مشاريع ضخمة في اطار مبادرة "الحزام والطريق" لم تر النور بعد رغم طاقتها التشغيلية الكبرى

(تحرير راقية سالمي)- وقعت تونس منذ سنة 2018 على اتفاقية الانضمام الى مبادرة "الحزام والطريق"، التي أسستها الصين سنة 2013 والتي تهدف بالخصوص إلى دعم الاستثمارات والشراكة والتعاون في مختلف المجالات بين الشرق والغرب في نطاق مقاربة تقوم على تبادل المصالح المشتركة، وذلك في مسعى من تونس للبحث عن سبل وفرص لتنمية اقتصادها والنهوض به وتطوير التعاون الاقتصادي مع الصين، وجعل تونس في مركز التدفق التجاري العالمي.
وسعت تونس إلى تجسيم هذه الاتفاقية من خلال جملة من الخطوات من ذلك مشاركتها في الدورة الثانية من منتدى التعاون الدولي لمبادرة الحزام والطريق من 25 الى 27 أفريل 2019 ببكين، وتكثيف الزيارات إلى هذا البلد على غرار زيارات وزير الخارجية التونسي السابق، خميس الجهيناوي، سنتي 2017 و2018 و التوقيع خلال زيارة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الى الصين للمشاركة في قمّة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في سبتمبر 2018 على اتفاقية لإنشاء ثلاثة مشاريع في البنية التحتية في ولاية مدنين بالجنوب التونسي تتمثل في مشروع للربط الحديدي وجسر، ومنطقة صناعية.
وسعت تونس إلى تجسيم هذه الاتفاقية من خلال جملة من الخطوات من ذلك مشاركتها في الدورة الثانية من منتدى التعاون الدولي لمبادرة الحزام والطريق من 25 الى 27 أفريل 2019 ببكين، وتكثيف الزيارات إلى هذا البلد على غرار زيارات وزير الخارجية التونسي السابق، خميس الجهيناوي، سنتي 2017 و2018 و التوقيع خلال زيارة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الى الصين للمشاركة في قمّة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في سبتمبر 2018 على اتفاقية لإنشاء ثلاثة مشاريع في البنية التحتية في ولاية مدنين بالجنوب التونسي تتمثل في مشروع للربط الحديدي وجسر، ومنطقة صناعية.
كما تم في نفس السنة أي 2018 تأسيس "مجلس الأعمال التونسي الصيني" هذا المجلس الذي يسعى إلى توطيد العلاقات التجارية بين البلدين استنادا إلى أنّ الصين هي رابع أكبر شريك تجاري لتونس وثالث مُصدر للسوق التونسية، وكانت منظمة طريق الحرير للتعاون الثقافي والاقتصادي الدولي الصينية (سيكو)، قد افتتحت في أفريل 2017 مكتبا لها في تونس (سيكو تونس) وهو الأول بإفريقيا.
وفي شهر فيفري 2019 ، وأثناء زيارة وزير الاستثمار والتنمية والتعاون الدولي التونسي السابق، زياد العذاري، إلى الصين، تم التوقيع على مشاريع استثمارية في البنية التحتية في ولايات صفاقس وبنزرت ونابل بينها مشروع طريق سريعة وجسور ومترو خفيف.
غير أن كل هذه المساعي لم تكلل إلى حد الان بالتجسيد الفعلي لهذه المشاريع "العملاقة" حسب ما ذكره عدد من المختصين الذين التقتهم (وات) للكشف عن أبرز العوائق والإشكاليات التي حالت دون المضي قدما نحو "طريق الحرير" القديم أو ما أصبح يطلق عليه بمبادرة "الحزام والطريق"، خصوصا وأن هذه الاستثمارات والمشاريع الكبرى كان من الممكن أن تخلق طفرة في واقع التنمية في تونس، وفي خلق مواطن الشغل، وفي التقليص من نسب البطالة لا سيما في صفوف أصحاب الشهائد العليا.
نائب رئيس مجلس الأعمال التونسي/الصيني، ضحى ميزوني شطورو، قالت إنه منذ انضمام تونس لمبادرة الحزام والطريق (2018) والتي حملت أوجها متعددة للتعاون والشراكات، لم تتقدم تونس في تنفيذها "قيد أنملة"، حسب تقديرها، بسبب الإجراءات القانونية التي تفرضها تونس، في اشارة الى اعتماد المناقصات وطلب العروض في اقامة المشاريع والتي تتعارض مع سياسة الصين في انجاز المشاريع الاستثمارية سواء كانت حكومية او خاصة، حيث تتعامل الصين من منطلق قيادة مع قيادة ولا تحبذ المرور عبر المناقصات التي تطيل من اجراءات تنفيذ المشاريع .
وتعتبر شطورو أن تونس لم تعمل على تجاوز هذه العوائق والإشكاليات الادارية للمضي نحو الانخراط الفعلي في المبادرة وفي جلب الاستثمارات والمشاريع الكبرى في إطارها، مشيرة الى غياب الارادة السياسية الحقيقية، والمبادرات الحكومية للمرور نحو التنفيذ الفعلي للمشاريع التي تم الاتفاق بشأنها مسبقا، والمرور الى مشاريع أخرى.
وأشارت إلى أن منتدى التعاون الصيني- الافريقي "فوكاك" الذي انتظم يومي 29 و30 نوفمبر الماضي لم يشهد حضور رئبس الجمهورية أو رئيس الحكومة كباقي الدول الأعضاء وهي إشارة سلبية تحسب على تونس في مجال شراكتها مع الصين، داعية، في هذا الخصوص، الى ضرورة تعزيز الإصلاحات وإزالة العقبات التي تعترض سبيل النمو الاقتصادي، وتبنّي إجراءات جديدة في مجالات الاستثمار وبعث المشاريع الكبرى والتنسيق بين الوزارات لتحويل المشاريع التي تحملها مبادرة الحزام والطريق لتونس إلى نتائج ملموسة بالنسبة إلى الشباب من حاملي الشهائد العليا والجهات الداخلية.
وشددت شطورو على أن الإمكانيات الواعدة للاستثمار في تونس وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة العربية والإفريقية و الأورومتوسطية وعلاقاتها المتميزة مع الدول الأوروبية والإفريقية و توفر الطاقات البشرية المؤهلة كلها من العوامل الداعمة لتكون تونس شريكا هاما في هذه المبادرة .
أما الاستاذة الجامعية والخبيرة في المالية أميرة قدور فهي ترى أن خصوصية مشاريع مبادرة الحزام والطريق، التي انضمت إليها العديد من الدول حول العالم وانتفعت بما تحمله من فرص استثمار وتشغيل كبرى، هي مشاريع "كبرى وعملاقة" وشعارها رابح/رابح، مضيفة أن هذا الشعار وهذه الخصوصية يمكن ملاحظتها بالتثبت في مختلف المشاريع التي تمت في إطار هذه المبادرة والمنتشرة في مختلف الدول.
وشددت هذه الخبيرة على حاجة تونس الاكيدة اليوم لمثل هذه المشاريع "الضخمة"، والتي يمكن أن تغير الواقع بما تحمله من فرص، مشيرة إلى وجود تقاطع كبير بين الرؤية الدبلوماسية الاقتصادية الصينية والتي تترجم في جانب كبير منها مبادرة الحزام والطريق، من جهة، و فرص الاستثمار المتوفرة في تونس، من جهة أخرى، لا سيما من ناحية تشغيلية أصحاب الشهائد العليا خاصة في الاختصاصات التقنية والتكنولوجية وفي مؤشر الابتكار والتي تعد من الاختصاصات التي حققت فيها تونس نجاحات مهمة على الصعيد العربي والإفريقي.
وأبرزت أن الوجهة الجديدة للمشاريع والاستثمارات الصينية هي المشاريع الكبرى ذات التشغيلية الهامة في المجال التكنولوجي والتقني، وتونس، من جهتها، تسعى الى أن تكون بوابة افريقيا من حيث نقل التكنولوجيا، مشيرة إلى أن تونس في حاجة الى مثل هذه المشاريع التي تتميز بسرعة الإنجاز والإرساء ودخول طور التشغيلية بشكل سريع مما يساعد، حسب تقديرها، في الحد من بطالة حاملي الشهائد العليا والقضاء على التفاوت الجهوي في مجال التنمية وخلق ديناميكية اقتصادية.
وترى أميرة قدور أن عدم تفعيل هذه الشراكة فوت ولا زال يفوت على تونس فرص انطلاقة نوعية للتنمية والتشغيل، داعية، في هذا الصدد، الى ضرورة العمل على تجاوز كل العراقيل البيروقراطية، وتدعيم العلاقات الثقافية والعلمية، وفتح مسارات مشتركة باعتبار أن البحث العلمي هو رافد من روافد التنمية الاقتصادية حتى لا تفقد تونس مثل هذه الفرص التي يمكن أن تنتقل الى بلدان أخرى من شمال افريقيا.
من جهتها، أكدت رئيسة المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، على أن الشراكات والتعاون الدولي هو خيارات سياسية بالأساس، وتونس علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي وامريكا اكبر ولم تحاول المخاطرة بهذه العلاقات ودخول مغامرة جديدة، وربط شراكات مع الصين التي كان من الممكن أن تجلب مشاريع عملاقة على غرار مشروع السكة الحديدية الذي سيربط قابس ومدنين وصولا الى جرجيس، ومشروع المنطقة الصناعية بجرجيس، ومشروع الجسر الرابط بين الجرف واجيم في جربة وهي مشاريع على غاية من الأهمية، حسب تقديرها.
وشددت قعلول على ضرورة خلق نوع من التوازن في العلاقات مع الدول الاخرى وأن لا تربط تونس نفسها مع شريك بعينه، في اشارة الى الاتحاد الاوروبي وامريكا، حتى لا تكون له هيمنة وسيطرة عليها، بل تنويع الشركاء بما من شانه ان يعطي الاضافة الى واقع التنمية في البلاد وخلق المزيد من مواطن الشغل والنمو الاقتصادي والاجتماعي، مشيرة الى أن التنويع في الشركاء هو أمر إيجابي ولكل شريك مكانته في مسار تحقيق الانتقال الإقتصادي المأمول في البلاد، حسب قولها.
واعتبرت أن تونس لم تقدم التسهيلات الكافية لعملية الدخول الفعلي للمشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق حيز النفاذ، رغم انخراطها الرسمي فيها، مشيرة إلى أن المشاكل السياسية وحرب التموقع بين الأحزاب والقوى السياسية، هي من العوامل الرئيسية لتعطيل مسار التعاون مع الصين والتركيز على القضايا الاقتصادية.
وقالت إن التباطؤ في الانخراط الفعلي في هذه المبادرة من شأنه أن يفقد البلاد شريكا اقتصاديا "هاما" مثل الصين من أجل بناء شراكة صينية تونسية أكثر حيوية ونجاعة وشمولية، داعية إلى إضفاء الكثير من البرغماتية على العلاقات السياسية والدبلوماسية، والابتعاد عن الدبلوماسية الكلاسيكية، واعتماد دبلوماسية شعبية لتحريك المشاريع الصناعية الكبرى والاستثمارات، الى جانب دعم التبادل الثقافي وتشجيع الاستثمار الصيني للدخول الى تونس من خلال تنظيم ملتقيات وتظاهرات كبرى بين الجانبين.
و للإشارة كانت الصين قد أطلقت في العام 2013، مبادرة "الحزام والطريق"، وهي مبادرة قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية على طول طريق الحرير الذي يربط الصين مع آسيا وأوروبا وافريقيا ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية ويتضمن المشروع فرعين رئيسين البري "حزام طريق الحرير الاقتصادي"، والبحري "طريق الحرير البحري.
وقد أصبحت مبادرة "الحزام والطريق" أكبر منصة للتعاون الدولي في العالم، حيث انضمت إليها 141 دولة و32 منظمة دولية وبحسب تقرير حديث للبنك الدولي يركز على 71 اقتصادا يقع جغرافيا على طول ممرات مبادرة الحزام والطريق، فإن مشاريع الحزام والطريق يمكن أن تساعد في انتشال 7.6 مليون شخص من الفقر المدقع و32 مليون شخص من الفقر المتوسط على مستوى العالم.
وتعتبر الدول الافريقية واحدة من هذه الدول التي تستفيد من هذه المبادرة التي من شأنها تعزيز مجالات منتدى التعاون الصيني-الإفريقي الذي تأسس رسميا في أعقاب المؤتمر الوزاري الأول الذي عُقد بالعاصمة الصينية بكين في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر من العام 2000
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 238885