تخاصم الشيوعية والحداثة في الرئاسية.. من المقابر الى الاولياء الصالحين

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/bejiyitmassah0.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

مثلت الانتخابات الرئاسية فيما سبقها من دعاية قمة الانفصام والسكيزوفرينا من المرشحين في مجملهم، ولكن شد الامر خاصة رافعي الوية الشيوعية والحداثة لما حضر من خلع فاضح، لجملة المبادىء و الشعارات المرفوعة، في الممارسة والوقائع، ولِمَا ظهر من تنافس الى حد التصارع، بين حملة الفكر العقلاني التنويري، من غرق في عالم الارواح والميتولوجيا والميتافيزيقيا.. في سبيل شرعية صارت مُطَاردة بكل الوسائل والسبل..





الحقيقة ان طبيعة الخطاب الحداثي والشيوعي يفترض ان يعتمد على العقلانية والتحليل الجدلي واستنهاض الوعي واستنفار التفكير والتدبر، غير ان الانزلاق في الواقع كان كبيرا مدويا.

والمسألة هنا تجاوزت استثارة المشاعر عن طريق الخطاب العاطفي الوجداني واثارة الغرائر عن طريق الخطاب التخويفي والغوص في المخيال الشعبي عن طريق الخطاب الحكواتي الشعبوي ووصلت الى مخاطبة الروح في حاجتها العميقة للربوبية واستعادة المعجزات وكرامات الصالحين من الاولياء المتناقض مع اسس الحداثة والماركسية على حد سواء.

الباجي قائد السبسي مدعي قيادة الحداثة والعقلانية والتنوير واكبر مناهضي العودة الى الماضي اطلق حملته الانتخابية من المكان الذي لا ترتضيه الحداثة وتعتبره من مظاهر التخلف ونقيض العقل. زعيم الحداثة في تونس انطلق في رحلته الانتخابية من ضريح الرئيس الراحل في روضة آل بورقيبة حيث حشد مريديه بالاف خاطبا فيهم مستحضرا انجازات الراحل ومآثره ناسبا لنفسه احقية تحوزها بل وملكيتها وقد لبس نظارات سوداء تحمل نفس شكل نظارات المرحوم.
الروحية التي خلقها قائد الحداثيين بعثت جوا من الانتشاء والسعادة الغامرة لدى مريديه باستعادة صور تاريخية تقمصها مرشح الرئاسة وانصهر تماما في فكر وافعال المرحوم بل وسرق شخصيته واغتصب كيانه كاملا.

ولتحقيق مآربه فقد كان لزاما ان يأتي طقوسا غريبة زيادة على النظارات بالاستفراد بضريح الراحل والوقوف بخشوع عال فاق كل الطقوس التي اتت بها الاديان والعقائد وتعدى الى التمسح عليه بكلتا يديه والدخول في حالة غيبوبة طويلة كاد يسقط مغشيا عليه اثرها من شدة التأثر والانفعال!!

ولا غرو فالرجل استمر حزنه على قدوته منذ 87 لما انقلب عليه المخلوع وهو الذي تعرض لكل صنوف التنكيل بسبب موقفه المناهض للدكتاتور منذ استيلائه على الحكم و تعرض للاقصاء من السلطة بعد ان زار الزعيم التنويري في اقامته الجبرية و تحدى بذلك الطاغية و لاقى كل صنوف التهجير بعد ان حضر جنازته حين موته بعد ان تجاهل بطش المستبد !!

الانفصام بين الشعارات والممارسة وبين المبادىء المرفوعة والواقع كان فعلا صارخا، فالغرق في الماضي كان عميقا والوحل في الماورائيات بات غائرا ونحت الاصنام صار فاقعا واحياء الاوثان اصبح مدويا!!

الهمامي بدوره اكبر مناهضي الرجعية والظلامية والاكثر رفعا لراية التقدمية الشيوعية، لم يقاوم التيار الجارف فعملة الجدلية والمادية مفلسة لاستلام بضاعة الرئاسة، واستسلم بدروه للواقع المقيت، ودفعه التنافس الى اشهار الخصام الصاخب، فاللعبة صارت على عتبات المقابر والاضرحة والاهداف هنالك تسجل، ولا مناص من الرحيل من شعاب الفعل العقيم الى ميدان تحقيق الاهداف والنجاعة الفعلية.

رائد المادية الجدلية والمادية التاريخية اخذه تيار التمسح على العتبات فلم يكفه الانطلاق في حملته من المقبرة بقراءة اشهارية للفاتحة بعد ان اعتدنا على سريتها واستبطانها كما كان ينظّر لنا التيار الشيوعي التونسي بان الدين هو فعل شخصي ذاتي ينكر اظهاره والرياء فيه، ووصل به الامر الى اشهار اعتزازه بالدين الاسلامي على قناة العايلة بعد ان كان موضوعا شخصيا عنده لا يجب الخوض فيه علنا والتجارة فيه من تجار الدين وما الى ذلك، وتعدى به الامر الى ما لا يصدقه احد.

عدو الماضي ومناهض الانغلاق والتحجر عاد بنا فجأة الى العصر الحجري في صورة صادمة استعصى على الجميع استيعابها الا في قالب اللهث وراء كرسي قرطاج الذي يفقد البوصلة ويجعل مسار التاريخ في اتجاه مقلوب يصبح فيه التقدم معكوسا والرجعية متوثبة زاحفة الى الامام، الهمامي بعينه ورأسه ورجليه في ضريح الولي سيدي نصر الله رافعا يديه يقرأ فاتحة الكتاب او تمائم اخرى قد لا يعرف سرها الا هو!!

تنافس وتطاحن غير عادي على المقابر والاغرب على الاضرحة.. وما دام كرسي الرئاسة هو الغاية فكل الطرق تصبح مشروعة في اعين التقدميين والحداثيين ولا غرابة فشبق السلطة اذا استبد بصاحبه قد يفقد الانسان كل الابعاد ويلقي به في اتون العاصفة التي تفقده معاني المكان والزمان، فيصبح السير المتقهقر هو عين التقدم والانغلاق هو عين التجديد والحداثة والعلمانية.

ابرز معاني لمقولة العلمانية التي يرفعها المرشحان صباحا مساء وبعد المساء ويوم الاحد، العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة والسياسة عموما، فرأينا منتهى تجسيم للمقولة ليس باستعمال الدين فحسب بل باستعمال العقائد الاسطورية في اسمى مظاهرها.

طبعا مجمل المترشحين لحقتهم عدوى زيارة المقابر ولكن التركيز كان عرضيا والاطار كان مختلفا الى حد مع ثنائي الماركسية والحداثة في الاستثمار واكساء الرمزية العالية على التوجه والخيار..

محبرو القانون الانتخابي حجروا استعمال الادارة والمدارس والكليات والمساجد للدعاية الانتخابية ورتبوا عن كل مخالفة عقوبات ردعية صارمة، وفعلا كانت المقابر واضرحة الزعماء والاولياء الثغرة التي غفل عنها المشرع في الصدد، وكان استغلالها عالي الدرجة، ولكنها مكنت بالفعل من تعرية حملة رايات التقدمية والحداثة والعلمانية المزيفين، واسقطت عنهم ورقة التوت كاملة، فكان العقاب اشد واقسى!!

(*) قانوني وناشط حقوقي



Comments


16 de 16 commentaires pour l'article 94552

BenRhouma  (Tunisia)  |Mardi 11 Novembre 2014 à 17:56           
نحن في زمن العجائب

Mandhouj  (France)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 22:04           
تونس تواجه تحديات عظمى ، و الشعب واعي بها :

- تحدي توازن السلطات: انتخاب المرزوقي هو الحل ،
- تحدي سياسي : حكومة التوافق هي الحل ،
- التحدي الديمقراطي : التعدد السياسي هو الحل ،
- تحدي أمني : محاربة الإرهاب بالوحدة الوطنية هي الحل ،
- تحدي اقتصادي : ثقافة الجهد و العمل و الامتناع عن الإضرابات العشوائية هو الحل ،
- تحدي المديونية : تسهيل الاستثمار، ترشيد الاستهلاك و الوطنية الجبائية العادلة، هو الحل ،
- تحدي إكلوجي و بيئي: منوال تنمية جديد هو الحل ،
- تحدي إداري: إصلاحات جوهرية ، و تركيز اللامركزية ، عبر التوافق و الحوار الوطني ، هو الحل ،
- التحدي الإستراتيجي : إقامة الوحدة المغاربية، تدعيم التعاون العربي و الإفريقي ، الانفتاح على العالم و اعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية أولى، هو الطريق هو الحل ،
- تحدي تاريخي و أخلاقي : عدالة انتقالية و مصالحة وطنية. منوال عدالة انتقالية تونسي/ تونسي ، يتلاءم و الحالة التونسية هو الحل . المسامح كريم، و الجهد يبذله الجميع .
كلنا لتونس و تونس لنا .
تحية إلى شعب الثورة .

Bardo_tounes  (Denmark)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 21:08           
تونس دولة حرة مسلمة يعني دينها الاسلام ولغتها العربية .
مفتوحة لكل من يحترمها وديننا دين الحق ووعاداتنا وتقاليدنا .
كل مانسمعة من حداثية وعلمانية و" رويق بارد هو دخيل و غريب على بلادنا وديننا وشعبنا .
يعني "حاكم "تونس وحكومتها يجب ان تكون متكونة من تونسيين مؤمنين بالله ودينهم الاسلام , " مع احتارمي للديانات الاخرى ببلادنا وهم منا ولكن الحكم يجب ان يكون حكم الله وشرغ الله . هذا المنطق والصحيح ومن اصدق من الله حديثا "وغير ذلك تفاهات ومحاولات لمحاربة ديننا وتقاليدنا وعاداتنا. "وقا الكلام".
".

BenMoussa  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 15:56           
هل من يوضح لي المقصود بالمرجعية الدينية واستعمالها لغايات سياسية كما نرى من حمة الهمامي
اوليست جزءا من الاسلام السياسي الذي يحاربه الكثيرون؟

Hemida  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 14:23           
اعتقد ان هناك انسجام و تنسيق بين السبسي و حمة الهمامي في الحملة الانتخابية و كان المرشحين اتفقا على ربح الجولة الاولى و في الجولة الثانية "يعمل الله دليل"... التمسح على قبور الأولياء و الصالحين والسياسيين هو ضرب من ضروب الضحك على ذقون الناخبين ....
و لكن لن تنطلي الحيلة : فان كان السبسي قوي بهياكل التجمع الدستوري الديمقراطي و بالشعب الدستورية التي تعمل صباحا مساء و يوم الأحد فان مرشح اخر شعبي يعمل في صمت و تمكن من كسب محبة الناس و سوف نجده في الدور الثاني و هو السيد المنصف المرزوقي.

Nibras  (Switzerland)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 13:30           
خرجنا بن علي باش ميشدش مدى الحياة... جانا مدى الحياة بيدو مرشح روحو ...

Zoulel  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 12:53           
To aigle : mais le pire c'est que cette hypocrisie et ces coups de théâtre fonctionnent bien en Tunisie depuis le 14/01/2011

Jajouna  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 12:52           
كلما توغلوا فالنفاق ، كلما آنكشفت العورات . عماء البصيرة يجرهم إلى القبور والزوايا والتبرك بما لا ينفع ولا يضر . إنها الإنهزامية والسذاجة ، ومن إعتز بغير الله ذل . الخيار الصائب للحد من درجة الإنحدار والتدارك وعدم خذلان الثورة ، يتمثل في شخص الدكتور المرزوقي
كلمة رجال

Zoulel  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 12:50           
قال الباجي لبورقيبة وهو في قبره انتم السابقون ونحن الاحقين ولا دوام لغير الله

Aigle  (France)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 12:24           
Je ne pense pas qu'on peut faire mieux en matière d'hypocrisie que le vieux bce ! Il n'avait manifesté aucune sympathie à l'égard de bourguiba quand il a été chassé du pouvoir par le sergent-chef ben ali et aujourd'hui, pour des fins strictement politiques, il trouve le culot de "pleurer" sur sa tombe.

Elhorr  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 12:14           
بينهم و بين لخلقهم ربي سبحانه الي يحاسبهم على شركهم
المهم ميسيلوش دم الجنودكيما برشا اطراف

Swigiill  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 11:43           

كل الطرق تأدي الى قرطاج

و الغاية تبرر الوسيلة، هههه


Pontlibre  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 11:39           
يقولون إياك نعبد و إياك نستعين و يستغيثونه بغيره

Sayada  (France)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 11:24           
و لهذا إسمه حمة عوض محمد مولود مسلما و لكن أنكر إسلامه بنعت الدين الإسلام بالظلامية

Ghayour  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 11:08           
هذان الصنمان يظننان أن الفاتحة لا تلعن قاريها عندما لا تكون خالصة لله.
من هو المتاجر بالدين يا رواد باب نات؟ أو ليس البجبوج وحمة منجل.

Dukram  (Tunisia)  |Lundi 10 Novembre 2014 à 10:55           
نقطة وحيدة اردت التعليق عليها وهي ان حمة الهمامي مناهض للرجعية والظلامية التي يمثلها اصحاب الاسلام السياسي اما المرجعية الدينية لكل المسلمين فلا نعتقد ان حمة الهمامي ضدها بما انه هو نفسه مولودا مسلما نقطة وارجع الى السطر


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female