اغتيال الأمنيين واغتيال العقل

<img src=http://www.babnet.net/images/9/mohamedhammar.jpg width=100 align=left border=0>


محمد الحمّار

بالتوازي مع اغتيال شهداء تونس في الشعانبي قبل بضعة أشهر وضباط الحرس في منطقة قبلاط قبل أسبوع واحد ومقتل ستة ضباط من الحرس الوطني بمنطقة سيدي بوزيد في يوم 23 أكتوبر الجاري والمشفوع بمصرع عون أمن بمدينة منزل بورقيبة في نفس اليوم، علاوة على اغتيال المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، العقل يُغتال كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة.

عقل المعلم والأستاذ وعقل الطبيب وعقل المصرفي وعقل الإعلامي وعقل السياسي وعقل الكاتب وعقل المواطن مهما كان تكوينه العلمي والثقافي ومهما كان انتماؤه السياسي يغتال على مرأى ومسمع من العالم كافة. وكأنّ تونس تم تسويغها لمدة غير محدودة زمنيا لجهةٍ أو لقوةٍ سريالية بِنِية أن تجرَّب فيها كل أصناف الحوادث وكل ألوان العذاب، المادي والمعنوي، التي من الممكن أن تصيب إنسانا.



قد يكون السبب الرئيس في عملية الاغتيال الكبرى، اغتيال العقل، هو العداوة الشديدة التي نشأت بين السلطة الحاكمة حاليا وكل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والفكريين والسياسيين. ففي مجال التعليم لم يعد المرء يسيطر على المناهج التي يُفرض تعليمها فرضا على الناشئة. وفي باب التدين ها هو مفتي الديار التونسية يخلط الحلو بالمرّ ويحمّل الزعيم بورقيبة أوزار الإرهاب. وفي المجال الصحي لا يكاد المواطن يصدق عودة الأوبئة التي استؤصلت قبل عقود خلت. وفي القطاع البنكي والمالي لا أحد يعلم علم اليقين ما الذي حدث للنظام المصرفي وإلى أيّ مدى سيقاوم الناس غلو المعيشة وتقهقر قيمة الدينار.
أما في الميدانَين الفكري والسياسي فالكارثة أعظم والمصاب جلل. و لا يحتاج المرء إلى دراسة معمقة ليميط اللثام عن عاهات الفكر والتفكير والسياسة وممارستها. فالقاعدة المشلة واضحة وجلية. يكفيك أن تقبل بأن يُغسل دماغك بمادة مذهبية ذائعة السيط على غرار الإسلامية أو الفرنكوفونية أو دين العلمانية حتى تتبدد كل قدراتك على التفكير المنطقي وما يتطلبه من مهارات مثل المعاينة والملاحظة والتحليل والنقد والدعم والاستنتاج والاستدلال والاستقراء والتأليف والتلخيص وغيرها فتلقى نفسك في الجهالة سابحا، عن المعلومة مفصولا وعن سياق الواقع معزولا وعن قواعد المناظرة والمناقشة والمفاوضة صائما.
لا يهم إن كان اغتيال العقل سابقا لاغتيال العباد أو إن كان العكس هو الأصح بل الذي لا شك فيه هو أنه بقدر ما يتم المساس بقداسة العقل ما يتولد الميل إلى تنفيذ العمليات الإرهابية، سواء كان ذاك ضد أمنيين أو عسكريين مباشرين لوظيفتهم الشريفة أم ضد سياسيين أم ضد مثقفين أم ضد مدنيين عزل.
إنّ تونس الجميلة، تونس التي كانت مبتسمة على مدار الساعة وفاتحة ذراعيها لضم كل أنماط الثقافة إلى صدرها أضحت معقلا للعنف والجريمة المنظمة وقلما يحلو فيها العيش. تونس التي كانت تضيّف الملايين من السياح سنويا صارت تطارد أهاليها الشبان جوا وبحرا لتُرسي بهم طائراتهم وقواربهم في بلاد الغربة.
مَن المسؤول عن كل هذا وإلى أين نحن ذاهبون؟ حزب النهضة أم الدولة العميقة أم الحكومة أم النخبة أم الشعب أم ماذا؟
مهما يكن من أمر ومهما كانت مسؤولية كل واحد من تلكم الأطراف يبقى الإنسان حمالا لأوزار أساسية لا تحمِلها لا المؤسسات ولا الأحزاب ولا الجمعيات. و هذا الإنسان في تونس اليوم يعرف وضعا مزريا وهو بالتالي بحاجة لمراجعة ذاتية قبل مراجعة السياسيين لطلباتهم وقبل صياغة برامج التنمية الاقتصادية والرقي الاجتماعي.
بالنهاية إنّ سلامة الأمنيين والناس أجمعين رهنٌ بسلامة العقل ومعافاته من كل أنواع التسلط الذاتي. وإذا استتب الأمن وحلّ الأمان حينئذ يبدأ البناء.




Comments


12 de 12 commentaires pour l'article 73505

Abraham  (Saudi Arabia)  |Dimanche 27 Octobre 2013 à 20:00           

الولاء للوطن و ليس للأحزاب :
نعم يمكن للإنسان ان يتحزب لان الاختلاف طبع البشر و لكن هل هذا هو الولاء للأحزاب الذي يمكن ان يتقبله العقل للتعايش بين المواطنين... هل استبدل التوانسة التعذيب البوليسي بتعذيب بعضهم لبعض من اجل الأحزاب ... و لذلك حذر الله عز و جل من الغلو في الدين فما بالك بالغلو في غير الدين ....انني أدعو التوانسة بكل فئاتهم و أدعو المسئولين عن أحزابهم الى سن قانون يجرم تعدي التونسي على التونسي بسبب اختلاف الولاءات الحزبية قانونا يماثل قانون الجزاءات المعمول به
بين مشجعي فرق الرياضة و ذلك لردع "المتنطعين" الذين تأخذهم الحمية الجاهلية الحزبية فيعلو في حب أحزابهم و يتخذونها ذريعة للتعدي على الناس و إظهار "البهيمية الحيوانية" التي عادة ما تكون مخبأة في من (يخاف و ما يختشيش) ... فلا مثال هؤلاء عملت القوانين بكل أنواعها و حتى المرورية منها و الا فلن يقف امثال هؤلاء في الإشارات المرورية اذا لم يكن هناك رجل مرور واقف بجانبها و لا يكون ذلك الا في البلدان المتخلفة لتخلف عقول الناس.... و الا فقد رأينا رأي
العين في بلدان متقدمة سائقي سيارات يقفون عند إشارات مرور عادة ما تكون الطريق فيها خالية من اي سيارة طوال الوقت و لا يتحركون الا عندما تنقلب الإشارة خضراء... و كذلك رأينا مواطنين "يضحكون" عن أسئلتنا الى حزب تنتمي و يردون بكل هدوء و اطمئنان انهم في الانتخابات الماضية اختاروا الحزب الحاكم الان و انهم هذه المرة سيغيرون تصويتهم لان "حزبهم هو من يقدم خدمات اكثر و أحسن للشعب"... حتى نصل تلك المرحلة من التقدم العقلي و الفكري يجب فعلا سن القانون الذي
تحدثت عنه...
ابراهيم ميساوي

Dalii  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 17:22           

@ tunisia

أحسنت الرد


MoradAlamdar  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 12:46           
إن أقررنا بإغتيال العقل في بلدنا فذالك نتيجة ديكتاتورية مقيتة أسسها بورقيبة و دعمها بن علي و يستميت في إحيائها اليوم من نصبوا أنفسهم نخب و مضوا في محاربة كل من يخالفهم الرأي. و كالعادة يوحي لنا هذا السيد أن كل مشاكلنا سببها الحكومة رغم إعتماده أسلوبا خبيثا يريد من خلاله أن يوهم القراء بحياده و موضوعيته

Mezlini  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 11:36           
كمثل الحمار يحمل اسفارا

Nopasaran  (France)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 09:30           
Moi qui vie à l'étranger depuis plusieurs années j'ai l'impression d'être plus au courant de ceux qui agitent les ficelles derrière le rideau que l'auteur de cet article.
Mais ce n'est pas grave l'essentiel qu'une grande majorité des tunisiens sait qui est qui, et, qui fait quoi. Les prochaines élections feront le tri, le reste n'est qu'une gymnastique mentale.

MOUSALIM  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 08:26           
@Swigiill

Swigiill  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 07:09           

ما شاء الله

الاصدقاء الي علقوا قبلي لهم من الثقافة و الدراية ما يثلج الصدر، حقيقة انتم فخر هذه البلاد لكشف الحقيقة لعامة الشعب

بمثلكم لن يتمكنوا من استبلاهنا و نحن دائما كاشفوهم و الاعيبهم الشيطانية هؤلاء الناس - القدم برشا -

Swigiill  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 07:04           
@ MUSALIM

حبيت نصوتلك مرتين بابنات ما حبتش!


MOUSALIM  (Tunisia)  |Samedi 26 Octobre 2013 à 06:19           
فعلا هناك إغتيال ممنهج للعقل لكنه متبادل بين اليمين واليسار المتطرفين ومقال الكاتب نموذج لذلك فهو يمنع مفتي الجمهورية من التعبير عن رأيه ويحبذ قطع لسانه من لغاليغو .سيتحرر العقل متى اختفت مثل هكذا كتابات لتعوضها كلمات تدعو للتسامح والقبول بالرأي المخالف دون إقصاء ونمنح الفرصة لشعبنا للتعبير الحر عن آرائه وأفكاره لتكون تونس الجديدة لكل التونسيين الأحرار ....

Dagbaji  (Tunisia)  |Vendredi 25 Octobre 2013 à 23:23           
بالله برى ثقف روحك يا سي حمار ظاهر ما قمتش بواجب الخدمة الوطنية ودبرت إعفاء وهذا اكبر دليل على وطنيتك
اللي استشهدوا في قبلاط ضباط صف
اللي استشهدوا في بن عون ضابطين (نقيب وملتزم اول) وضباط صف
الي استشهد في منزل بورقيبة ضابط صف

اللي قال للرؤساء الثلاث ديقاج من الحماية المدنية عريف يعني ضابط صف يعني اذا انت أستاذ جامعي كاينوا معلم قالك روح ما تقريش في الجامعة

وعلى فكرة النقابات الأمنية الكلها ضباط صف يعني كبن علي من غير باك ويحبوا يفرضوا رأيهم على الضباط القادة والسامون والضباط الأعوان

شوفت اللي حتى انت تتكلم على حاجات ما تعرفه اش عملت كيما ألفة يوسف تفتي في العلاقة بين الزلزال وغاز الشيست

RCDSniper  (Germany)  |Vendredi 25 Octobre 2013 à 23:22 | Par           
الثورة يرحم عمي اﻹنقلاب بدأ يتركز بقوة والشعب نائم في العسل
مرجان السبسي وجغام هم من سيشرفون على تركيز الحكومة اﻹنقلابية. يا شعب سوف تدفع الفاتورة غالية وسوف تسيل دمائك مرة أخرى .الخراب عم البلاد وستعم الفوضى العارمة. التجمع دخل من الباب الواسع وبكل إحترام. لننسا محاسبة القتلة والسراق وسوف يعود بن علي معزز مكرم.

Tunisia  (France)  |Vendredi 25 Octobre 2013 à 23:07           
أول من إستعمل مصطلح إرهاب سلفي وتطرف ديني بعد الثورة هو بيان الداخلية في قضية مقتل القس البولوني بتاريخ فيفري 2011 ...

أول من نطق بمصطلح (حمام الدم ) شخص تجمعي في إعتصام القبة وهو يدافع عن حكومة محمد الغنوشي في فيفري 2011 ...

أول ملف تلفزي حول الحرب الاهلية والسيناريو الجزائري قامت به قناة نسمة قبل بداية الاغتيالات بأشهر ....

أول من تحدث عن إنتشار السلاح في تونس وعن جماعات مسلحة تتدرب في الجبال هي النقابات الأمنية...

من لم يفهم هذه الأوليات لا يستطيع الربط بين الخيوط فلن يفهم أبدا ما يحدث هذه الايام .


babnet
*.*.*
All Radio in One