الصنم والحريّة

في مثل هذا اليوم 5 أوت 1884 وضع حجر الأساس لتمثال الحريّة في نيويورك.
"الحرّية المضيئة للعالم" هو الاسم الرسمي للتمثال الشهير في نيويورك باسم تمثال الحرّية. كان صاحب الفكرة الأولى لإنشاء التمثال هو المؤرّخ ادوارد لابولاي الذي أقنع الحكومة الفرنسيّة عام 1865 بفكرة اهداء الولايات المتحدة الأمريكيّة رمزا للصداقة بين البلدين في الذكرى المئويّة الأولى لاستقلال أمريكا في 4 جويلية 1876، خصوصا أن فرنسا كانت قد شاركت الثوّار الأمريكيّين في حرب استقلالهم بقيادة لافايات. لكنّ الفكرة كانت ولدت قبل ذلك لمّا زار المصمّم فريديريك باتوردي مصر وشاهد التماثيل الفرعونيّة الشاهقة، فاقترح على الخديوي إسماعيل باشا حاكم مصر انشاء تمثال ضخم على شكل امرأة فلّاحة تحمل مشعلا يكون بمثابة منارة في مدينة بور سعيد في مدخل قناة السويس التي كانت في مراحلها الأخير. الّا أن الخديوي تخلّى عن الفكرة نظرا لتكلفتها الباهضة.
بعد مقتل ابراهام لينكولن في 15 أفريل 1865 والذي كان يعمل على إلغاء العبوديّة في أمريكا، أعاد المؤرّخ لابولاي (الذي كان يشجّع على حريّة العبيد) إحياء الفكرة لدى المهندس باتوردي، واستطاع جمع 250 ألف دولار مقسّمة بين فرنسا وأمريكا (أكثر من 5 مليون دولار في العصر الحالي). وانطلق باتوردي العمل سنة 1870، وكلّف المهندس غوستاف إيفل ببنائه (وهو الذي بنى برج ايفل في باريس سنة 1889). كان التصميم مستوحى من تمثال رودس الاغريقي. الذي كان يعتبر احدى عجائب الدنيا السبع، والذي بلغ طوله 30م، وكان يمسك في يده شعلة ليرشد السفن الداخلة إلى الميناء. ومن ليبرتاس اله الحرية في روما.
تمّ الاختيار على جزيرة صغيرة في مدخل مانهاتن أصبحت تعرف بجزيرة الحرّية لاحتضان التمثال، الذي بدأ العمل عليه في فرنسا. وكان من المقرّر أن يتمّ تنصيبه في 4 جويلية 1876، لكنّ تكلفته الباهظة من جهة وتعقيدات عمله جعله يتأخّر كثيرا. تمّ الانتهاء من بنائه في فرنسا في جويلية 1884، فانطلقت نيويورك في الاستعداد لاستقباله في انتظار تفكيكه إلى قصع صغيرة وشحنه عبر المحيط الأطلسي. وفي مثل هذا اليوم 5 أوت 1884 تمّ وضع حجر الأساس لقاعدة تمثال الحريّة. بلغ طول القاعدة 46 م. وصلت السفينة في جوان 1885 وبدأ تركيب التمثال. وفي يوم 28 أكتوبر 1886 تمّ رسميّا افتتاح التمثال.
البناء هو عبارة على تمثال أجوف على شكل امرأة (كما كان مقترحا في مصر) واقفة تلبس رداء فضفاضا على رأسها تاج من 7 أشعّة رمزا الى القارّات السبع (افريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكيّتان وأقينوسيا والأنترتيك) في شكل يشبه الشمس. ضامّة الى جسدها في يدها اليسرى لوحا يرمز للقوانين والحقوق محفر عليه تاريخ استقلال الولايات المتحدة ورافعة في يدها اليمنى شعلة رمزا للأنوار (ويقال إنها رمز للماسونيّة). أمّا في قدميها فتوجد أغلال مقطوعة رمزا للحريّة. ويحيط بالتمثال ككل حائط ذو شكل نجمي (نجمة ذات 10 رؤوس)، وقد تم بناؤه في عام 1812 كجزء من حصن وود والذي استخدم للدفاع عن مدينة نيويورك أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865). يتوجّه التمثال الى المحيط الأطلسي وتحديدا أوروبا ليرمز الى اشعاع أمريكا عليه! بالإضافة إلى كونه معلما هاما جدا في مدينة نيويورك، أصبح تمثال الحرية رمزا للولايات المتحدة ككل، التي تستغلّه لترويج صورتها وتسويقها على أنها منبعا لمبادئ الحريّة ومدافعة لها في العالم ضدّ القمع والاستبداد، واتخذت من هذه الشعارات لاحقا ذريعة لحروبها وغزوها للدول بداعي تصدير الحريّة. كان التمثال أوّل ما يشاهده ملايين المهاجرين في أمريكا بعد رحلة طويلة عبر المحيط الأطلسي هربا من بلدانهم، ممّا عمّق من فكرة أن أمريكا مصدر الحريّة. وقد تمّ ضمّه سنة 1984 الى قائمة التراث العالمي.
يبلغ طول التمثال وحده 46 م ممّا يجعل طوله الجملي 92,9 م. ويزن 125 طنا، وقد صنع من الفولاذ والخرسانة مطلي بالنحاس. يزوره سنويّا قرابة 3 مليون سائح. تمّ اغلاقه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، وأعيد افتتاحه بعد سنتين بإجراءات أمنيّة مشدّدة. ثمّ أعيد إغلاقه سنة 2012 اثر اعصار ساندي ليعاد افتتاحه سنة 2013.
في عام 2011 حينما شاع سؤال إلى ماذا يرمز تمثال الحرية، ردت الحاكمة السابقة لـألاسكا و"المرشحة السابق لرئاسة أمريكا" سارة بالين قائلة “بالطبع هو رمز لتذكر الدول الأخرى الأمريكيين أنه مهدى لنا من الفرنسيين. ولتحذيرنا ألا نرتكب أبدًا الأخطاء التي وقعت فيها بعض تلك الدول”. ولسوء الحظ إجابة سارة بالين كانت خاطئة بالكامل حيث أنها قالت عكس ما ترمز إليه سيدة الحرية، ومثل بالين العديد من الأمريكان وخاصة المسؤولين لا يعرفون أن تمثال الحرية له صلة بالتحرر من العبودية. وهو السر الحقيقي لوجود سلسلة مكسورة كبيرة تحت قدم سيدة الحرية وهي عادة غير مرئية للسياح لأنها تحت الرداء من القدم اليسرى للتمثال، ويمكن مشاهدتها فقط من أعلى.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 146116