معقل الموناليزا

في مثل هذا اليوم 10 أوت 1793 تمّ افتتاح معرض اللوفر لأوّل مرّة للعموم.
يعتبر متحف اللوفر من أشهر وأهمّ متاحف العالم، لما يحتويه من قطع أثريّة مهمّة في التاريخ البشري، وأعمال لأشهر الفنّانين في التاريخ. يقع المتحف في الدائرة الأولى لمدينة باريس، وهو يعتبر واحدا من أهمّ معالمها، فهو تحفة معماريّة فريدة، ولا يمكن لأي سائح أن يزور باريس من دون المرور عبر المتحف. كان اللوفر عبارة عن قلعة شيّدها فيليب أوغوست عام 1190 على ضفاف نهر السين لحماية المدينة أثناء حملته الصليبيّة في مكان يعرف باسم اللوفر فسمّي الحصن على اسم المكان. ثمّ تحوّل لاحقا إلى مقرّ إقامة ملوك فرنسا فأصبح اسمه قصر اللوفر.
كان الملك فرانسوا هو أوّل من اهتمّ بجمع التحف والأعمال الفنيّة. فقد قام بتخصيص قاعة في القصر للوحات الفنّية النفيسة. واستطاع اقناع الرسّام الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي للقدوم إلى فرنسا ليكمل بقيّة حياته هناك. وقد اشترى منه الملك فرانسوا جميع لوحاته منها لوحته الشهيرة الموناليزا، والتي تعتبر إلى اليوم أشهر الأعمال الفنّية في المتحف. وهذا الذي يفسّر تواجدها في اللوفر دون غيره. استمرّ بقيّة الملوك اللاحقين بجمع التحف الفنيّة لمتعتهم الخاصّة، حتى أصبح جمع الآثار والتحف من تقاليد العائلات الفرنسيّة المالكة. في عام 1672 قرّر الملك لويس الرابع عشر مغادرة اللوفر والاستقرار في قصر فيرساي مقرّ إقامة بقيّة الملوك اللاحقين. وحوّل اللوفر إلى أكاديميّات للتمثيل والرسم والنحت. كما تحوّلت قاعاته إلى فضاءات لإقامة الحفلات الموسيقية والأوبرا، بالإضافة إلى العروض المسرحية. وبقي الجناح الملكي مخصّصا للملوك حيث يحتوي على أهمّ التحف الأثريّة والفنيّة.

بعد قيام الثورة الفرنسيّة ففي عام 1789، تقرّر تحويل القصر إلى متحف للشعب. وفي مثل هذا اليوم 10 أوت 1793 فتح قصر اللوفر لأوّل مرّة للجمهور لمشاهدة آثار ومقتنيات المتحف. لم يتوقّف حكّام فرنسا عن تطعيم المتحف بالقطع الأثريّة النفيسة، فقد جلب نابليون بونابرت معه عدّة آثار بعد حملاته خصوصا الآثار المصريّة القديمة بعد حملته على مصر والتي مازالت تعرض إلى اليوم في المتحف.
كما استغلّت الحكومات اللاحقة احتلال فرنسا في القرنين 19 و20 لعدّة دول لسرقة آثارها. وترفض الحكومات الفرنسيّة المتعاقبة إلى اليوم إعادة أي قطعة استولت عليها دولتهم إلى موطنها الأصلي. يحتوي المتحف اليوم على أكثر من 550 ألف قطعة نفيسة منها أكثر من 225 ألف قطعة فنّية لا يعرض منها الّا 38 ألف عمل. ويبلغ مساحة المعرض 210000م² منها 60000م² مخصّص للعرض. ويزوره سنويّا قرابة 10 مليون زائر.
ويسجّل في إيرادات بأكثر من 400 مليون أورو سنويّا. ويضمّ اللوفر أكبر مجموعة من الفنون الإسلامية، لم يعرض منها سوى ألف وثلاثمائة قطعة فقط، على الرغم من امتلاك اللوفر لأكثر من عشرة آلاف قطعة. ويعتبر قسم الفنون الاسلاميّة من أهم أجنحة المعرض. وقد تمّ الاستيلاء على أغلبها في فترة الحملات الاستعماريّة الفرنسيّة.
ومن المنتظر أن يفتتح اللوفر آخر سنة 2017 في أبو ظبي عاصمة الإمارات العربيّة المتحدة، أوّل فرع له خارج فرنسا، والذي جاء ثمرة اتفاقية بين حكومتي الإمارات وفرنسا في العام 2007. وهو أول متحف عالمي في العالم العربي. إذ سيتمّ عرض أهم مقتنيات اللوفر الباريسي في لوفر أبوظبي مدّة 30 سنة مقابل حصول فرنسا على 1,3 مليار دولار. وقد عارض العديد من المثقفين الفرنسيّين هذا المشروع، ورأوا أن حكومتهم تفرّط في الارث الحضاري وتهدّد الثقافة الفرنسيّة بتحويلها إلى مادّة استهلاكيّة. الّا أن الحكومة وإدارة المتحف برّرا هذا المشروع بأن المتحف عالمي ويجب أن ينفتح بالتالي على العالم، وأنه فرصة لنشر الثقافة الفرنسيّة في الجزيرة العربيّة، وأن المبلغ يعتبر محترما خصوصا أن أهم التحف والأعمال لن يتمّ عرضها في أبوظبي. كما عارض بعض المثقفين العرب هذا المشروع معتبرين أن الإمارات تدفع بالمال احتلالها وغزوها ثقافيّا، في حين بررت الحكومة الاماراتيّة استثمارها باعتبار أن هذا المشروع هو تطور هام جدا لكي تصبح أبو ظبي مكاناً عالمياً يعمل "كجسر يربط بين الثقافات".
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 146298