التصفيق... والصفاقة

خصصت منى الشاذلي حلقة لموضوع التصفيق من خلال حوار مطول مع أستاذ جامعي أعد أطروحة الدكتوراه حول هذه الظاهرة الإنسانية التي اتخذت أبعادا سياسية وثقافية وفنية مختلفة.
عند الإغريق كان المصفقون ينالون أجورا مجزية عن تصفيقهم وأسس الرومان مدرسة للغرض , وكان نيرون يحب العزف على قيثارته أمام جموع المصفقين المختصين.
عند الإغريق كان المصفقون ينالون أجورا مجزية عن تصفيقهم وأسس الرومان مدرسة للغرض , وكان نيرون يحب العزف على قيثارته أمام جموع المصفقين المختصين.
والتصفيق في عهد السادات كان مهمة سياسية , يعد لها بإخلاص لتنجز بحماس , وفي عهد عبد الناصر كان يتخذ الطابع التحريضي, ومع أم كلثوم صار التصفيق دعوة لإعادة مقطع غنائي, قبل أن يصبح مع فناني هذه الأيام جزءا من الأغنية...
*
والتصفيق فن عند البعض... ورسالة عند البعض الآخر, وهو إدمان لدى الكثيرين ممن تعودت أكفهم عليه, ويراه البعض شغلا جديرا بأن يحترم طقوسه وأصوله, ويعمل بعض الساسة على إطلاق مؤثرات صوتية مصاحبة للتصفيق لتزيد من حماس المصفقين وقد كان هتلر يفعل ذلك.
*
والتصفيق في وطننا العربي واجب يعبر عنه المحكوم عن ولائه للحاكم , وقد كان المصفقون في عهد عبد الناصر يصفقون في عهد السادات رغم اختلاف العهدين والرجلين, وما زال بعضهم ممن طالت بهم مسيرة الحياة يصفقون الى اليوم وكان البعض في موريتانيا يصفقون لولد الطايع ثم للمنقلب عليه ثم للرئيس المنتخب ثم للمنقلب عليه في تأكيد منهم على الوفاء والولاء للواقف...
*
والتصفيق يصيب بالعدوى ... حيث وما إن يرى الشخص الجالسين أو الواقفين حذوه يصفقون حتى يندمج معهم في ضرب الكف على الكف, إما مجاملة أوانسجاما أو خوفا من الملاحقة بتهمة عدم التصفيق ... مع المصفقين..
والتصفيق في بعض الأحيان تعبير عن نقيض ما يضمره المصفق... ووسيلة لاخفاء ذلك الشعور المناقض .. كما أنه دليل اندفاع عاطفي عند البعض, وتستعمله بعض الجماعات ايقاعاموسيقيا لمصاحبة الأداء الصوتي للأهازيج, وقد يتحول الى أسلوب سخرية أوتهكم في بعض الأحيان. وهو طريقة للتعبير عن الاعجاب أو المساندة أو الموافقة على قرارها..
*
والتصفيق مهنة لدى البعض حيث تكلف فرق كروية أو أحزاب سياسية أو مجموعات فنية بعض المختصين بالتصفيق واستجلاب المصفقين مقابل أجور عن ذلك وصارت البرامج التلفزية تستقطب مصفقين محترفين الى الأستوديوهات لتسخين الأجواء ومجاملة الضيوف, ويحتاج الزعماء السياسيون الى زعماء تصفيق يعرفون متى يضربون الكف على الكف في سمفونيات الأسناد والأمداد خصوصا اذا بح الخطيب أو جف ريقه أو ارتد مستوى أدائه الصوتي.
*
وقد لا يحتاج قائد معزول أو فنان مهجور أو خطيب معتزل أو نجم آفل الى شيى مثلما يحتاج الى دوي التصفيق من حوله حتى وان كان عن غير اقتناع وقد لا ياسف لشيئ مثلما يأسف لمن كانو يصفقون له بالأمس وهم يصفقون لمن تلاه وحل مكانه.
*
إن من كان يصفق لأم كلثوم لا يمكن أن يصفق اليوم لشعبان عبد الرحيم . ومن كان يصفق لتأميم قناة السويس لا يمكن أن يصفق لاتفاقية كامب ديفيد, ومن صفق لصدام لا يصفق للمالكي , ومن يصفق للاستسلام لا يصفق للمقاومة , ومن يصفق للوحدة لا يصفق للتجزئة, ومن صفق للجمال لا يصفق للقبح.
*
ومع ذلك, يستطيع المصفق المحترف أن يصفق للجميع ... لا تهمه التناقضات بقدر ما يهمه الوفاء لمذهبه في الحياة.. وهو التصفيق.. حتى وان كان تصفيقه دليل صفاقة.. لا أكثر ولا أقل.
الحبيب الأسود

Comments
4 de 4 commentaires pour l'article 15500