أزمة التعليم الثانوي: الحل بعيد في ظل ''خطابات الوعيد''

باب نات -
(تحليل إخباري ـ وات) - يبدو أن أفق انفراج أزمة التعليم الثانوي في تونس سيظل "محجوبا" فترة أخرى.
فبعد "هدوء مريب" إثر قرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي "حجب" أعداد التلاميذ عن إدارات مؤسسات التعليم، طلع وزير التربية حاتم بن سالم ليصرح للرأي العام بأن الحكومة اتخذت بدورها قرار "حجب الأجور" عن الأساتذة.
فبعد "هدوء مريب" إثر قرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي "حجب" أعداد التلاميذ عن إدارات مؤسسات التعليم، طلع وزير التربية حاتم بن سالم ليصرح للرأي العام بأن الحكومة اتخذت بدورها قرار "حجب الأجور" عن الأساتذة.
تصريح الوزير أثار حفيظة "عموم الأساتذة" الذين استبقوا اليوم الخميس إلى التجمهر في بطحاء محمد على بتونس العاصمة في "تحدّ لوعيد" المشرف الأول على قطاع التربية الذي آثر الذهاب إلى ولاية القصرين لإحياء أربعينية فتاتين توفيتا إثر احتراق مرقدهما بمبيت مدرسة بمدينة تالة.

ولكن الوزير لم ينس أن يترك في طريق سفره رسالة للمحتجين عبر تدوينة على صفحته بالموقع الاجتماعي "فايسبوك"، قال فيها "لن يثنينا لا الوعيد ولا التهديد وستبقي الدولة صامدة تعلو ولا يعلى عليها وسنواصل الاستماتة لتكون المدرسة العمومية منارة شامخة أبد الدهر".
وأتى الرد النقابي سريعا على تصريحات الوزير، فقد خطب الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي أمام جموع الأساتذة قائلا "إن الوزير الذي تتلمذ بين أسوار الديكتاتورية يمارس سياسة الأرض المحروقة وإن السلطة الحاكمة تسعى إلى تشويه القرار القاضي بحجب أعداد التلاميذ".
ويكشف هذا "التلاسن الحاد"، على ما يبدو، انعدام الرؤى لدى هذا الجانب وذاك لتطويق الأزمة وتوفير حلول ترضي طرفي النزاع وتفك أسر مسار سنة دراسية لحوالي مليون تلميذ أو يزيد.
بدا في بداية الأزمة أن التلاميذ مهددون "بسنة بيضاء" لكن تواترت التصريحات المطمئنة من أعلى سلطة نقابية بأنه لا خوف على مصير هؤلاء بشرط احترام استحقاقات المربين وفق ما أعلنه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في أحد الاجتماعات.
وبدورها عبرت وزارة التربية عن استعدادها للتفاوض. وقال حاتم بن سالم في تصريحات إعلامية إن جل مطالب الجامعة العامة للتعليم الثانوي مادية وأن الوزارة مستعدة للتفاوض في "الجوانب التي تعنيها" لكنها رحّلت بقية المطالب إلى الجهات الحكومية المعنية بها (رئاسة الحكومة ووزارة المالية).
وتتمثل مطالب الأساتذة وفق اليعقوبي، في تحيين المنح الخصوصية للمدرسين وتمكينهم من حق التقاعد بالإضافة إلى تحسين وضعية المؤسسات التربية وإقرار إصلاح جدي لمنظومة التربية من خلال توفير الإرادة والإمكانيات المادية الضرورية لذلك.
ربما لا تبدو هذه المطالب "مجحفة" وقد يكون الحوار والتفاوض مسلكا طبيعيا للتوافق بين السلطة والنقابة لكن الأمور حادت واتخذت مسارا تصادميا قد يؤدي إلى "خسارة" تتكبدها جميع الأطراف حكومة ومنظمة شغيلة وأولياء وتلاميذ... ومثل اتخاذ الجامعة العامة للتعليم الثانوي قرار حجب الأعداد عن إدارات المؤسسات التربوية، التجلي الأكبر لانعدام "التوافق" بينها وبين الوزارة رغم سعي الجانبين إلى تطويق الأزمة عن طريق الحوار والتفاوض.
ففي حين ترى الجامعة أن قرارها ليس إلا ضربا من ضروب النضال من أجل تحقيق مطالب مشروعة، تعتبر الوزارة أن حجب الأعداد ليس قانونيا ولا "وجود له في النضال النقابي".
هذا التباين في الموقفين عمق الفجوة بين الطرفين لتصير الأزمة أكثر استفحالا اليوم بل أضحت محرارا لقياس موازين قوى الحركة العمالية والحكومة.
فبعد محاولات محتشمة لكن دون جدوى من كلا الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات، تصدر وزارة التربية "بيانا خجولا" وفق توصيف اليعقوبي، تدعو فيه الأساتذة إلى تسليم الأعداد قبل أجل مسمى، لكن لم تجد إلى حد الآن آذانا صاغية... كر وفر فاقم هوة الصراع وحجب عن المتطلعين إلى حل رؤية بعض أمل في الأفق.
وتجلى أن "توصيف الخجل" لم يرق للحكومة ككل، فكان قرارها الذي أصدح به وزير التربية إثر مجلس الوزراء المنعقد أمس الأربعاء والمتمثل في التوجه نحو "حجب أجور الأساتذة" بمثابة محاولة لاسترجاع "هيبتها" التي افتقدتها منذ بدء معالجتها للأزمة.
ولكن الأساتذة لم يرهبهم "تلويح الحكومة بعصاها الغليظة" وجاؤوا اليوم للعاصمة بالآلاف من مختلف جهات الجمهورية للتعبير عن التفافهم حول جامعتهم النقابية وتمسكهم بكل اشتراطاتها.
بات من المؤكد أن"خطاب الوعيد والتهديد" الذي تسلح به الطرفان في الآونة الأخيرة عكس تصادما رهيبا بين استحقاقات الأساتذة وقدرة الحكومة على الاستجابة إليها. تصادم قد يؤدي إلى نتائج أخطر في صورة ما ارتفعت وتيرته وهو ما يستوجب الآن وقفا لا مشروطا "للخطابات المتشنجة" وعودة سريعة إلى طاولة الحوار وإيجاد نقاط التقاء تجنب الجميع "انهيار سنة دراسية".
Comments
3 de 3 commentaires pour l'article 158247