الحسابات السياسية تطيح مبكرا بنساء من سدة الحكم المحلي

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5c80c241049e02.40649261_elqkinhjmopgf.jpg width=100 align=left border=0>
رئيسة بلدية باردو السابقة زينب بن حسين


وات - رمت نورهان خيط صنارتها بدقة لتغوص في مياه البحر، ملوّحة بنظرها تارة نحو صنارتها ،وطورا إلى تساقط خيوط الشمس الذهبية على سطح البحرلتنسج لوحة ألوان وجمال صباحية ... تنزع بين الفينة والأخرى سمكة صغيرة ملتوية من فخ الصنارة تضعها في اناء خاص وتعيد الكرة المرة تلو الاخرى دون أن تفتر من تطعيمها... لا تنتظر الكثير ويثلج صدرها بركة صيدها وإن كان يسيرا، ويكفيها أنها استعادت بفضل البحر رمز الحياة والتجدد، ليحيطها الأمل بعد تجربة السياسة المريرة التي عاشتها.. اذ لم يفصل بين قرار تنصيبها على رأس بلدية الدندان كثان امرأة تتقلد مهام رئاسة البلدية منذ بعثها في 1985، وإزاحتها عنه بعد حل المجلس وانتخاب مجلس بلدي جديد سوى سنة وخمسة أشهر.

ففي أوج العطاء وقبل أن تنضج التجربة، سحب البساط من تحت أقدام رئيسة قائمة حركة النهضة التي تحصلت في سباق الانتخابات البلدية 2018، 10 مقاعد في المجلس البلدي بالدندان بعد حصولها على أغلبية الاصوات (وبفارق 756 صوتا عن القائمة الثانية المنافسة) وفازت بمقعد رئاسة البلدية ب15 صوتا خلال تنصيب المجلس البلدي الذي يتضمن 24 مقعدا.

حل المجلس في أكتوبر2019، من جملة 20 مجلسا حلت تباعا خلال 2019 و2020، يترأس نصفها نساء من مختلف الأحزاب، تمت ازاحتهن بعد استقالات جماعية عصفت بأغلب المجالس المذكورة، ووسط اتهامات لرؤسائها ورئيساتها بسوء التسيير والتفرد بالرأي وغياب الانسجام بينهم وبين أعضاء المجالس البلدية.



اتهامات رفضتها نورهان، كبقية الرئيسات السابقات ومن أحزاب مختلفة مؤكدات كفاءتهن العالية وأحقيتهن برئاسة البلديات، التي تركن فيها بصمات رغم قصر المدّة ورغم الصعوبات التي واجهنها.

فلم يكن دربهن كنساء مفروشا بالورود، كما أكد عدد منهن، وبسطت أرضية الفشل المسبق في مسارهن، ووقفت الصراعات حائلا دون نجاحهن، برغم رضاء المواطنين عن الآداء واستحسانهم لتعاطيهن مع الشأن المحلي وتواصلهن معهم حسب إجماعهن.

فعّلت عديد المشاريع المعطلة في الطرقات والتطهير وتهيئة الأحياء ببلدية البطان عبر الاجتماعات والزيارات الميدانية والتي رصدنا متابعاتها على الصفحة الرسمية للبلدية على شبكة التواصل الاجتماعي، لكن قصر المدة و" حجم المكائد "حسب تصريح رئيسة بلدية البطان السابقة مبروكة الصالحي الفائزة برئاسة البلدية عن حركة الشعب ب11 صوت أثناء تنصيب المجلس ،كان أثقل من رصيدها ومن الأهداف الكبيرة التي رسمتها للارتقاء بخدمات البلدية التي ترأستها دون كاتب عام لمدة ثمانية أشهر وبأدنى الامكانيات حسب تعبيرها.... فلم يحل انعدام الإمكانيات المادية والبشرية دون تهيئتها لشوارع الحبيب بورقيبة و20 مارس والمنجي سليم، وفي ظرف 11 شهرا فقط، كما رصدت اعتمادات لإعادة فتح المسبح البلدي وبرمجت ملاعب أحياء ومساحات خضراء، فضلا عن تهيئة ثلاث أسواق بلدية الحنايا وملعب الهادي النيفر.

كما لم تتوانى رئيسة بلدية باردو السابقة زينب بن حسين الفائزة في الانتخابات على قائمة النهضة، والحاصلة على 16 صوتا خلال تنصيب المجلس البلدي الذي يضم 30 مقعدا، على فتح أحد الملفات المسكوت عنها، وهو البناء الفوضوي والاعتداءات على الملك البلدي وإصدار قرارات هدم في بناءات دون رخصة وغير مطابقة لمثال التهيئة العمرانية كانت سبب تهديدها وعائلتها في أكثر من مناسبة وفق تقديرها.
معارك خاسرة لم تصمد الرئيسات ببرامجهن ومخططاتهن والانطلاق الفعلي في التنفيذ، أمام محاولات سحب الثقة منهن والاستقالات الجماعية المصحوبة بحملات تشويه وباتهامات مست أحيانا حياتهن الخاصة، ليجدن أنفسهن مسلوبات المهام متنحيّات رغما عن أنفهن، وفق مقتضيات الفصل 205 من مجلة الجماعات المحلية القاضي بالانحلال الآلي للمجلس البلدي في حالة الاستقالة الجماعية أو الاستقالة المتزامنة لأغلبية الأعضاء.


قبل البعض منهن القرار دون ردة فعل غير احساس كبير بالظلم والخذلان، في حين اتجهت أخريات بشراسة للقضاء مصممات بمختلف الطرق القانونية على المضي قدما في الدفاع عن أحقيتهن بالمنصب.
تقدمت أكثر من خمس رئيسات بدعاوى طعن في أحكام حل مجالسهن البلدية لدى المحكمة الإدارية، من أجل اخلالات إدارية في اجراءات الاستقالة وعدم احترام الولاة لأجال واجراءات حل المجالس، لترفض أغلب الطعون والشكاوي شكلا ومضمونا.
وحدها ربح ملاط عن حركة مشروع تونس ربحت دعوى المجلس البلدي بالشبيكة من ولاية القيروان وتم بموجب صدور قرار من المحكمة الادارية بتاريخ 21 جويلية الجاري يقضي بإيقاف تنفيذ الانتخابات، تعليق الانتخابات الجزئية لبلدية الشبيكة التي كان من المزمع إجراؤها يومي 29 و30 أوت الجاري، في انتظار صدور الحكم في الدعوى الأصلية التي رفعها المجلس البلدي للشبيكة والإذن لاحقا سواء بإجراء انتخابات جزئية لكامل الأعضاء، أو بسد شغور ثلث أعضاء المجلس البلدي.

واقع يبطن ما لايظهر عدّة أسئلة رافقت موجة حل المجالس البلدية وعددها 20 مجلسا من جملة 350 مجلسا بلديا، استطاع الفشل تحقيق مبدأ التناصف فيها، بحل 10 مجالس ترأسها نساء ومثلها يرأسها رجال، في الوقت الذي لم يفض إلى نسبة متناصفة في ترؤس النساء لمجالس البلدية خلال الانتخابات البلدية 2018 .

ولئن ترشحت النساء بنسبة قاربت النصف، إلا أن 68 امرأة فقط وصلن إلى سدة رئاسة البلديات من ضمن جملة 3385 امرأة فائزة.
تناصف لم ينعكس ايضا، على نتائج الانتخابات الجزئية في ال12 مجلس بلدي المنحل والتي أجريت بها انتخابات جزئية حيث لم تفز بالرئاسة سوى امرأة وحيدة على رأس بلدية الدندان، كما لم تفز في نتائج الانتخابات الجزئية الأخرى لستة بلديات في اوت المنقضي اي امراة بمقعد البلدية بعد حل ثلاث مجالس منها تتراسها نساء، لينخفض بذلك عدد رئيسات البلديات من 68 امرأة إلى أقل من خمسين امرأة فقط ،وذلك بعد حل 12 مجلس.
هذا إضافة إلى الاستقالة الإرادية والمبكرة لعدد من رئيسات البلديات على غرار الماتلين من ولاية بنزرت والمتلوي من ولاية قفصة ونابل وبوغرارة بمدنين والمهدية وجربة اجيم.

وطالت الاستقالات 24 بلدية توزعت وفق ما نشرته منظمة البوصلة في أكتوبر 2019 بين 21 بالمائة نساء و79 بالمائة رجال، أغلبها من حركة النهضة بنسبة 42 بالمائة و21 بالمائة في حزب حركة نداء تونس و37 بالمائة من قائمات مستقلة.
أرقام اثارت جدلا كبيرا حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الاستقالات والإشكاليات التي عصفت بالمجالس البلدية ووئدت تجاربها قبل أن تثمر نجاحا، وتنعكس إيجابا على العمل البلدي وعلى الخدمات.
وفيما حملت أغلب نصوص الاستقالات الجماعية، رؤساء ورئيسات البلديات مسؤولية غياب التوافق وعدم اتقان ادارة الاختلاف والانسجام والتفرد بالراي وضعف التسيير وأحيانا سوء التصرف، فإن الواقع أبطن مالم يظهر الحقائق التي قد طمست والشأن البلدي الغارق في التوظيف السياسي والتجاذبات.


وفي إطار هذه التجاذبات، لم تلق أغلبهن الدعم حتى من داخل أحزابهن التي كنّ فيها رقما انتخابيا، وكن مستهدفات بالاتهامات بالتقصير والفشل منذ تسلمهن مهامهن، بعد أن فاجأ بعضهن الجميع بشخصياتهن القوية وبقراراتهن، وبرفضهن أن يكن مجرد أداة لتنفيذ قرارات مسقطة ، ولخدمة مصالح ضيقة وبانضباطهن والتزامهن بالقانون وتطبيقهن الصارم له.
ففي باردو دفعت رئيسة البلدية ثمن محاربة الفساد حسب تعبيرها وكشفها عدد من التجاوزات التي تسببت في خلع مكتبها الخاص وسرقة ملفاتها، كما طالتها وعائلتها تهديدات بالقتل. وهو ذات السبب الذي انتهى إلى حل المجلس البلدي بالدندان، إذ تصدت الرئيسة السابقة لكل محاولات خرق القانون ومنها تجاوزات أعضاء المجلس البلدي أحدهم صادر بحقة قرار هدم منذ2010 ولم ينفذ، و أمضت اتفاقية شراكة مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتبنت مبادئ ترسيخ الحوكمة الرشيدة وارساء قواعد الشفافية في المعاملات الإدارية.

ثمن النجاح ولئن نجحت عديد النساء في الترشح وإقناع محيطها بهذا الترشح وسط رفض ضمني في أوساط بيئية لرئاسة امرأة البلدية، فإن وصولهن على كرسي رئاسة البلديات أزعج الكثيرين، وأثر على آدائهن في ظل كثرة المعوقات والإشكاليات المتعمدة برفض الحضور في الدورات العادية وتعطيل المصادقة على المشاريع وخلق الإشاعات.
وفي البطان من ولاية منوبة، واجهت الرئيسة السابقة مبروكة الصالحي، ابنة القصرين (حركة الشعب) حساسيات جهوية وارتكز أعداؤها في خطابهم التأليبي على أنها "مش بنت بلاد" وواجهتها العراقيل والصعوبات، ووصل الأمر إلى تهديدها في منزلها وتعنيفها لفظيا واختلاق مشادات ومعارك ضدها، مع تقديم شكايات في حقها، تم رفضها قضائيا .


وفي بلدية المرجى المحدثة في 2016 بولاية الكاف والتي اجريت انتخابات مجلسها الجزئية نهاية شهر اوت وتم انتخاب رئيس لها ، واجهت الممرضة والرئيسة السابقة جميلة عبد اللاوي عن حركة نداء تونس أيضا، الاتهامات والتأليب من اعضاء المجلس واصرار على تعويضها بعضوة في نفس المجلس .
ولم تلقى هي الأخرى مساندة من حزبها الذي عصفت به الاستقالات والانشقاقات في صفوفه التي أثرت بشكل كبير على سير عدد من المجالس البلدية ومنها بلدية المرجى وكذلك تيبار بولاية باجة.

وقد أكدت رئيسة بلديتها السابقة، وفاء الطبوبي، أن أزمة الحزب في ذلك الوقت وانشقاقه أثر بدرجة كبيرة على سير البلدية حيث حاولت الأحزاب المنافسة استغلال الوضع للإطاحة بها، مشيرة إلى أن تركيز البلدية كان مستجدا بمنطقتها، وكذلك ترأس امرأة لها، مما جعلها عرضة لاعتراضات مضاعفة، وتجند عدد من أصحاب المصالح لتعطيلها وذلك رغم جديتها وكفاءتها.
وتعددت الأسباب لمآل واحد "الابتعاد والإبعاد" وهو ما حصل في المهدية.
فقد بررت رئيسة بلدية المهدية عن الاتحاد المدني أسماء حمزة، استقالتها المبكرة من المجلس البلدي بإجبارها على اتخاذ قرار الاستقالة بعد "عملية منظمة و مدققة" وفق قولها.

أسباب خفية غير تلك المعلنة في البيانات ووسائل الإعلام، عرّت حقيقة مشاركة النساء في الشأن المحلي ونوايا الاحزاب تجاه المرأة ومواقفها منها فائزة و"منهزمة" والذي قد يحيل إلى أن الالتزام بمبدأ التناصف في القانون الانتخابي لم يتعد هو الآخر مجرد مشاركة شكلية، حتى في حال الفوز، دون تكريس حقيقي لتكافؤ الفرص والتمثيل العادل لها المضي قدما رغم الهرسلة والتهديد وقاد ذلك إلى نسبة ضعيفة من الرئيسات السابقات اللائي وقفن صامدات، مُصرات على الثبات من أجل حقوقهن "المنهوبة"، إيمانا منهن بأن الحقوق تفتك ولا تهدى فلم تترشح من ضمن 10 مجالس منحلة برئاسة سوى نساء ثلاث رئيسات بلديات سابقات من جديد للانتخابات الجزئية، واستطعن تحصيل مقاعد في المجالس البلدية الجديدة.


ففي باردو ترشحت زينب بن حسين على رأس قائمة مستقلة وفازت بثلاث مقاعد وفي البطان ترشحت مبروكة الصالحي على رأس قائمة حزبها (حركة الشعب) وفازت بمقعدين ، كما ترشحت الرئيسة السابقة عن حزب الجبهة الشعبية جودة الزغيدي على رأس قائمة مستقلة في الانتخابات الجزئية وحصدت أربعة مقاعد في جبنيانة بولاية صفاقس, وفي مقابل هؤلاء، خيرت البقية وعددهن 07 رئيسات بلديات هجر السياسة دون رجعة، أو أنهن "هجّرن منها غصبا "تحت وابل من "الضغوطات والتهديدات والمآمرات وخذلان أحزابهن"، هذا مع ضعف في البيئة المناصرة لهن ولحقهن في التمكين السياسي ، وفضلن مكرهات العودة لحياتهن الطبيعية بإحساس كبير بمرارة الخذلان والاستياء.. وهنا تأمل نورهان كبقية زميلاتها أن تتجاوز المرأة، بانحيازها لتطبيق القانون ورفضها أن تكون دمية متحركة.
كما تؤكدن البون الشاسع بين ترسانة القوانين والتشريعات والممارسة التي تشهد غيابا متزايدا للعنصر النسائي، لذلك تجدهن متشبثات بتوصية العمل أكثر على مضمون مجلة الجماعات المحلية ومراجعتها، بما يضمن الحد الأدنى من الأرضية المناسبة للعمل لرؤساء ورئيسات البلديات وفرصة للتمرس واكتساب الخبرات وخاصة للنساء، لما في تمثيلهن محليا من قيمة رمزية ذات تأثير محتمل على التغييرات المستقبلية.

انجز هذا العمل بالشراكة مع منتدى الفيدرايات الكندي والمركز الإفريقي لتدريب الصحفيين والاتصاليين




Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 215106


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female