قانون المصالحة الاقتصادية.. خفايا اصرار السبسي

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/sebssi2015720.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

ماذا يريد الرئيس التونسي السبسي من إعادة طرحه مشروع قانون المصالحة الاقتصادية من جديد بعدما تسبب فيه من فوضى سياسية في البلاد السنة المنقضية؟

وماذا يريد وقد أصدرت "لجنة البندقية"، أعلى لجنة دولية متخصصة في الانتقال الديمقراطي، رأيا قانونيا بتاريخ 24 اكتوبر 2015 بعدم ملاءمة النص المطروح مع الدستور؟ وماذا يريد وهو العارف بأنه سيعمّق الشرخ الإجتماعي ويرسّخ التطاحن السياسي من جديد البلد في غنى عنه؟ ماذا يريد بالضبط والمنحى الذي ينتهجه قد يقود الى فوضى اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية قد تزيد في إرباك الوضع الأمني وقد تفسح المجال لاستغلالها سلييا؟ وإلى ما يرنو وهو يعلم في كل الحالات أن مشروع القانون حتى وإن صادق عليه المجلس فستسقطه هيئة مراقبة دستورية القوانين؟




أحيانا أشكّ أن السبسي، أمام الفراغ القاتل للرئاسة والفشل الواضح لمشاريعها وخاصة اتضاح المصلحة العائلية لكل نشاط، تمسّك بهذا المشروع لشغل الناس ولخلق "شقشقة" فارغة تثبت أو بالأحرى "تفرض" وجوده رغم أنف الاخرين في غياب أي منجز حقيقي، والأمر من مأتاه لا يستغرب اذ الرجل يتكالب على البروز في الساحة ولا يقبل الظلال القاتلة لروحه المتنطعة، ولكني أعود وأستدرك إن كان يوجد إلتزام داخلي أو خضوع خارجي أو مصلحة مباشرة في الصدد، فالسياسة عند الرجل حسابات قبل كل شيء: إلتزام مع أحد الأطراف المعنية من ممولي حملته وحملة حزبه (رجال الأعمال الفاسدين، المعنيين بمخالفات الصرف، الاداريين الذين يشملهم القانون المقترح)، أو خضوع لإملاءات خارجية تفرض هكذا تشريع لحماية شبكاتها الداخلية، أو مصلحة مباشرة باعتباره شخصيا معنيا بقضية فساد مالي منشورة أمام القضاء.

تصميم على المشروع.. وشبهات متعددة

السبسي فعل كل شيء من أجل تمرير مشروع القانون المثير للجدل، ويبرز ذلك من خلال تصميمه إذ لو كان التشريع بيده لفرضه بكل طريقة؛ فلم يلبث أن تم غض النظر عنه لأشهر عديدة قبل أن يعود على جدول أعمال المجلس النيابي عبر رئيسه محمد الناصر الأداة "التنفيذية" الفعّالة في المجلس لفائدة قرطاج، وقبل ذلك خرج مقدما مجموعة من أسماء قانونيين وصفهم بـ"الخبراء في القانون" ادعى انهم يعتبرون القانون دستوريا ولا يتعارض مع العدالة الانتقالية وذكر العميد الصادق بلعيد والعميد عياض بن عاشور ووزير الدفاع الحرشاني والاساتذة غازي الغرايري وسليم اللغماني وأمين محفوظ (لم يعلقوا جميعهم سوى واحد فقط)، مقللا من شأن معارضي مشروع القانون معتبرا خلفيتهم "سياسة" مختزلا إياهم في الأستاذ قيس سعيّد.

الشبهة الكبرى التي التصقت بمشروع القانون منذ طرحه هو خدمته لرموز الفساد المالي والاداري، واتهام السبسي بالحصول على مقابل سياسي سابق أو/ و حالي أو/ و مستقبلي (تمويل مباشر أو دعم سياسي.. ) طرح بقوة، إذ لا يمكن أن يكون هذا التصميم وهذا الاصرار دون مقابل هام، أما الشبهة الثانية فهي غير منفصلة عن الأولى وتعلقت بوجود تصفية حسابات مع هيئة الحقيقة والكرامة ومع رئيستها سهام بن سدرين من أجل التشويش عليها وربما افشالها خدمة للأطراف المستفادة من المصالحة التي يطرحها مشروع القانون، والنص الذي أرسل بتاريخ 16 جويلية 2015 إلى مجلس نواب الشعب كان رديئا مختلا غاية في الإرتجال شكلا ومضمونا ما يزيد الشكوك حول الظروف التي أحاطت بطرحه.

اصرار دون نتيجة.. ونقد قاس من العميد بلعيد

الإصرار في البداية كان قويا جدا، والسبسي طرح تحديا ثلاثيا تراجع تقريبا فيه بكل مكوناته، غير انه بقي متمسكا بتمرير المشروع حتى ولو في صيغة مختلفة: الأول تعلّق بعدم التعديل على الاطراف المعنية بالمصالحة ولا بطبيعة ومكونات وطريقة التعيين وصلاحيات "لجنة المصالحة"، والثاني متعلق بالسرعة في المصادقة، أما الثالث فارتبط برفضه استعمال الشارع للضغط الذي ترجم برفض تحرك المعارضة في "المسيرة الوطنية" التي برمجت يوم 12 سبتمبر 2015 قبل أن ترضخ الداخلية بعد أن ادعت وجود تهديدات إرهابية في البداية، وتراجع السبسي في النقطة الأولى بقبوله تعديلات على النص الأصلي وعرض نص معدل جديد مختلف عن الأول، وتراجع في النقطة الثانية بتجاوز المشروع العام على تقديمه لمجلس نواب الشعب، ولم يقدر في الثالثة على قمع المعارضة التي تحدته وأقامت تحركها ولم تخش التهديد، ومع ذلك استمر في التمسك بما "بقي" من مشروعه.

العميد الصادق بلعيد أحد أهم الركائز التي اعتمد عليها صاحب مبادرة المشروع "خذله" أمام لجنة التشريع هذا الأسبوع بقدحه في النص المقدم وقال فيه "ما لم يقله مالك في الخمرة"، منتقدا إياه بقسوة بالغة داعيا الى رفض والتخلي الواضح على النسخة الأولى وحتى المعدلة، معتبرا ان مشروع القانون يخدم "منظومة العهد البائد" وان من كتبه "بوجادي" (اي فاقد للخبرة)، منتهيا إلى إعادة صياغة مشروع جديد، ويبدو أن بلعيد تجاوز حالة "الخجل" التي وضعه فيها السبسي وثأر لمركزه العلمي خاصة بعد التداعيات العميقة التي أحدثها راي لجنة البندقية في مشروع القانون وآخذا بعين الاعتبار التحول داخل هندسة الكتل البرلمانية، إذ تشكّل كتلة برلمانية جديدة منشقة عن النداء (كتلة الحرة لحزب محسن مرزوق) سيسمح بسهولة حصول العدد اللازم (30 ) للطعن في دستورية مشروع القانون الذي ظهرت إخلالاته الدستورية بجلاء.

التشابك الدولي-الوطني.. ومحاذير الانهيار

لا نريد التركيز الحقيقة على المعطى الخارجي ولا يمكن أن نجزم بوجود تدخل دولي فرض على السبسي تقديم المشروع المذكور، ولكن ان الثابت والمعتاد وجود مثل هكذا تدخلات سواء من الدول أو الكارتلات الدولية أو الصناديق والبنوك المالية على غرار صندوق النقد الدولي في إطار إملاءات مفروضة، والإرتباط بين هذه القوى وشبكات الفساد الداخلية معلوم، والأمر يصل الى وجود مصالح مباشرة لهذه القوى النافذة عبر شكات الفساد الداخلية التي يسعى السبسي بكل قواه اليوم لرفع الادانات القضائية عنها، واليوم الأمر تجاوز شبكات الفساد إلى رموز في السلطة الى جانب السبسي ذاته منهم نواب ووزراء معنيين بملاحقات قضائية يشملها مشروع القانون.

الإصرار الشديد للسبسي بتمسكه بمشروع القانون هو ما جعلنا نغوص في الخلفيات، خاصة بعد كل ما أحدثه القانون من شروخ في المجتمع تتناقض ودور الرئيس الدستوري في تحقيق الوحدة الوطنية، وما أحدثه أيضا من تناحر وتطاحن سياسي عميق لن يكون بحال خالقا لبيئة ملائمة لجلب الاستثمار أو إستعادة الثقة المطلوبة في مؤسسات الدولة أو إعادة الحيوية للاقتصاد الوطني، الأسباب التي عرضها السبسي لتبرير طرح مشروعه، وهذا الخيار المشحون المعتمد على "المرور بقوة" سيؤدي بالأحرى إلى الإنهيار، ورفع شعار تحقيق "المصلحة الوطنية" وإشهار وإتهام المناوئين بخلق "الفتنة" لن يتستر عن إخلالات المشروع فضلا عن أنه لن يثني المعارضين عن المضي إلى النهاية في معارضتهم.

أهداف عكسية.. ومجتمع مدني مناهض

المصالحة هي منتهى أو بالأحرى مَرسى العدالة الانتقالية، ولا يمكن أن تكون قسرية مفروضة لأنها تتطلب الرضى والقبول من كل الأطراف، بل قبولا واسعا خاصة من قوى المجتمع المدني التي ترفض بقوة اليوم المشروع المقدم بما فيها إتحاد الشغل ورابطة حقوق الانسان ونقابة الصحفيين و"بوصلة" و"انا يقظ" والجمعيات المعنية بالعدالة الإنتقالية وحتى المنظمات الحقوقية الدولية منها "هيومن رايتس ووتش" و"المركز الدولي للعدالة الانتقالية" و"محامون بلا حدود"، وهذا فضلا عن ضرورة موافقة بل ومشاركة هيئة الحقيقة والكرامة في صياغة أي مشرع قانون في الصدد في المنطلق، حتى لا ينشأ مسارا مضادا أو حتى موازيا يفرغ مسار العدالة الانتقالية من مضامينه ووظائفه وهو ما أكدت عليه لجنة البندقية في خلاصة تقريرها.

مشروع القانون في المحصلة وفق "فلسفته" الحالية سيعزز كل الغايات المجهضة للعدالة الانتقالية وبالتالي لن يحقق المصالحة، فهو سيقود إلى تحصين الفساد عبر التغاضي عن الجرائم في الصدد، وسيشرع للافلات من العقاب بعدم المحاسبة، وسيقود إلى تبييض الفاسدين عبر العفو المطروح، وسيزيد في انتشار الفساد والمحسوبية عبر لجنة مصالحة معينة اداريا غير مستقلة لا ضمانات على عدم خضوعها للأوامر السياسية او المطامع المالية، وسيضر بخزينة الدولة وعدم استرجاع الأموال المنهوبة عبر التسامح، ولن يحقق في النهاية كشف الحقيقة الحق الأصلي للشعب للوصول إلى تفكيك منظومة الفساد ولن يفضي إلى إصلاح وهيكلة المؤسسات للانتقال للديمقراطية وتكريس علوية القانون والعدالة المفضين للاستقرار الضروري لتحقيق التنمية.

ولا ندري الحقيقة إن كانت كل هذه الاعتبارات لا تهم رئيس الجمهورية المحمول عليه واجب عدم خرق الدستور وملزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية في كل مجالاتها ومراحلها وتحقيق مصالحة حقيقية غير مغشوشة تقود للقطع مع منظومة الفساد والدكتاتورية نهائيا، ويبدو على الأغلب أن بقية الاعتبارات الاخرى هي التي تحركه وتحدد خياراته، دون أن أنفي في جانب ضعيف فرضية "التحدي" الشخصي الأجوف الذي يمثل مكونا عضويا في تركيبة الرجل السيكولوجية!!

(*) قانوني وناشط حقوقي



Comments


14 de 14 commentaires pour l'article 128878

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 17:46           
السبسي يحاول إنجاز إنقلاب ناعم دون عسكر لإعادة عملقة الفساد والفاسدين الذين قزمتهم الثورة وهو أسير الفترة البورقيبية ويرفض الإعتراف بأن هذا الجيل غير ذاك الجيل الذي هرم من أجل هذه اللحظة التاريخية

Rafik  (France)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 17:27           
Essebsi c'est le symbole même de la corruption : il a travaillé avec bourguiba et ben ali :2 périodes connues de corruption totale et d'une utilisation des ressources de l'état , dans une opacité totale, au bénéfice du parti unique, de son président , de toute sa famille et tous les parasites qui gravitaient autour, essebsi a profité du système pleinement et connait comment gérer , profiter et s'en sortir. après la révolution, une majorité
du peuple tunisien ne sait pas jusqu'à aujourd'hui, qui c'est qui l'a fait venir et qui l'a imposé. n'oublions pas à la fin les 650 millions de millimes pour le retour de la statue bourguiba à tunis, 5 milliards de millimes pour des soi disant travaux au palais présidentiel de hammamet, les voyages au canada lors de l'inauguration du vol tunis-montréal, à nice en france et en suisse pour la foire du livre de ses proches collaborateurs et
des soi disants responsables et journalistes , mais au fait qui sont des nouveaux parasites qui gravitent autour du clan essebsi et qui profitent au vu de tous les tunisiens de cette corruption et de l'argent public

Hassine Hamza  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 16:58           
وما لم يقف لتونس رجال ونساء أحرار فسيعيدون الكرة
تحية للاخ سيمباد
::::::::::
الرجال , عليهم العمل على كشف الحقائق
أملنا أن ترتفع درجة الوعي لدى المواطن
ويتلاشى منسوب الغفلة وتتلاقى المنظمات السياسية والمدنية
حول المصلحة الوطنية الحقيقية
كما حصل في تركيا

TheMirror  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 16:48           
العنوان الصحيح

قانون المصالحة الاقتصادية.. خفايا اصرار السبسي و الغنوشي

Radhiradhouan  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 14:13           
المصالحة مع الفاسدين مشاركة في الجريمة
وهذا هوالفساد بعينه

Sinbad  (Qatar)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 13:21           
رجل فاسد دعمه الفاسدين وانتخبه الفاسدات والفاسدين الخائفين من دينهم لأنه يضع قيود صارمة على انحرافاتهم الأخلاقية والنتيجة تسليم البلاد للمافيات تعبث بها بسبب ضعف إيمان إمرأة خائفة من ستر نفسها أو تعيش في وهم أن يتزوج عليها زوجها إمرأة أخرى وضعف رجل مصاحب على زوجته في الحرام وخايف لا يفكولو حكة السلتيا ولا ننسى ألاف الإداريين ممن يخشون المحاسبة على الرشو والفساد واستغلال النفوذ
هؤلاء انتخبوا الفاسدين وسلموا الوطن للمافيات وما لم يقف لتونس رجال ونساء أحرار فسيعيدون الكرة

Kamelwww  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 12:44           
مقال ممتاز.
أريد فقط أن أأكد أن الباجي وجماعته يدينون أكثر بالولاء لكل من مول حملتهم الإنتخابية من الداخل والخارج أكثر مما يدينون به لمن إنتخبهم. وهم لا يكترثون لمصالح الشعب ولا تهمهم إعادة الروح للإقتصاد. المهم لديهم هو الحفاظ على الحكم، فتراهم يستدينون ويورطون البلاد بقروض يصعب تسديدها. وكذلك هم ملتزمون إلتزاما كاملا بأوامر المسؤول الكبير الذي يسدي الأوامر ... من وراء البحار.

Abouamir Zayani  (France)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 11:43 | Par           
Bajbouj dégage point à la ligne

Hassine Hamza  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 11:38           
هذا كُلُّه من سوء تدبير ( أو تخوبيث ) حمّة ورفاقه
قطعوا الطريق متاع المرزوقي
وحلّوا اﻷوطوروت متاع الباجي
واليوم جايين يتظاهروا , مع أشكون؟
مع مانيش مسامح
ولكن مانستغربوش
الجبهة معروفة ماهياش قوية في الحساب
تحسبها الفُوق تطلع اللُّوطى
تحسبها حمراء تطلع كحلاء
والحمد لله

Nouri  (Switzerland)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 11:27           
هناك ثمن الصفقة، اغلب السياسيين مفهوم الساسة هي تجارة هنالك البيع والشراء
اعطيني نعطيك المصلحة قبل الكل

فلا ديمقراطية ولا دكتاتورية ولا ملوخية ولا حقوق الانسان ولا حيوان الكل عناوين من اجل المصالح

Belfahem  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 11:23           
هذا القانون لا يخدم مصلحة الشعب بقدر ما يخدم مصلحة فئة ضيقة المصادقة علية يعتبر تجاوزا لأرادة الشعب وحقوقه التي أخذت منه سابقا على كل مسؤول أن يراعي هذه المصلحة ويعمل جاهدا على عدم التورط في تمريره- من هو اليوم في المسؤولية كان بألأمس من بين المظلومين وعليه ألأمر يتعلق بمصلحة أبنائه وأحفاده وعامة الشعب الذي سيذكره بخير عندما تسترد حقوقه

Oceanus  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 10:57           
Il ne faut pas penser ni ecrire beaucoup.c est pour proteger les voleurs nommes hommes d affaires.

Bismarck75  (Germany)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 10:55           
القانون الي حارص عليه في مصلحتو ومصلحت المتورطين معاه

Mostapha Sg  (Tunisia)  |Mercredi 27 Juillet 2016 à 10:50           
هدا الرجل نشا وترععرع في منضومة الحزب الدستوري مادا يترقب منه الشعب ماعدا مساعدة الفاسدين


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female