الفساد.. صناعة تجمّعية خالصة

<img src=http://www.babnet.net/images/9/corruption2013.jpg width=100 align=left border=0>


أبو مــــــــازن

لم تعد الحرب على الفساد مجرد حلم أو أمر مؤجل إذ انطلقت الإيقافات منذ مدة وان اختصت بفئة دون أخرى كما يرى الشارع التونسي. فمجمل الموقوفين وان كانت هناك اخلالات إجرائية كما وصف ذلك عدد من المحامين، قد عرفوا بالثراء الفاحش في غضون سنوات قليلة، بعضهم كانوا تلاميذ نجباء لدى الأصهار والبعض الآخر متملقون للسلط في العهد البائد يقاسمونهم الرشاوي و الإتاوات و "القهاوي" التي قد تصل إلى آلاف آلاف الدنانير. لكن السؤال الذي بقي مطروحا وهو يؤرق الى حد كبير جمهور الإعلام و الفايس بوك فيسيل حبر كثير و تضارب التصريحات و التحاليل و التعاليق: كيف نخر الفساد مجتمعنا و هل مقاومته انتقائية أم إنها تدار على مراحل ؟





لازال بيننا فاسدون أحرارا طلقاء قد عرفوا لدى القاصي والداني بماضيهم التليد و علم الناس أنّ تجارتهم الفاسدة لم تكبو بعد الثورة بل زادت اكتساحا للسوق فصارت لهم صولات وجولات في مواعيد الانتخابات وكلما ضرب الإرهاب بل وفي كل ضائقة ألمّت بالبلاد. تارة يخرجون للعلن ليفندوا علاقاتهم المشبوهة وأموالهم المنهوبة وتارة أخرى يختارون فيالق الأذيال الاعلامية لتجرّدهم من تفثهم و أوساخهم فتطلق عليهم عبارات الرّجالُ الوطنيون و المخلصون ، كل بمائه وصابونه يفرك أدران سيّده فيبّض الوجه و العرض والمال فيصبح هذا الأخير من خالص تعبه وشقائه أيام النضال مع الأصهار و ما استباحوه من أهل الديار. هل نسيتهم حكومة الوحدة الوطنية أم تناستهم أم لكل مقام مقال؟
الكل يبارك اليوم حملة الشاهد و حكومته على الفساد بعد أن اتضح الطريق و تبيّن أنّ الآتي بات أوفر صيدا من الفائت. لكنّ عددا لا بأس به يهمل مكانة التشريعات التي سنّت في عهد الترويكا و الاستعدادات اللوجستية التي استلزمت انطلاق هذه الحملات في عهد حكومة الوحدة الوطنية. الأكيد أنّ صورة السياسي الآمر والناهي حسب هواه و صاحب القرار الآني لا زالت لم تغادر أذهاننا اذ ورثنا صورا سياسية بشعة لا تمت بالحكمة والرصانة بصلة و لا تلتقي مع الحصافة و سداد الرأي من ذلك رفع أسعار الخبز و رفع الدعم وقطع العلاقات مع الأجوار و غيرها من الأحداث التي عانتها و لا زالت تعانيها الشعوب من حكامها. لقد كان ذلك الإحساس حاضرا في سرائر الناس يوم أوقف الجراية و رفقته من رجال العمايل و لكنّه اليوم صار أقرب للواقع بل مرحّبا به من قبل القاصي والداني لا سيّما و هو يشاهد تجارا متغوّلين قبل الثورة وبعدها بل قد ازدادوا تغوّلا و نفوذا وقوة.
الفساد ظاهرة عابرة في المجتمع التونسي ليست لها جذور عميقة وتاريخ طويل و أدبيات تعارف عليها الناس ابّان الاستقلال. فاذا استثنيا مصطفى خزندار اليوناني الأصل ومساعده نسيم شمامة اليهودي و بعض رجالات الباي فلن نجد ما يشرّع علنا للفساد بين أهلنا و حتى دولة الاستقلال التي انطلقت بموازنة ضعيفة وكفاءة مفقودة لم تعاني من هذا الألم لفترة هامة اذ كانت الأهالي يعيشون حلم الاستقلال و تقرير المصير و استرجاع أراضي المعمرين المنهوبة. الفساد المستشري في المجتمع انطلق فعليا في عهد "الله أحد الله أحد و بن علي ما كيفو حدّ" حيث شرّع هذا المخلوع الى الرشوة و الأتاوة والربح دون وجه حق فاستكرش عدد لا بأس به من موظفي الدولة و أطلقت أيادهم تحت عديد الشعارات ونبتت فئة من المتملقين للأصهار فخربوا الديار و سرقوا البلاد أمام أعين الناس ليبنوا القصور و يركبوا أفخم السيارات و يقضوا عطلا طويلة في أفخم المنتجعات. هذا ما يتغافل عنه البعض بل يلجأ للافتراء و الإمعان في اتهام الخصوم السياسيين لتستهلك في القريب العاجل لاسيما وأنّ موعد الانتخابات البلدية و الجهوية التي باتت علامة فارقة للتخلص تدريجيا من سطوة الحكم المركزي في هذه الربوع.
لعل المواطن البسيط لم ينس من طلب منه الرشوة والقهوة والأموال لاستخراج أبسط الأوراق الإدارية و لم ينس من حرمه من مواطنته بعد أن اجتث منها جزءا رئيس الشعبة وقوادها و المتمعشين الذين انتشروا قبيل الثورة في الأزقة والأنهج يجمعون جباية التجمع 26-26 و يمضون قوائم المناشدة و يرددون " 14 بعد ألفين ما ينجّمها كان الزين". لا زالت تفضحكم شعاراتكم بعد سبع سنين من الثورة أردتموها عجافا ولكن القوم جدّ في التمسك بحريته فلا ينال بعد اليوم أحد من كرامة من صاح "ديقاج" في وجه المخلوع وأذنابه التي أضحت بعد العفو رؤوسا. هاهو البلد بوضعه المتقلب ينادي الجميع لإنقاذ اقتصاده و منوال تنميته و بنائه على أسس متقدمة بعد أن أضاع عقود ستة في التخبط ولكن الفساد التجمعي الصرف لا ينظر لكل ذلك بل يزيد حنقه كلما تمسكت ثورة الحرية والكرامة بمبادئها ودستورها الجديد الذي يجري جوفهم هلعا منه. لن يفلح الافتراء فالأمر موكول لشرفاء القوم الذين أدركوا أن سنوات التسعين العجاف أرهقت البلد ودمرت حلم وطن في طريق النمو. لقد كدنا أن نفتقد الوطن رغم أرقام النمو الخداعة. النمو يصنعه الحلم قبل أن تثبته الأرقام و لكن الحلم وقتها كان فاسدا اذ تحولت اليقظة الى سبات تنعق فيه الغربان رجالا ونساء " بن علي بن علي" الحقيقة المظلمة لذلك العهد البائد لا تضاهيها أخطاء الثورة مهما عظمت، اذ تنصل التجمع الفاسد من الحساب اليوم و بالأمس و لكن أهل الثورة، اذا كانوا سرقوا فرضا، يكاد يغمى عليهم من مجرد الإشاعة التي تنشرها حوانيت التجمع المتعددة، لقلة دراية بالفساد .هل عرفتم الآن أصل الفساد ؟


Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 144881

BenMoussa  (Tunisia)  |Mercredi 5 Juillet 2017 à 10:20           
التجمع لم يبتكر الفساد ولم يحتكره ولكنه نماه وطوره وجعل منه سياسة ومنهجا ومبدأ في كل التعاملات وعلى كل المستويات.
أما عن وجود حملة لمحاربة الفساد فكل القرائن تفندها من ذلك على سبيل المثال:
1. الجراية تحت الاقامة الجبرية وجمدت امواله لشبهة قضايا أمنية لا علاقة لها بالفساد
2. الرياحي جمدت امواله مرضاة للامارات (او تنفيذا لاوامرها) عقابا له على مناصرة جمهور الافريقي في رفعه للافتة المنددة بحصار قطر
3. زوجة فتحي جنيح صرحت ان الاخوين جنيح لا علاقة لهما بتهريب النحاس وأن القضيّة كيديّة يقف وراءها "أحد رجال الأعمال المقرّبين من السلطة، معروف بمنافسته لشركة الإخوة جنيّح في مجال تجارة الفواكه الجافة والتوابل، وهو على علاقة وطيدة بأطراف نافذة في الحكومة”
4. بن راشد الاطار السامي المتقاعد من الديوانة تم ايقافه على خلفية توسيمه من طرف المرزوقي
.....


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female