تخاصم الشيوعية والحداثة في الرئاسية.. من المقابر الى الاولياء الصالحين

بقلم: شكري بن عيسى (*)
مثلت الانتخابات الرئاسية فيما سبقها من دعاية قمة الانفصام والسكيزوفرينا من المرشحين في مجملهم، ولكن شد الامر خاصة رافعي الوية الشيوعية والحداثة لما حضر من خلع فاضح، لجملة المبادىء و الشعارات المرفوعة، في الممارسة والوقائع، ولِمَا ظهر من تنافس الى حد التصارع، بين حملة الفكر العقلاني التنويري، من غرق في عالم الارواح والميتولوجيا والميتافيزيقيا.. في سبيل شرعية صارت مُطَاردة بكل الوسائل والسبل..
مثلت الانتخابات الرئاسية فيما سبقها من دعاية قمة الانفصام والسكيزوفرينا من المرشحين في مجملهم، ولكن شد الامر خاصة رافعي الوية الشيوعية والحداثة لما حضر من خلع فاضح، لجملة المبادىء و الشعارات المرفوعة، في الممارسة والوقائع، ولِمَا ظهر من تنافس الى حد التصارع، بين حملة الفكر العقلاني التنويري، من غرق في عالم الارواح والميتولوجيا والميتافيزيقيا.. في سبيل شرعية صارت مُطَاردة بكل الوسائل والسبل..
الحقيقة ان طبيعة الخطاب الحداثي والشيوعي يفترض ان يعتمد على العقلانية والتحليل الجدلي واستنهاض الوعي واستنفار التفكير والتدبر، غير ان الانزلاق في الواقع كان كبيرا مدويا.
والمسألة هنا تجاوزت استثارة المشاعر عن طريق الخطاب العاطفي الوجداني واثارة الغرائر عن طريق الخطاب التخويفي والغوص في المخيال الشعبي عن طريق الخطاب الحكواتي الشعبوي ووصلت الى مخاطبة الروح في حاجتها العميقة للربوبية واستعادة المعجزات وكرامات الصالحين من الاولياء المتناقض مع اسس الحداثة والماركسية على حد سواء.

الباجي قائد السبسي مدعي قيادة الحداثة والعقلانية والتنوير واكبر مناهضي العودة الى الماضي اطلق حملته الانتخابية من المكان الذي لا ترتضيه الحداثة وتعتبره من مظاهر التخلف ونقيض العقل. زعيم الحداثة في تونس انطلق في رحلته الانتخابية من ضريح الرئيس الراحل في روضة آل بورقيبة حيث حشد مريديه بالاف خاطبا فيهم مستحضرا انجازات الراحل ومآثره ناسبا لنفسه احقية تحوزها بل وملكيتها وقد لبس نظارات سوداء تحمل نفس شكل نظارات المرحوم.
الروحية التي خلقها قائد الحداثيين بعثت جوا من الانتشاء والسعادة الغامرة لدى مريديه باستعادة صور تاريخية تقمصها مرشح الرئاسة وانصهر تماما في فكر وافعال المرحوم بل وسرق شخصيته واغتصب كيانه كاملا.
ولتحقيق مآربه فقد كان لزاما ان يأتي طقوسا غريبة زيادة على النظارات بالاستفراد بضريح الراحل والوقوف بخشوع عال فاق كل الطقوس التي اتت بها الاديان والعقائد وتعدى الى التمسح عليه بكلتا يديه والدخول في حالة غيبوبة طويلة كاد يسقط مغشيا عليه اثرها من شدة التأثر والانفعال!!
ولا غرو فالرجل استمر حزنه على قدوته منذ 87 لما انقلب عليه المخلوع وهو الذي تعرض لكل صنوف التنكيل بسبب موقفه المناهض للدكتاتور منذ استيلائه على الحكم و تعرض للاقصاء من السلطة بعد ان زار الزعيم التنويري في اقامته الجبرية و تحدى بذلك الطاغية و لاقى كل صنوف التهجير بعد ان حضر جنازته حين موته بعد ان تجاهل بطش المستبد !!
الانفصام بين الشعارات والممارسة وبين المبادىء المرفوعة والواقع كان فعلا صارخا، فالغرق في الماضي كان عميقا والوحل في الماورائيات بات غائرا ونحت الاصنام صار فاقعا واحياء الاوثان اصبح مدويا!!

الهمامي بدوره اكبر مناهضي الرجعية والظلامية والاكثر رفعا لراية التقدمية الشيوعية، لم يقاوم التيار الجارف فعملة الجدلية والمادية مفلسة لاستلام بضاعة الرئاسة، واستسلم بدروه للواقع المقيت، ودفعه التنافس الى اشهار الخصام الصاخب، فاللعبة صارت على عتبات المقابر والاضرحة والاهداف هنالك تسجل، ولا مناص من الرحيل من شعاب الفعل العقيم الى ميدان تحقيق الاهداف والنجاعة الفعلية.
رائد المادية الجدلية والمادية التاريخية اخذه تيار التمسح على العتبات فلم يكفه الانطلاق في حملته من المقبرة بقراءة اشهارية للفاتحة بعد ان اعتدنا على سريتها واستبطانها كما كان ينظّر لنا التيار الشيوعي التونسي بان الدين هو فعل شخصي ذاتي ينكر اظهاره والرياء فيه، ووصل به الامر الى اشهار اعتزازه بالدين الاسلامي على قناة العايلة بعد ان كان موضوعا شخصيا عنده لا يجب الخوض فيه علنا والتجارة فيه من تجار الدين وما الى ذلك، وتعدى به الامر الى ما لا يصدقه احد.
عدو الماضي ومناهض الانغلاق والتحجر عاد بنا فجأة الى العصر الحجري في صورة صادمة استعصى على الجميع استيعابها الا في قالب اللهث وراء كرسي قرطاج الذي يفقد البوصلة ويجعل مسار التاريخ في اتجاه مقلوب يصبح فيه التقدم معكوسا والرجعية متوثبة زاحفة الى الامام، الهمامي بعينه ورأسه ورجليه في ضريح الولي سيدي نصر الله رافعا يديه يقرأ فاتحة الكتاب او تمائم اخرى قد لا يعرف سرها الا هو!!
تنافس وتطاحن غير عادي على المقابر والاغرب على الاضرحة.. وما دام كرسي الرئاسة هو الغاية فكل الطرق تصبح مشروعة في اعين التقدميين والحداثيين ولا غرابة فشبق السلطة اذا استبد بصاحبه قد يفقد الانسان كل الابعاد ويلقي به في اتون العاصفة التي تفقده معاني المكان والزمان، فيصبح السير المتقهقر هو عين التقدم والانغلاق هو عين التجديد والحداثة والعلمانية.
ابرز معاني لمقولة العلمانية التي يرفعها المرشحان صباحا مساء وبعد المساء ويوم الاحد، العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة والسياسة عموما، فرأينا منتهى تجسيم للمقولة ليس باستعمال الدين فحسب بل باستعمال العقائد الاسطورية في اسمى مظاهرها.
طبعا مجمل المترشحين لحقتهم عدوى زيارة المقابر ولكن التركيز كان عرضيا والاطار كان مختلفا الى حد مع ثنائي الماركسية والحداثة في الاستثمار واكساء الرمزية العالية على التوجه والخيار..
محبرو القانون الانتخابي حجروا استعمال الادارة والمدارس والكليات والمساجد للدعاية الانتخابية ورتبوا عن كل مخالفة عقوبات ردعية صارمة، وفعلا كانت المقابر واضرحة الزعماء والاولياء الثغرة التي غفل عنها المشرع في الصدد، وكان استغلالها عالي الدرجة، ولكنها مكنت بالفعل من تعرية حملة رايات التقدمية والحداثة والعلمانية المزيفين، واسقطت عنهم ورقة التوت كاملة، فكان العقاب اشد واقسى!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
16 de 16 commentaires pour l'article 94552