الحرب على الارهاب.. ايُّ موجب اليوم؟

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/harbirhab.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

لا ندري حقيقة لماذا يستثمر البعض من اعلاميين وخبراء مزعومين وسياسيين وحتى في اعلى هرم السلطة، عقب كل هجوم ارهابي تتعرض له بلادنا، في شعار الحرب على الارهاب ويضخ في شحنته الدلالية وبالتالي استتباعاته؟ هذا الشعار الذي تخلت عن استعماله الولايات المتحدة الامريكية منذ سنة 2010 لفشله في مقاربة معضلة الارهاب عقب سنوات عديدة على ابتداعه على يد الرئيس المخضرم جورج و. بوش اثر هجمات 11 سبتمبر 2001، واكد العام المنقضي الكاتب الصحفي مراسل الاندبنت الخبير (الحقيقي) في النزاعات المسلحة وفي الارهاب روبرت فيسك على ان العالم اصيب بالتخمة من (هذه) الحرب على الارهاب .





هذا المصطلح بمضامينه ودلالاته وابعاده يختزل مكافحة الارهاب في آليات القوة والعنف ويهمل المواجهة الحقيقية الفكرية الثقافية التربوية التي تصبح وفق هذه النظرة الضيقة في ادنى سلّم الاستراتيجيات الموظّفة لتجاوز المأزق المطروح، وفي نفس التمشي يغض النظر عن الابعاد الحقوقية في معالجة الظاهرة واعتبارات علوية القانون والعدالة (بما تتضمنه من مكافحة فساد وتمييز) بشكل عام وكذلك يطمس منهج المعالجة الاجتماعية في ضرورة ارساء التنمية وتوفير الشغل ومكافحة الفقر والخصاصة، ويدفع نحو الهرب الى الامام من اصحاب القرار وكثير من النخب في غياب امتلاكها لحلول وبدائل مستنيرة وافلاسها في مقاربة الظاهرة المركبة.

الحرب على الارهاب تفترض الحقيقة وجود مستلزمات قانونية وشروط دستورية غير متوفرة في واقع الحال اذ تقضي ان يعلن عنها رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة اخماس اعضاءه (كما يقضي الفصل 77 من الدستور)، ولا يمكن بحال ان تبقى مجرد شعار سياسي او مصطلح انشائي مرسل، وتبقى بذلك حرب غير محددة المعالم وغير مدققة الابعاد والمدى بلا منطلق ولا نهاية (وهو الاخطر على الاطلاق) ولا هدف مضبوط بعناية ولا تعرف الياتها وادواتها بشكل معلوم، ويمكن بذلك ان تكون مطية لتجاوز السلطة وخلق حالة استنفار عام قد تنتج حالة تخمر يفقد ويسلب عديد مؤسسات الدولة وظائفها وسلطاتها القانونية وحتى مشروعيتها.

الحرب تعلن عن طريق رئيس الجمهورية بصفة رسمية لأن لها مستلزماتها وتكون لها استتباعات ويلزمها اقتصاد حرب له قواعد معينة وحكومة حرب لها مواصفات محددة وشكل استثنائي ولها امن وجيش حرب وتتطلب تعبئة عامة وحشد شعبي واعلام حرب وديبلوماسية حرب وبرلمان حرب ، وفي المحصلة ميزانية حرب وحتى تعليم وثقافة وفن حرب وليس مجرد كلام هلامي لتجييش المشاعر ونشر الفزع والذعر باللعب على الغرئز وجعل الوطن والشعب اسرى الخوف والقلق المتواصل ودون افق واضح وبرنامج محدد.

وفي كل الحالات هي دفاعية (الحرب) اي لرد عدوان ووجب اشهارها والخضوع للمنظومة القانونية الدولية في الصدد والاستفادة من الحقوق المكرسة في الغرض وخلق ادانة دولية وتضامن عالمي ولِمَ لا تحالف دولي لرد العدوان وخلاف ذلك يمكن ان تتحول الحكومة الى حكومة ببرنامج امني يتضخم فيه الجهاز البوليسي في العتاد والافراد والميزانية على حساب مستلزمات الصحة والتعليم والثقافة وتطلق سلطاته ويده في جو التخمّر الذي يمكن ان يتوسّع دون حدود.

واشهار الحرب على الارهاب قد يقود واقعا الى نتائج كارثية على الاقتصاد في مجال التصنيف السيادي والاقتراض ومجال الاستثمار وبالتتابع التشغيل وايضا في مجال السياحة المتداعي اصلا والتصدير والتوريد وحتى الجولان البحري والجوي وقيمة الدينار والتضخم والبورصة والنشاط البنكي والقطاع المنجمي والطاقي فضلا عن المضار الاجتماعية العميقة، تضاف اليها الكلفة السياسية في مجال الديمقراطية والحقوق والحريات وارساء المؤسسات الدستورية، وبالتالي فالامر ليس مجرد ترف لغوي يلجأ له العديدون للاثارة وشد الاهتمام الاعلامي والبعض للاستعراض ورفع المنسوب الكلامي في الشعبوية قصد الاستثمار السياسي ممن يفترض انهم نخب في المجتمع عليهم مسؤولية الانارة والتوجيه والاستشراف.

والحديث عن الحرب على الارهاب يحتوي ضمنيا فشل كل السياسات لمواجهة الاختراقات ومجابهة التسربات وهو ما يعني تعطل المنظومة الاستخباراتية واليقظة الاستعلاماتية وكان من الاجدى رفع شعار الامن الاستباقي ووضع استراتيجيا تنسيق وتعاون واسع مع المواطنين والدول الكبرى التي تمتلك اجهزة وادوات استخباراتية فعالة لكشف التهديدات الارهابية قبل استنفاذ مفاعيلها والاهم هو وضع استراتيجيا تنموية تشغيلية تتوجه للجهات المعزولة والشباب وخلق الامل الذي يحصن المواطن من الارتماء في السوداوية والظلام.

الارهاب اليوم ظاهرة مركبة ومتعددة الابعاد وعابرة للحدود وتتداخل فيها عوامل داخلية واخرى خارجية والرهانات تتعالى والمستفيدين منه (وبالتالي المحركين او المدعمين له) متعددين خاصة اقتصاديا من المهربين وسياسيا من الاطراف التي خسرت مواقع سلطة ونفوذ بعد هرب بن علي وتخشى ملاحقات قضائية منتظرة ولا فائدة عندها من الانتقال السياسي وترسخ الديمقراطية، ودوليا من عدة محاور وقوى لها مصلحة في افشال النموذج الثوري التونسي واخرى لها مصلحة في ارباك الاوضاع ورزع الفوضى من اجل التحكم والتدخل وحتى لاعادة تشكيل خارطة اقليمية جديدة، وبالتالي فلا بد من مراعاة كل هذه الاعتبارات في معالجة الظاهرة واستبعاد اقصى ما يمكن وضعية الحرب ووضعها كملجأ اخير وذلك بعد استنفاذ كل الطرق الاخرى.

في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البلد الدقيق اصبح اولوية عالية تركيز وكالة استخبارات فعالة تتوجه بنشاطها الى عمق مناطق الاشتعال بالعراق وليبيا وسوريا وتتابع عن كثب الاستهدافات الموجهة ضد بلدنا وتحبط الهجمات في مهدها ومنطلقها، وتتابع العائدين من هذه المناطق ضمن خطة استراتيجية متكاملة تعتمد القضائي ولا تلغي الية الاستيعاب والاحتواء عبر الحوار والاقناع والمراجعات والمعالجة النفسية والتجنيد المضاد لفائدة الوطن وهي استراتيجية اثبتت فعاليتها الواقعية عديد الدراسات والبحوث الاكاديمية.

الاندفاع الانفعالي عبر مشهد الانفلات الاعلامي والسياسي في رفع شعار الحرب على الارهاب دون اعتبار انعكاساته السلبية وخاصة تغطيته على المحاور الهامة في الاستراتيجيا المستوجبة لمكافحة الارهاب قد يختزل المعالجة في البعد الامني ويجعل المقاربة بذلك عرجاء وتحقق بالنتيجة اهداف الارهاب في اهمال الادوات الفعالة، والامم المتحدة ذاتها في استراتيجيتها في الخصوص لا تستعمل بالمطلق مصطلح الحرب وتركّز على المكافحة عبر مراحل مترابطة متكاملة تركز على معالجة الظروف المؤدية الى انتشار الارهاب وتقترح تدابير منع الارهاب ومكافحته وتعتبر ضمان حقوق الانسان للجميع وسيادة القانون الركيزة الاساسية لمكافحة الارهاب وفي صيغة اخرى جوهر استراتيجية مكافحة الارهاب .

رقابة تمويل الارهاب وكشف الشبكات القائمة في الصدد ورقابة عمليات التجنيد الذي يتم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي ووضع خطط امنية فعالة تضع حدا للاخلالات السابقة والاختراقات الداخلية الحاصلة من حين لاخر سيقلل هو الاخر من فرص تنفيذ الهجمات الارهابية الى حد عال وهو عنصر الى حدود اللحظة يقع اغفاله.. والاهم هو تكريس منوال تنمية مجدي وعادل وارساء حوكمة رشيدة واسترجاع السيادة في القرار السياسي ورفض كل محاولات تركيز قراعد عسكرية اجنبية لكسب ثقة المواطن اساس شرعية الحاكم التي بدونها لن تنجح اي خطة.

وفي المحصلة، اذ تتصاعد الهجمات الارهابية وتلحق اضرارا متصاعدة بالاقتصاد، فاننا لم نصل الى مستوى الخطر المهدد لكيان الدولة واستقلالها وتعطيل السلطات العمومية الذي يستوجب الدخول في الحرب، ولا بد من استراتيجيا واضحة المعالم تأخذ كل الابعاد بعين الاعتبار وتراعي المستعجل وبعيد المدى، والداخلي والخارجي، واليوم -بكل اسف- اصبح الاعلام والسياسيين والنخب في اغلبهم جزء من حالة الغوغاء في التعاطي مع الظاهرة ان لم يكن في خدمة المخططات الارهابية عبر التسطيح المخل او التهويل المفرط للأحداث او عبر التوظيف الحاد وتصفية الحسابات، الامر الذي يعيق كل تقدم في الصدد، وهو ما يستوجب المراجعة العميقة من الجميع وخاصة التدخل التعديلي لـ الهيكا الغائب الابرز هذه الايام!!

(*) قانوني وناشط حقوقي




Comments


7 de 7 commentaires pour l'article 121898

Sarramba  (France)  |Samedi 12 Mars 2016 à 21:29           
A ceux qui applaudissent et appelle à l'extermination d’être humains sans se poser les bonnes questions je dis:

"Tant que les raisons et les modes de société et de gouvernance ne changent pas, d'autres viendrons que notre société continuera à las enfanter !!!!"

Sarramba  (France)  |Samedi 12 Mars 2016 à 21:28           
Ceux qui prétendent que ces "terroristes" ne sont pas nos enfants se mettent la tète dans le sable !!!!!
C'est comme ceux qui poussent la poussière sous le tapie ou sous le lit, il en auront plus la prochaine fois !!!

Sarramba  (France)  |Samedi 12 Mars 2016 à 21:28           
A chaque vague d'arrestation ou tuerie de ce qu'en appelle "terroriste", nous sommes censé se réjouir, et l’écrasante majorité de la population dit : "bon débarras"!!!

En même temps, personne ne se demande "pourquoi et comment" ces jeunes qui sont de nos tripes, et surtout, qui sont fabriqué et produit par notre société tunisienne, c'est à dire nous-même
Personne ne se demande comment et pouvons-nous les ramener vers le droit chemin et surtout arrêter l’hémorragie !
En parallèle à cette gabegie, personne n'essaye de comprendre, encore moins de proposer des solutions !

Aucun service ni organisme ni cellule n'a été mise en place, ni par le gouvernement, ni par les pseudos intellectuels, ni part ce qu'on appelle la société civile, ni par des sociologues ni par personne d'autre, pour essayer de trouver une solution intelligible à moyen et long terme !
Monsieur Sami BRAHIM, chercheur au sein du centre des Etudes et Recherches dans la cellule du terrorisme intégrée au ministère de l’enseignement supérieure, a déclaré que la Tunisie est à la tête des pays exportateur de terroristes !
En expliquant que « ce phénomène prouve qu’ils n’ont pas trouver (les terroriste tunisiens) de terrain favorable dans notre pays car la culture et la société tunisiennes refuse le terrorisme » !?
En continuant, que « si le terrorisme était implanté dans notre pays ces jeunes ne seraient pas partis ailleurs » !?
Mais qui a produit et enfanté ces jeunes ? Ce n’est pas la culture et la société tunisienne ?

l'unique solution utiliser aujourd'hui (arrestation de masse, torture, assassinat...) était exactement celle de ZABA!!! On voit le résultat aujourd’hui !

Les même causes donneront ils les mêmes résultats ??? Je le crains !

Mon cœur pleur et saigne.........

Chebbonatome  (Tunisia)  |Vendredi 11 Mars 2016 à 18:38           
الحرب ليست على الارهاب الحرب على الابواب و المستوطنات الاعلاميّة الصهيونيّة التونسيّة تفتت في الجبهة الداخليّة علّها تتحصل على بعض المكاسب من الاعداء

Belhassen Lourimi  (Tunisia)  |Vendredi 11 Mars 2016 à 16:02           
Les commanditaires du terrorisme sont le front populaire, l'ugtt, hamma hammami, al massar, femmes démocrates, la gauche, les communistes, lénine, staline, putine, le mossad, les renseignements étrangéres, la fbi, la cia, le kgb, les franc-maçons, les extra-terrestres,...etc...ce ne sont pas les Islamistes

Med Amen Jerbi  (Tunisia)  |Vendredi 11 Mars 2016 à 13:33           
لن يتوقف اتهام الاسلاميين يوما واحدا لان الجميع مقتنعون بان هؤلاء الحمقى هم المتسبب الاول في جل المآسي التي يمر بها شعبنا من زمن الثورة إلى اليوم ولن يهدأ لهذا الشعب بال حتى يحاسبو على كل جرائمهم في حق شباب تونس و جيلها

Mongi  (Tunisia)  |Vendredi 11 Mars 2016 à 12:29           
مصائب قوم عند قوم فوائد

مصائب الشعب عند بقايا الاستبداد فوائد


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female