مهرجان الحمامات الدولي: فرقة "ناس الغيوان" تنشد الحرية وتستحضر قضايا الإنسان وصمود فلسطين

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68878ac5db6aa7.89933386_hiemlnojgkqfp.jpg width=100 align=left border=0>


أحيت فرقة "ناس الغيوان" المغربية سهرة فنية رائقة على ركح مهرجان الحمامات الدولي، الليلة الماضية (الأحد 27 جويلية)، مجددة العهد مع جمهور الدورة 59 لهذا المهرجان في عرض أعاد إلى الأذهان أكثر من خمسة عقود من الإبداع الفني الملتزم وذكّر بجذور موسيقية ما تزال حيّة ومؤثرة في الوجدان العربي الجمعي.

امتلأت مدرجات مسرح الهواء الطلق بالكامل، وكان الحضور من مختلف الأعمار وإن غلب عليه من عاشوا فترات ازدهار "ناس الغيوان". ومع ذلك، بدا لافتا حضور الشباب في دلالة على امتداد تأثير هذا المشروع الفني المتفرد عبر الأجيال بفضل صدقه وعمقه الإنساني.





منذ بدايتها في مطلع السبعينيات، بنت "ناس الغيوان" مشروعها الفني انطلاقا من التراث المغربي، معتمدة على إيقاعات شعبية ضاربة في القدم وآلات موسيقية مثل "السنتير" الإفريقية التي أصبحت جزءا من الهوية "الغيوانية"، إلى جانب الإيقاع "الحمدوشي" ذي الأبعاد الصوفية، والذي يتقاطع في دلالاته مع عناصر من التراث الموسيقي التونسي الشعبي.

وأضفى هذا المزيج بين البعد الروحي والموسيقى الإيقاعية على العرض طابعا طقوسيا، إذ تحولت كل أغنية إلى تجربة تأملية تستدعي الماضي وتتفاعل مع أسئلة الحاضر لتجعل من الموسيقى وسيلة للارتقاء بالوعي والذات الإنسانية.

واختارت الفرقة في هذه السهرة أداء مجموعة من أبرز وأشهر أغانيها التي شكّلت محطات مفصلية في مسيرتها. واستُهلّ العرض بأغنية "الله يا مولانا" التي تحوّلت منذ عقود إلى رمز للتضرع طلبا للحرية والعدالة. وتلتها "يا بني الإنسان" حيث تخاطب الإنسان ككائن أخلاقي يتجاوز حدود الهوية الضيقة ويواجه مسؤوليته تجاه الآخر والعالم. أما أغنية "فين غادي بيا خويا"، فشكّلت لحظة قوية بصيحتها ضد التهميش والضياع حاملة معاني الاغتراب وفقدان الأمل داخل الوطن.
بينما عبّرت الأغنية الشهيرة، التي طالب بها الجمهور منذ بداية السهرة، "مهمومة" بصدق عن الألم والمعاناة النفسية والاجتماعية وبدت كأنها مناجاة داخلية تتجاوز الفرد لتنقل عمق الجرح الجمعي. وحتى الأغاني التي اتّسمت بسخرية مريرة كـ "لهمامي" و"لبطانة" و"الصينية" لم تكن بعيدة عن الواقع الاجتماعي، فقد كشفت بأسلوب فني ساخر عن عمق الهوة بين الفقراء والأغنياء وقدّمت قراءة نقدية للواقع بأسلوب فني متميز.

ولم تغب فلسطين عن السهرة، إذ أدت الفرقة أغنية "صبرا وشاتيلا" التي استحضرت واحدة من أبشع المجازر في الذاكرة العربية، وكان ذلك دون شعارات أو خطابات مباشرة، بل صدحت بها بألم دفين يحاكي وجع الأرض المحتلة ويعكس تقاعس العالم عن حماية الحقوق الإنسانية خاصة في ظل استمرار معاناة غزة من حصار وقتل وتهجير وتجويع وسط صمت دولي مطبق.
وقد أضافت الفرقة بعدا جديدا لأدائها بإدماج آلات موسيقية مثل العود والناي والرق، ما أثرى التجربة لحنيّا دون أن يُخلّ بجوهرها. وبهذا التوازن بين الأصالة والتجديد أثبتت مجموعة "ناس الغيوان" قدرتها على الاستمرارية ومتجددة دون أن تتحول إلى مجرد ذكرى من الماضي.

ولم يكن جمهور مهرجان الحمامات مجرد متلقّ طيلة السهرة، فقد كان شريكا فاعلا فيها إذ ردّد الأغاني وتفاعل معها بحماس منقطع النظير وكأن العرض لم يكن لحظة سماع بقدر ما كان حنينا إلى أغاني النضال والصمود واسترجاعا عاطفيا للماضي وطرق التلقي والتفاعل مع الفن الملتزم.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 312465


babnet
*.*.*
All Radio in One