سي المِـــينجي

بقلم حاتم الكسيبي
لا ننكر أنك أتقنت إلى حد ما لهجة المرقة والموبيلات الزرقاء و أنك عولت أساسا على طريقة نطق ليْن، فيْن، كرتل، ميْدة، عيْن، ... لتستميل المتفرج و تدغدغ عقله فيضحك لمجرد الضحك. و لكنّك أهملت كنه أخلاق وشمائل أهل البلد لو كنت تبغي نقل الواقع
اليومي المعاش. فأنت تشترك مع كاتب السيناريو والمخرج وقناتكم التعيسة في إعطاء صورة مغلوطة عن أهلنا وشبابنا في ربوع الجدّ والكدّ وهم يشمّرون على سواعد البناء منذ الصباح الباكر، فيمتطون دراجاتهم و سياراتهم أو يستقلون الحافلات أو مشيا على الأقدام إلى مواطن عملهم وهم يحملون غالب الأحيان نزرا قليلا من الطعام يتناولونه على عجل لما يحين وقت الغذاء. فليس منّا الكسول الذي يأكل و يشرب من مال صهره و يقيم عنده الشهر تلو الشهر ويقضي اليوم يتنقل من فراش إلى أريكة، و من أريكة إلى أخرى، و إن وجد هذا الشخص بيننا فهو معتوه لا يقاس عليه بل يسعى الأهل و الأصحاب إلى الأخذ بيده ومساعدته على قضاء شؤونه. ولعل إهمال السيناريو المعتمد خصال العمل لدى أهل الموبيلات الزرقاء مقصود ومدبر له، فالتركيز على لهجة بعينها من العمق التونسي أمر يختزل الجهة المقصودة بأسرها في تلك المقولات و المنطوقات و الأفعال والأخلاق أيضا.
لا ننكر أنك أتقنت إلى حد ما لهجة المرقة والموبيلات الزرقاء و أنك عولت أساسا على طريقة نطق ليْن، فيْن، كرتل، ميْدة، عيْن، ... لتستميل المتفرج و تدغدغ عقله فيضحك لمجرد الضحك. و لكنّك أهملت كنه أخلاق وشمائل أهل البلد لو كنت تبغي نقل الواقع

أمّا إذا غفلت على إظهار قيمة العمل فإننا نستغرب ما تحليت به من مظاهر الكبت التي شابت سلوكك كلما ظهرت امرأة أو فتاة، فكنت خفيفا هشّا مرتبكا تدعو للاشمئزاز. و لعل المراد من هذا السلوك هو ضرب قيمة ثانية عرف بها أهلنا في الجنوب عامة و في عاصمته خاصة ألا وهي الحشمة والحياء والاستئذان عند الدخول. لقد تعددت المواقف المقرفة التي تظهر ذلك الشاب المكبوت المغلوب على أمره، فتقلل من قيمته وتجعله دون كل الممثلين شاذا تتلاطمه الضحكات و أعراض السخرية طوال الحلقة. و بنفس الأسلوب المفضوح تمرر تلك المواقف على أنها شيمة أهل البلد باعتماد لهجتهم و الإمعان في تقليدها. وحتى يصدق حدسي و لا اتهم بالجهوية، على المتابع لذلك المسلسل أن يبحث عن شخصية ثانية تنطق لهجة ما تجمع بين الغباء و الكسل و الكبت و ... لن تجدوا دون عناء، قد دُبّر الأمر منذ الحلقة الأولى ولكن أهل المرقة والموبيلات الزرقاء لا يعيرون أي اهتمام لما تقدمه بل ينشغل رجالنا ونساؤنا بأعمالهم وتجارتهم فهم دعم للوطن و بوصلة أمانه. ولعل التاريخ القديم والحديث مليء بالمواقف الشهمة و الرجولية لأهل البلد كغيرهم من مكونات هذا المجتمع التونسي المتماسك الذي تحاولون عبثا استنقاصه.
Comments
55 de 55 commentaires pour l'article 68232