات جهده ضعيفا قد لا يخوّل له إنقاذ نفسه. وقد سبق وأن شبّه رئيس حزب النهضة تونس بالسفينة في خطابات عديدة بما يعني أنّ هناك وعيا بصعوبة مهمّة الوصول إلى شاطئ النّجاة.
مبدئيا، من الواضح أنّ راشد الغنّوشي قرّر أن يُحدِث تغييرا في موقع حركة النهضة داخل المشهد السياسي لتتحوّل من حزب داعم للمبادرات إلى حزب مبادر يتحمّل كامل المسؤولية فيما يرسمه من مواقف وسياسات. وهو تحوّل يضع النهضة أمام خيارات تتعلّق بإدارة الدولة ولا تقف عند حدود البرلمان أو المشاركة في الحكومة. وقد أبدت هذه الحركة السياسية استعدادا نظريا وعمليّا لتطوير نفسها والاقتراب أكثر من منطق تسيير الدولة بعد أن قضّت أكثر من ثلاثين عاما في وضع الحركة الاحتجاجية والمعارضة.

اقرأ أيضا: الغنوشي سيخوض الانتخابات الرئاسية في حال ...

فالحوار الاجتماعي بالنسبة لحركة النهضة هو السياق الوطني الذي يجب إحداثه لدعم عملية إصلاحية اقتصادية كبرى تطال بنية الاقتصاد الوطني وتوقف المؤشّرات ذات اللون الأحمر التي تنبئ بخطورة انهيار كلّي قد يؤدّي إلى انفجار اجتماعي لا تستطيع مؤسسات الدولة، في وضعها الرّاهن، لا تأطيره ولا تصريفه ولا معالجته. إذ إنّ الأفق السياسي للدولة والمجتمع والمواطن أصبح مفتوحا على فضاءات الحرّية والديمقراطية وضامنا لها بالدستور، بينما الأفق الاقتصادي مفتوح على هاوية الإفلاس والعجز وانتشار الأوبئة وتعطّل مناحي المعاش في مستوياتها الضرورية. ولا يمكن بذلك التأمّل في إنقاذ الوضع بنفس السياسة المتوخّاة من طرف الحكومة، التي اشتغلت على ترجمة التمثّل النقابي للحلول. فيما لا تقف عناصر المشكل عند حدود تسكين المطلبيّة الاجتماعية بل تمسّ من القدرة الحيويّة لمؤسسات الدولة على تأمين بقاء الدولة نفسها.
حوار دعا إليه الغنّوشي بالأساس المنظّمات النقابية لتكون على بيّنة من وضع المؤسسات العمومية التي باتت عاجزة عن تنفيذ مخطّط طوارئ ولو ظرفي لتأمين أجور موظّفيها، ولتكون هذه المنظّمات شريكا في رؤية وطنية متجانسة وتوافقية تعمل على تحريك استعجالي للاستثمار الداخلي والخارجي المجمّد، ولتكون هذه المنظّمات على وعي بأنّ المحافظة على الدولة باتت تستوجب تغييرا بنيويّا يطال هيكلة الاقتصاد ويتطلّب إصلاحات كبرى باتت حتميّة.
أصبح من المستحيل على الحكومة، حتّى لو غيّرت مقرّها إلى ساحة محمد علي الحامّي، أن تفلت من حتميّة إجراء هذه الإصلاحات، ولم يعد لطوباويّة الشعارات النقابية أيّ قدرة على تغيير حقائق الواقع الصعب الذي يعكسه التراجع الانهياريّ للموازنات المالية للدولة وللعجز التجاري الذي قارب 9000 مليار ولتقهقر قيمة الدينار. فلن تنجح المقالات والتوجيهات الإعلامية التي تصدر من دائرة الاتصال بالقصبة في تأجيل حاجة نسبة هامّة من التونسيين إلى توفير الدواء في المستشفيات والمستوصفات وحاجتهم إلى سداد فواتير الكهرباء والماء واقتناء أدوات المدرسة وثياب الأطفال. كما لم يعد للبرامج الإذاعية والتلفزية التي تمعن في صناعة جدل وصخب حول مواضيع ثانوية أي معنى إزاء توقّف إنتاج النفط والفسفاط والغاز .
فالحوار الوطني الاجتماعي، الذي طالب به رئيس حزب النهضة، سيكون الورشة الكبرى للتشخيص الموضوعي وسينتهي إلى تصوّرات بديلة مبنية على توافق حول طبيعة المشكل ونوعيّة الحلّ. وهو حوار من شأنه أن يزيد في دعم هذه الحكومة، أو بديلتها، عبر تمكينها من خارطة طريق اقتصادية اجتماعية مضمونة النتائج ومسنودة بالمنظّمات الاجتماعية والقوى السياسية بما يوفّر رسالة طمأنة للرأي العام حول أفق زمنيّ محدّد ينتهي بالبلاد إلى وضعية الانفراج عوضا عن الرسائل البائسة التي تصدر في وسائل الإعلام منذرة بسقوط مدوّ، وكأنّ السقوط بات سبقا صُحفيّا قابلا للدعاية!.



حصاد عام من حكومة الشاهد
يكتسي إلقاء التفسير السببيّ للأزمة الاقتصادية والاجتماعية على عاتق يوسف الشاهد وفريقه نوعا من المغالطة وهو مجرّد تفسير شعبوي مشابه للانفعالات والمواقف الشعبوية لطيف واسع من النقابيين والسياسيين في بلادنا. وقد صرّح الغنّوشي بأنّ كلّ الحكومات التي تلت الثورة تتحمّل نفس القدر من المسؤولية معترفا في الآن نفسه بما بذلته من جهد ومؤكّدا على أنّ هناك مشكل أكبر من الحكومات بما يستوجب معالجة أخرى قد يكون الحوار الاجتماعي قادرا على صياغتها.


اقرأ أيضا: الى راشد الغنوشي : هل كان على الشاهد عدم اطفاء الحرائق؟

لكن من المهمّ التذكير بأنّ حكومة الشاهد وجدت ظروفا سياسية واستقرار أمنيا واجتماعيا أفضل بكثير من سابقاتها، فيما لا يبدو أن نتائج العمل الذي أدّته قد تقدّم صوب الاتّجاه الصحيح. ولعلّ التذكير بأهمّ حيثيّات سنة من عمر هذه الحكومة سيجعلنا ننظر إلى آدائها بموضوعية أكثر ولا نسقط في انفعالات من والاها ومن عاداها.
تحرّكت حكومة الشاهد في سياق تعبئة سياسية أهّلتها لاكتساب صفة حكومة الوحدة الوطنية، ووفّرت لها وثيقة قرطاج، التي رعاها رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السبسي، محاور العمل وأهمّ الأهداف التي كلّفت بتحقيقها. إلاّ إنّ انطلاقة الشاهد بفريقه في القيام بهذه المهمّة كانت منذ البداية متعثّرة. فقد سارع رئيس الحكومة إلى الظهور منفردا مع جرعة زائدة في البروز الإعلامي خلق خلال الأسابيع الأولى من تولّيه لبسا واضحا. فالرّجل لم يتصرّف بالتواضع الذي تصرّف وفقه سابقه الحبيب الصيد ولم يرتكز على وثيقة قرطاج التي اشترطت عودة الحكومة إلى مكونات وثيقة قرطاج للتشاور معها كلّما تعلّق الأمر بمعالجة ملفّ اقتصادي أو اجتماعي ذا أهمّية وطنية.
الثقة المفرطة في النّفس التي ميّزت يوسف الشاهد سرعان ما تحوّلت إلى غرور مع وهن طبيعي في الفيزيونوميا الاتّصالية للرّجل، وهذا ربّما ما اضطرّه إلى التعويل كثيرا على الصّور والـ"خرْجات" الإعلامية مضافا إليها وشوشة المقرّبين منه وتدابيرهم المستعجلة لإلصاق صفة "الرئيس" به دون تخصيص يُتبعها بلفظة "الحكومة". ولعلّ غياب التجربة والاحتكاك السياسي لدى الشاهد إضافة إلى ما يوفّره سنّ الشّباب من ثغرات أهمّها التسرّع كلّ ذلك جعله يعيش حالة من الارتهان النفسي والذهني لهذه الصفة بما جعله يُصاب بـ"الإفراط في الحركة" ويعاني من التهاب زمني حادّ اسمه 2019.

الحصاد العملي للشاهد وحكومته بقي يراوح مكانه في حدود تناول المشاكل والحديث عن الرغبة في حلّها فيما لم توضع خطّة عمليّة لحلحلتها ولوجزئيا. بل إنّ نقطة ضعف الحكومة كانت واضحة جدّا من خلال تفويتها لفرصة تاريخية هي المؤتمر الدولي للاستثمار الذي نظّمته تونس في نوفمبر 2016 والذي حظي بدعاية إعلامية فاقت المعهود ولكنه لم يحقّق شيئا يذكر على أرض الواقع.
لقد تلقّت حكومة الشاهد في هذا المؤتمر تعهّدات ودعما وهبات كفيلة بتحقيق نسبة نموّ في حدود 4 بالمائة سنة 2017 لو تمّ الاشتغال برصانة واحتراف لتفعيلها مع احتمال قويّ ببلوغ نسبة 7 بالمائة في أفق ثلاث سنوات. وللتذكير فقط بحفلة الاستثمار هذه:
- شارك في المؤتمر أكثر من 2000 فاعلا اقتصاديا تونسيا وأجنبيا وكان من المفترض أن تنطلق تونس بمعيّة شركائها في إنجاز 64 مشروعا عموميا و34 مشروعا مشتركا بين القطاعين العام والخاص و44 مشروعا خاصّا تشمل عشرين قطاعا حيويّا في البلاد.
- تمّ توقيع اتفاقيات بحوالي 10 مليار دينار وهو ثلث ميزانية الدولة التونسية وتعهّدت قطر بمنح تونس مليار و250 مليون دولار وتعهّدت باريس بضخّ 250 مليون أورو كلّ سنة على مدى خمس سنوات وتعهّدت تركيا بدعم تونس بـ600 مليون دولار منها ثلث كمنحة وثلث استثمار وثلث قرض عدا المساعدات العينية بالتجهيزات والآليات. كما تعهّدت الكويت بمنح تونس قرضا ميسّرا بـ 500 مليون دولار فيما دعمت كندا بلادنا بـ 24 مليون دولار وتعهّدت السعودية بدعم قدره 800 مليون دولار من ضمنها هبة بـ100 مليون دولار. هذا وقّدمت سويسرا اعتمادات بـ250 مليون دينار لتشغيل الشباب على مدى خمس سنوات وأعلن البنك الأوروبي للاستثمار بتوفير تمويلات بقيمة 2500 مليون دولار على مدى خمس سنوات ومنح البنك العالمي تونس مليار دولار على مدى خمس سنوات وأعلنت الشركة المالية العالمية (تابعة للبنك العالمي) عن توفير 300 مليون دولار لدعم القطاع الخاص في بلادنا وأعلن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي عن تمويل مشاريع عمومية في تونس بقيمة 3300 مليون دينار وغير ذلك من التعهّدات والمنح.
- تمّ توفير كافّة عناصر إنجاح هذا المؤتمر وتجنّدت كلّ المؤسسات العمومية والخاصة والمنظّمات ووسائل الإعلام داخليا وخارجيّا بل والأهمّ من هذا فقد وفّرت لها أغلب القوى السياسية في تونس تفاعلا إيجابيا غير محدود وسيطرت حالة من التفاؤل لدى الرأي العام الوطني وتشجيع منقطع النظير لدى الرأي العام الخارجي.
- أشرف عدد هام من القيادات السياسية على الترحيب بالضيوف ووفّروا رحابة غير مسبوقة بهم وصدرت بيانات سياسية مساندة لهذه الخطوة العملاقة.
- منح رئيس الجمهورية سندا رمزيّا وتاريخيا لهذا المؤتمر وللحكومة وخصوصا لرئيسها.
- تمّ إعداد مجلّة جديدة للاستثمار والتسويق لما تحتويه من قوانين منفتحة ومرنة تكفل فرصا أوسع للنجاح وتقلّص من معوّقات الاستثمار وتدفع به نحو سرعة قياسية.
إزاء هذا الفرصة الاستثنائية كيف تصرّفت حكومة الشاهد وهل فعلا استطاعت استغلالها كما يجب وكما يليق بتونس؟
هذا السؤال تترك الإجابة عليه إلى المعنيين بالمسألة بأكثر دقّة. لكن وبالعودة إلى الآداء المباشر للحكومة فقد تصرّفت إزاء احتجاجات اجتماعية جهوية على غرار تطاوين وغيرها بنفس المنطق السياسي حيث انخرط الشاهد وفريقه في نفس المسار الخاطئ للحكومات السابقة. وعوضا عن مصارحة المحتجّين بحقيقة الوضع وضرورة التعاون من أجل وضع عجلة التنمية والاستثمار على الطريق الصحيح قدّم الشاهد وعودا بالتشغيل لأبناء تطاوين وأرسل وفوده ولحق بهم وحاول لعب دور المنقذ المخلّص ثمّ وجد نفسه وحكومته غير قادرين على الإيفاء بتعهّدات ما كان يجب أن يقطعها.
تعهّدات مغلوطة بتشغيل 3 آلاف من شباب تطاوين في القطاع العام وفي شركة للبستنة، فماذا تفعل البستنة في الصحراء وما هي القيمة المضافة لها؟ أليس هذا تأجيجيا للحرائق في قلب الصحراء؟. طبعا التفاعل مع رئيس الحكومة، الذي ذهب إلى تطاوين ليخطب ودّ المحتجّين بالتعهدات المستحيلة، خلق حالات من الاحتجاج مثيلة لها في مناطق عديدة وباتت مطالب المحتجّين في مختلف الجهات تركّز على ضرورة تقديم تعهّدات مثيلة لما حظي به أبناء تطاوين بل لقد تحرّكت قوافل المحتجّين من جهاتهم ونزلوا سيرا على الأقدام نحو العاصمة في مسيرات جاءت لتتسلّم وعود الشاهد وحكومته بالتنمية والتشغيل.
بعد جولة التعهّدات والوعود أعلنت حكومة الشاهد عن إقفالها باب التشغيل في الوظيفة العمومية طيلة سنة 2018 ثمّ بدأت وسائل الإعلام ومسؤولو الحكومة يتحدّثون عن الأزمة التي تتفاقم ليصل الأمر بوزير التنمية والاستثمار ووزير المالية بالنيابة إلى الحديث عن عجز كلّي لدى المؤسسات ولدى الحكومة لصرف رواتب الأجراء.
وترجمة لسياسة الهروب إلى الأمام أطلقت الحكومة حربا على الفساد فاختارت ثلّة من المشتبه بهم لتطبّق عليهم مرسوم قانون الطوارئ لسنة 1978 وقرّرت ضرب شبكات التهريب بقوّة والحال أنّ نصف مواطن التشغيل العرضي والموسمي قائمة على هذه الشبكات ونصف احتياجات التونسيين يأتي منها. وبالرّغم من التأثير التخريبي لللتهريب على الاقتصاد المهيكل، فإنّ التداعيات الاجتماعية لهذه العملية الحكومية باتت تعطي نتائجا أخرى عكسية لعلّ أكثرها خطورة عمليات الحرق المتعمّد للثروة الغابية في البلاد.
فقد كان من الممكن إيجاد حلول بديلة عبر استيعاب السيولة المالية التي لدى شبكات التهريب وفرض ضرائب عليها وتوظيفها في إطار استثمارات محلّية في مناطق شاسعة من البلاد تعاني من الفقر الاقتصادي ومن غياب كلّي للمشاريع التشغيلية. بل كان بالإمكان العمل مع دول الجوار على بناء مناطق تبادل تجاري حرّ تمثّل رافعة تنموية لأكثر من سبع ولايات حدودية بما يعني تحجيم الفضاء الحيوي لشبكات التهريب ووضعه تحت ضوء كشّاف للدولة وأجهزتها وتجفيف ينابيع الاستقطاب والنشاط للجماعات الإرهابية التي اتّخذت من هذه المناطق مجالا حيويا لها.

يبدو أنّ حالة الفقر المعرفي السياسي لدى الشاهد وحكومته حالت دون تنفيذ وقفة مراجعة تسمح بتصويب الأخطاء وتدارك مافات. ومن الواضح أنّ رئيس الحكومة يتميّز بالإضافة إلى حبّ البروز بخاصيّة الغرور ورفض الإصغاء. يظهر ذلك خصوصا عندما ننظر إلى طريقة تعاطيه مع أعضاء حكومته من خلال إقالته لوزيري الشؤون الدينية ومكافحة الفساد وإلغاءه لهذه الوزارة وعندما نعود إلى قراره بإقالة وزيري المالية والتربية وعندما نتأمّل تصلّبه في تأجيل الحديث عن تحوير وزاري ملحّ يرى رئيس الحكومة أنّه من صلاحياته وحده. فإذا كان التحوير من صلاحيات الشاهد وحده حتّى وإن كفل له الدستور هذه الصلاحية فلماذا نستمرّ في الحديث عن وثيقة قرطاج؟ وما جدوى ذكر الشاهد المتكرّر أنّه يعتمد عليها في عمله والحال أنّ جوهرها كان الحوار والتوافق؟

الأرجح أن أكبر خطأ ارتكبه رئيس الحكومة هو إدارة ظهره إلى القوى السياسية التي فوّضته وتعاطيه مع وزراءه كموظّفين لديه يمكن طردهم إذا خالفوه الرأي وتركيزه على صناعة متسرّعة لبديل شعبي يحتضنه كبطل شاب وزعيم استثنائي يستطيع أن يُلقي خطابا حماسيّا من "بلكونة" القصبة بعد نجاحه في اعتقال رجلي أعمال متّهمين بالفساد وثلّة من المهرّبين. ولكن هل يستقيم اختصار الدولة الديمقراطية الجديدة في مجرّد عمليّة إخراج دعائي لطموح رئيس حكومة مكلّف يؤجّل الإصلاحات الجوهرية الحقيقية إلى حين فوزه بلقب رئيس للجمهورية؟ أين ستذهب انتظارات التونسيين طيلة هذه السنوات والسنوات القادمة؟ هناك ملايين من الجماهير العريضة إذا لم تستطع الدولة احتضانها وتوفير العيش الكريم لها فإنّ الأرجح أنها ستخرج إلى الشوارع مجدّدا. فهل تحتمل إمكانيات مؤسسات الدولة التونسية تداعيات انتفاضة شعبية ثانية؟ أليس الأفضل والأسلم أن نذهب إلى الحوار الاجتماعي الذي دعا إليه الغنّوشي هذا الصباح؟


Comments


4 de 4 commentaires pour l'article 146343

Hindir  (Tunisia)  |Vendredi 11 Août 2017 à 16:52 | Par           
Le Tunisien n'a pas de parole. Il a la langue fourchue. Il nie l'après-midi ce qu'il a promis le matin. Il es de nature destructeur et non bâtisseur. Il a l'art de nuire à tout ce qu'il touche. Il ne peut savourer la fortune que lorsque son prochain se débat dans la misère et la souffrance. Le plus ignare des ignares à depuis quatre ou cinq ans mis le doigt sur LE PROBLÈME de ce pays. Ses gouverneurs successifs font la sourde oreille. Leur bien-être dépend essentiellement de la misère de la populace. Et vous venez encore me chanter la rengaine d'un dialogue. Chiche!

Kamelwww  (Tunisia)  |Vendredi 11 Août 2017 à 16:04           

يوسف الشاهد: شاهد على العصر !


لا إنجازات تذكر، إقتصاد يتدهور، بطالة مستفحلة، ديون خارجية لا تطاق، طرقات تشكو للمولى، تعليم في الحضيض، أخلاق صفر، إعلام في المزبلة...

أين الإستراتيجيات الإقتصادية ؟ وأين الخطط القوية لاستيعاب البطالة ؟ ثم لماذا وقف حمار الحرب على الفساد ؟ ولماذا لم تحققوا إلى حد الآن مع كمال اللطيف ؟ من يحميه ! بمن يستقوي ! لعله المسؤول الكبير هو من أمركم بالإبتعاد عنه !!

ها نحن ننتظر... لنرى.


Mah20  (France)  |Vendredi 11 Août 2017 à 15:21           
Les acteurs d un quelconque dialogue socio-économique sont ils murs pour affronter les réalités de façon consensuelle?sont ils prêts à faire des concessions vitales dans l intérêts supérieur de la nation,plus précisément pour enrayer le déclin économique générateur d une crise économique sans précédent!
Oui nous sommes en démocratie. Mais être en démocratie impliqué le sens des responsabilités et non une rigidification des positions dans un perpétuel rapport de forces! On ne gagne jamais ,dans cette perspective ,à couler l,adversaire...on ne fait qu affaiblir ou supprimer un partenaire essentiel et nécessaire ...

Mandhouj  (France)  |Vendredi 11 Août 2017 à 12:30           
C'est une obligation ! dialogue social et économique.. Et même une urgence.. si non on va aller fort au mur .


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female