أطرَدَنا الوزير
أبو مــــــازن
نحن من درسنا في مدارس دولة الاستقلال، نحن نتاج تعليم بورقيبة كما نردد ويرددون. نحن من صرفت المجموعة الوطنية لعقود أموالا طائلة لتغطية مصاريف تعليم الناشئة و تخريج دفعات وراء دفعات لخدمة الوطن. نحن من عوضنا الاستاذ أو المهندس أو الطبيب الأجنبي الذي جلب قسرا أو طمعا لتطوير دولة فتية لا زالت تبحث عن موطن قدم في سوق الحضارة و صناعة القرار الدولي. نحن من قرأنا مناهج التربية الوطنية والدينية و الآداب والتكنولوجيا في أول خطواتها حتى نلم بتحديات الواقع الداخلي والخارجي الجديد لتونس. تعلمنا في هذه المدارس حب الوطن رغم صغر حجمه وقلة حيلته السياسية واستكانته للاملاءات الخارجية. بقينا نحبه ونسعى لخدمته تلامذة وطلبة في كلياتنا المبتدئة وفي كليات الخارج. حلمنا برد الجميل نحو وطننا الذي علّمنا فتعالينا عن الأجندات السياسية ثم سخرنا طاقاتنا لأجل هذا الوطن ولكن أطردنا بجرة قلم دون لفت نظر أو توبيخ فكان الاخلال بقواعد الوظيفة الوطنية. أُطردنا و كفى تلك هي رغبة الوزير.

أنا امام جامع عينني المصلون و زكتني السلطة الجهوية، عملت على تطوير الخطاب الديني لننأى بشبابنا عن الفكر التكفيري المجرم. تكلمت في الشأن العام حتى تتغير المفاهيم الرتيبة للدين فلا ينحصر في طقوس تنحصر بين دف الزوايا و بخور الحضرة. فصلت عن منبري لمجرد خطأ ان كان القانون يعتبره خطأ وكذلك وقع لأئمة أخر عزلوا بجرة قلم و حجج واهية كعدم الالتزام بالخطة المسجدية التي بقيت مبهمة على شاكلة عربدة الضوضاء و تشنج الهويات. أغلقوا المسجد لأسابيع ثم عينوا غيري ثم أقفل ثانية وعينوا غيره. قيل يومها في الاعلام أنّ الوزير يمارس صلاحياته، يعفي ويعزل و يفصل دون سبب مقنع يذكر و دون تمشّ اداري و قانوني واضح.
أنا أيضا الطبيب في المناطق الريفية أعمل في صمت حين تحضر و حين تغيب السلطة. أشتغل بالنهار و أواصل عملي في المراقبة اللصيقة للمرضى أثناء الليل أرعاهم و كلي فخر بوطن علّمني لمثل هذا العمل فاعترفت بفضله و حاولت يائسا رد الجميل. . لم أستدع في الآجال من قبل مجلس التأديب ولم أتلق أي اشعار بالجرم الذي ارتكبته. تمّ الأمر بسرعة برقية فخرج عن طوع الروتين الادراي الذي يعاني منه المواطن ساعة ضبط المواعيد و تقديم ملفات الكنام و القيام بالفحوصات ان تجمّل المواطن بصبر أيوب و بقي ينتظر. انا لست المفصول الوحيد عن العمل وقد سبقني رئيس قسم بالساحل تصرف بحكمة وفق القوانين فجوبه بخصم مرتب لأشهر نكالا لفصاحته و تشبثه بأبجديات العمل.
أنا المطرود في قطاعات أخرى أو المنقول الى الأرشيف أين تهيمن الرطوبة الشديدة و لا يكاد برّاد الشاي يفارق الكانون. كل ذلك لصراحة انطلقت من لساني ساعة مقابلة المسؤول أو وشاية كيدية سبقت الفعل والقول و زينها الكذب والتملق. أنا المطرود لانتصاري للحزب الفولاني في الانتخابات أو لأنني ضبطت في قائمة الحضور لاجتماع جمعية ما أو شوهدت مصليا لاحدى الصلوات الخمس في جامع المدينة او كنت من المحسوبين على جمهور فريق رياضي ما أو أنتمي الى جهة أو مدينة معينة لا تناسب صاحب القرار.
انتظرنا الكفاءة المستوردة وانتظرنا تشبعها بالعلم والقيم الحضارية التي عايشتها في بلد الغربة. صدقنا ما قيل بل و رددناه معا انّ أبناء تونس الأكفاء يعملون وفق مصلحة الوطن ولا غير و ينأون بنفسهم عن الحسابات الحزبية والفئوية و الجهوية الضيقة ولكن كانوا كذيل الجرو الذي فتئ أربعين سنة داخل قصبة ثم عاد للاعوجاج فنالته الفهلوة الادارية وصدق أنه الفاتق الناطق الى الأبد. تبّا لوقت ضائع مضى من عمر الجمهورية الثانية الموعودة التي كتب دستورها الضامن لحرية الرأي والرأي المخالف و للديمقراطية وللنقد. تبّا لنا لمّا انتظرنا أن هجينا من المنتصرين في الانتخابات يمكن أن يلد ديمقراطية و نموا والحال أن هجين الحيوان قوي صلب ولكنه عاقر لا يلد شيئا البتة.







Comments
3 de 3 commentaires pour l'article 117723