"الجوع هو الشعور الأقذر في الكون"، فلسطينيون يقضون أياماً بلا طعام في قطاع غزة Bookmark article

فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام المطهو في مطبخ خيري في خان يونس جنوب قطاع غزة
Reuters
فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام المطهو في مطبخ خيري في خان يونس جنوب قطاع غزة

في قطاع غزة، يحل الظلام وتحاول أمل النوم بعد انتهاء يومها بدون تناول أي وجبة طعام. إنها جائعة ولا يمكنها أن تغفو، حالها كحال معظم سكان القطاع المحاصر الذين يشتهون الغذاء ويحتاجونه.

"مش عارفة أنام من الجوع، وانتهى اليوم بلا أي وجبة" تقول أمل أنور الموجودة في منطقة الشجاعية لبي بي سي مع ابتسامة ساخرة.

تعتقد أمل أن الجوع هو الشعور الأقذر في الكون، مفضلةً الموت قصفاً، بقولها: "الموت بالقصف أرحم لأنك تموت مرة وحدة وينتهي الأمر، لكن الموت جوعاً مخيف أكثر وأكثر لأن الإنسان يموت مليون مرة كلما شعر بالجوع".

أما حواء - اسم مستعار - تقول لبي بي سي، إنها "تعيش أسوأ أيام العمر، ونتمنى كثيراً الموت بدلاً من هذه الحياة المتعبة"، خلال تعليقها على ظروف الحرب والجوع.

يعيش قرابة 2.4 مليون شخص في قطاع صغير يعاني ظروفاً كارثية، بعد 18 شهراً من الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 52500 فلسطينياً، معظمهم من المدنيين.

وتمنع السلطات الإسرائيلية دخول أي مساعدات منذ الثاني من مارس/آذار.

وتتهم إسرائيل حماس بالسيطرة على مساعدات القطاع، وهو ما نفته الحركة الفلسطينية.

وقالت إيناس حمدان القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) في غزة لبي بي سي، إن فرق الوكالة أجرت مطلع الأسبوع الحالي مقابلات مع 50 ربّ أسرة يقيمون في مراكز الإيواء التابعة للأونروا في جميع أنحاء القطاع.

وركّزت المقابلات على أنماط استهلاك الغذاء، وآليات التكيّف.

وتبين أن 74 في المئة مرّ عليهم يوم كامل بدون طعام خلال الأسبوع الماضي، وفق حمدان.

يحتاجون الغذاء ويتلقون القنابل

قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لاركه، الأربعاء، "الخلاصة هي أنه لم يعد هناك مساعدات لتوزيعها، لأن عملية إيصال المساعدات تعرضت لشلل تام ... لم يعد هناك ما يُعطَى".

وأضاف لاركه، "في غزة، هناك حاجة ماسة لإيصال الغذاء (للأهالي)، لكنهم يتلقون القنابل. يحتاجون إلى الماء، ويتلقون القنابل. يحتاجون إلى الرعاية الصحية، ويتلقون القنابل".

خبز مكرونة وأعلاف دواجن

فلسطينية تحمل الدقيق لإزالة العفن والحشرات لصنع العجين لأطفالها داخل مدرسة تؤوي النازحين في مخيم جباليا شمال مدينة غزة
EPA
فلسطينية تحمل الدقيق لإزالة العفن والحشرات لصنع العجين لأطفالها داخل مدرسة تؤوي النازحين في مخيم جباليا شمال مدينة غزة

لم يتبقَّ طحين أو غذاء معلب لدى ميساء أم محمد وعائلتها، التي تتغذى على العدس المحمص، في ظل عدم وجود مساعدات.

تحصل عائلة ميساء وهي محامية ومتزوجة من مهندس ولديها خمسة أطفال - على وجبة من مطبخ خيري كل أسبوع وهي عبارة عن مكرونة أو عدس.

وفي ظل انقطاع الطحين، تتحدث ميساء لبي بي سي عن صنعها للخبز من المكرونة بعد طحنها.

"لا توجد سكريات ولحوم ودجاج وفواكه وطحين وأجبان وبيض وسكر في حياتنا ... نشعر بجوع شديد والمجاعة فتكت بأجساد الناس"، بحسب ميساء التي تسكن مدينة خان يونس في جنوب القطاع.

أما حواء التي تسكن الشجاعية، تحاول تخزين كميات طعام كافية منذ بدء الحرب، لكن كل ما يُخزن ينفد.

وخلال الحرب، تحاول حواء إيجاد بدائل للطحين من الشعير وأعلاف الدواجن التي كانت تباع بأسعار مرتفعة وكانت هي وآخرون مضطرين لشرائها "لسد رمق أطفالنا من الجوع ومن الموت".

وتبيّن من مقابلات وكالة الأونروا، أن النظام الغذائي الأساسي، يقتصر على الخبز والأرز والخضراوات المعلبة، بدون وجود بروتين حيواني أو فواكه.

تقول ميساء التي تشعر بالجوع الشديد والهزال، إن الغالبية تعيش على وجبة واحدة وهي الغداء (مكرونة أو فاصولياء أو عدس)، أو وجبتي إفطار (شطيرة صغيرة).

وتتحدث ميساء عن وجود أشخاص كُثر لا يأكلون طيلة يوم كامل.

ووفق مقابلات الأونروا، فإنّ 62 في المئة يتناولون وجبة واحدة يومياً، و38 في المئة يتناولون وجبتين، و0 في المئة يتناولون ثلاث وجبات يومياً.

وقلل 94 في المئة من الخاضعين للمقابلات حجم الوجبات، فيما تخطى 98 في المئة وجبات، وتناول 98 في المئة منهم نوعاً واحداً فقط من الطعام بدون أي تنوع.

وبحسب المقابلات يشعر 100 في المئة بقلق شديد من نفاد الطعام، كما اعتمد 100 في المئة منهم على مطابخ مجتمعية.

في حال توفر المساعدات والطحين والسكّر تأكل حواء وعائلتها وجبتين في اليوم، أما حالياً خلال إغلاق المعابر وانقطاع المساعدات، فإنهم يأكلون وجبة واحدة يومياً.

"أحياناً كثيرة كنا لا نجد طعاماً ... يمر يومنا بدون كسرة خبز، ونحاول أن نكثر من شرب الماء والشاي"، بحسب حواء.

طفل فلسطيني سعيد بتلقي وجبة ساخنة من مطبخ خيري في خان يونس
Getty Images
طفل فلسطيني سعيد بتلقي وجبة ساخنة من مطبخ خيري في خان يونس

"مجاعة من صنع الإنسان"

جسد فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 12 عاماً، تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة بسبب سوء التغذية والأمراض غير المشخصة
Getty Images
جسد فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 12 عاماً، تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة بسبب سوء التغذية والأمراض غير المشخصة

أدان مفوض الأونروا فيليب لازاريني، استمرار إسرائيل في منع وصول المساعدات إلى قطاع غزة، ووصفه بأنه "مجاعة من صنع الإنسان ذات دوافع سياسية".

وقال فيليب لازاريني عبر منصة إكس في 25 أبريل/نيسان، بعد ساعات من إعلان برنامج الأغذية العالمي نفاد مخزوناته في غزة، "تواصل حكومة إسرائيل منع دخول الغذاء وغيره من المواد الأساسية"، مضيفاً "إنها مجاعة من صنع الإنسان ذات دوافع سياسية".

وقالت مديرة الإعلام والتواصل في الأونروا جولييت توما لبي بي سي، إن سكان غزة يعتمدون بالكامل على المساعدات الإنسانية، ومع استمرار الحصار، يُدفع الناس نحو موتهم".

"إنه حُكم بالإعدام يتسارع بشكل رهيب. إنه عقاب جماعي"، وفق توما.

ووصف وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر في بيان بداية الشهر الحالي الحصار بـ"الوحشي".

شعار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مدينة غزة
EPA
شعار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مدينة غزة

"سأشتري لك تفاحة"

فتاة فلسطينية نازحة تحمل أوان لتلقي الطعام من مطبخ خيري في جباليا في شمال قطاع غزة
EPA
فتاة فلسطينية نازحة تحمل أواني لتلقي الطعام من مطبخ خيري في جباليا شمال قطاع غزة

تتحدث ميساء عن طلب أولادها للطعام والحلويات بكثرة، لكن "لا يوجد في غزة طحين أو سكّر، وإن وُجد فإن أسعاره مرتفعة جداً جداً لا يقدر المواطن على شرائها".

وتروي حواء كيف "اعتاد الأطفال" على "الحرمان"، فلم يعودوا يطلبون الطعام مثل الأوقات السابقة.

حواء أم لطفلة، وتعمل على إكسابها طاقة حتى لا يتمكن منها الجوع ويصيبها سوء التغذية.

"أشتري لها الخضار من السوق ... خيارة واحدة فقط أو حبة بندورة واحدة لغلاء الأسعار"، تقول حواء.

Getty
في قطاع غزة

يحتاج قرابة

  • 290 ألف طفلدون سن الخامسة وكذلك

  • 150 ألف حاملللتغذية والمكملات الغذائية الدقيقة

    وكالة الأونروا

    تقول حواء لطفلتها (5 سنوات)، سأشتري لك تفاحة من السوق، ثم "تنظر (الطفلة) وتضحك في وجهي باستحياء وتقول لا أريد، لا يوجد في السوق بسبب الحرب".

    "الوضع حالياً مميت خصوصاً للأطفال، وهناك حالات كثيرة تموت بسبب قلة الطعام وسوء التغذية"، وفق حواء.

    وتفيد وكالة الأونروا بأن 92 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهراً والنساء الحوامل والمرضعات لا يستوفون احتياجاتهم من المغذيات.

    EPA
    أكثر من 66 ألف طفل يعانون من سوء تغذية خطير في قطاع غزة
    وكالة الأونروا

    خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات

    بعد أكثر من شهرين من منع دخول أي مساعدات، وافق المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر على "إمكان توزيع المساعدات الإنسانية" في غزة.

    وأفاد مصدر إسرائيلي الاثنين الماضي لوكالة فرانس برس، بأن المجلس الأمني الإسرائيلي يرى أن في غزة "ما يكفي من طعام".

    وأبلغ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير مجموعة من الوزراء الشهر الماضي بأن القوات الإسرائيلية لن توزع المساعدات وأنه لن يسمح بحدوث مجاعة في غزة، مما أثار غضب وزراء مثل وزير المال بتسلئيل سموتريتش، وفق وكالة رويترز.

    وتخطط إسرائيل لإعادة توزيع المساعدات الإنسانية على قطاع غزة عبر "شركات أجنبية".

    وقد يبدأ دخول المساعدات "بين الشهر المقبل والأشهر الثلاثة المقبلة" إلى مجمعات ستُنشأ في جنوب قطاع غزة سيؤمّنها الجيش الإسرائيلي.

    جنود إسرائيليون في منطقة تل السلطان في محافظة رفح
    Reuters
    جنود إسرائيليون في منطقة تل السلطان في محافظة رفح

    وستوزِع المساعداتِ شركةٌ أمريكيةٌ وربما منظمات دولية.

    ولن يشارك الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر في عملية التوزيع، في ظل اعتراض زامير.

    وقال سموتريتش إن "الخطة تشمل إجلاء سكان قطاع غزة إلى جنوب محور موراغ، وإنشاء منطقة واحدة لتوزيع المساعدات الإنسانية تحت إشراف وتأمين إسرائيلي".

    وتخطط إسرائيل لأن تكون عملية التوزيع دفعة واحدة في الأسبوع ستحصل خلالها كل عائلة على 70 كيلوغراماً من المساعدات.

    وتريد إسرائيل إدخال 100 شاحنة يومياً للقطاع مقارنة بـ600 شاحنة يومياً خلال فترة وقف إطلاق النار، بهدف إدخال الحد الأدنى الذي يحتاجه سكان قطاع غزة دون أن يتمكنوا من تخزينه، وفق القناة 14 الإسرائيلية.

    وأصدرت وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تنسيق دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بياناً رسمياً ترفض فيه الخطة قائلةً إنها "تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية".

    وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، إن "المسؤولين الإسرائيليين يسعون إلى إنهاء نظام توزيع المساعدات الحالي الذي تديره الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني، ودفعنا إلى الموافقة على إيصال الإمدادات عبر مراكز إسرائيلية بشروطٍ وضعها الجيش الإسرائيلي، بمجرد موافقة الحكومة على إعادة فتح المعابر".

    وأضاف أن الخطة المعروضة لن تغطي أجزاء كبيرة من غزة، لا سيما الفئات الأضعف وغير القادرين على الحركة.

    وتراها الهيئة الأممية خطة تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية، وتعزز السيطرة على المواد الضرورية للحياة "كأسلوب ضغط، يمثل جزءاً من استراتيجية عسكرية".

    ويشير البيان الأممي إلى أن الخطة تدفع المدنيين إلى المناطق العسكرية للحصول على حصصهم الغذائية، مما يمثل تهديداً على حياتهم، وحياة العاملين في المجال الإنساني، كما يزيد من ترسيخ النزوح القسري.

    وأوضح البيان أن الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة الطارئة أكدا عدم المشاركة في أي خطة لا تلتزم بالمبادئ الإنسانية العالمية المتمثلة في الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد.

    All Radio in One    
    *.*.*
    Arabic Female