ما وراء حدث إقصاء لبيض من التلفزيون الأسود

بقلم عبد الرزاق قيراط
في الحصّة الأخيرة من برنامج ما وراء الحدث على القناة الثانية، لم يكن الحدث هو بيان قايد السبسي كما أريد له، بل استبعاد أحد الضيوف و هو الدكتور سالم لبيض. والأمر ليس مستغربا من التلفزة الوطنيّة التي نجحت في إقصاء الحكومة وزراءها و رئيس الجمهوريّة والفائزين في الانتخابات عموما والمتعاطفين معهم، و برّرت كلّ ذلك بخطّها التحريريّ الجديد الذي لخّصته في شعار "القرب من المواطن" و لعلّنا نضيف تصحيحا و توضيحا "القرب من المواطن .. و من المعارضة"، وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

في الحصّة الأخيرة من برنامج ما وراء الحدث على القناة الثانية، لم يكن الحدث هو بيان قايد السبسي كما أريد له، بل استبعاد أحد الضيوف و هو الدكتور سالم لبيض. والأمر ليس مستغربا من التلفزة الوطنيّة التي نجحت في إقصاء الحكومة وزراءها و رئيس الجمهوريّة والفائزين في الانتخابات عموما والمتعاطفين معهم، و برّرت كلّ ذلك بخطّها التحريريّ الجديد الذي لخّصته في شعار "القرب من المواطن" و لعلّنا نضيف تصحيحا و توضيحا "القرب من المواطن .. و من المعارضة"، وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

في اليوم التالي، كثرت التخمينات حول الأسباب الحقيقيّة لاستبعاد الضيف من برنامج ما وراء الحدث وهذا يصلح موضوعا للحلقة القادمة من ذلك البرنامج على أن يكون الضيف الرئيسيّ هذه المرّة هو سالم لبيض و معه المسئول التقني في القناة الوطنيّة الثانية ورئيسة القناة أو صاحبتها - على ما يبدو- دون أن ننسى المحلّل السياسي الحصريّ لكلّ الأحداث و الأخبار الذي عرفتم اسمه قبل أن أنهي جملتي، فلا داعي لذكره إذن فقد هرمنا من وجوده في كلّ مكان وزمان.
و سواء أشارت التخمينات إلى سي الباجي بكونه مارس الضغوط المذكورة، أو الصحفي بن تيشة الذي قد يكون نسّق مع مقدّم البرنامج في ذلك الاتجاه. فإنّ ما حصل وضع التلفزيون التونسيّ في ورطة مدوّية تثبت خضوعه للتجاذبات السياسيّة التي تخدم أطرافا على حساب أخرى. وكان ذلك كافيا ليربك سير الحصّة الحواريّة حين كشف السيّد رياض الشعيبي أمر الاستبعاد و ما يعنيه من سياسات إقصائيّة في فضاء إعلاميّ عموميّ يزعم أنّه منبر للرأي و الرأي الآخر في تونس ما بعد الثورة.
و قد حاول مقدّم البرنامج رفع الحرج الذي شعر به فقدّم تبريرا يجانب المنطق حين فسّر الأمر بالصعوبات التقنيّة بل أكّد أنّ الأمر قرار سياديّ من القائمين على مؤسّسة التلفزيون التونسيّ و كأنّه يتحدّث عن حقّ الفيتو. و أزعجت تلك الحالة المربكة الضيف الرئيسيّ فقال نجم السهرة سي الباجي:" أنا نحب نروّح!" و علّق على مسألة الضيوف بأنّه دعي في البداية لوحده ثمّ فوجئ بالعدد الكبير من المدعوّين الذين جاؤوا ليشاركوه الأضواء و ربّما ليناصبوه العداء، ما يعني أنّ سي الباجي قد لا يحتمل الكثير من الأصوات التي ستنتقده و لعلّه قايض حضوره بالتقليص من عدد المعارضين لبيانه.
قايد السبسي الصانع الثاني للتغيير... ينهى عن المنكر و يأتيه
رسالة الحقوقية سهام بن سدرين إلى الوزير الأول الباجي قايد السبسي
رسالة الحقوقية سهام بن سدرين إلى الوزير الأول الباجي قايد السبسي
و على أيّة حال جاء سي الباجي ليحدّثنا مرّة أخرى عن مبادرته التاريخيّة، و قال إنّ بيانه الذي لم يُفهم جاء تعاطفا مع الوزير الأوّل حمادي الجبالي عندما عبّر عن انشغاله من الوضع المتدهور الذي تشهده البلاد!
السيّد بن تيشة الذي نسّق مع معز الخضراوي قبل البرناج واصل التنسيق أثناء البرنامج و سمح لنفسه بإعطاء دروس على الهواء للمنشّط الذي طرح عليه سؤالا اعتبره خارجا عن الموضوع الرئيسيّ و هو السؤال المتّصل بتقييم الفترة التي قضاها قايد السبسي في السلطة، إلاّ أنّ الخضراوي دافع عن سؤاله في رفض واضح لتلقّي الدروس من زميله ولكنّه لم يفلح في مواجهة التعليقات الجانبيّة الموجعة التي جاءته من قايد السبسي و منها قوله ساخرا: "ارجع للمكتب" أي أنّك مازلت صغيرا تحتاج للتعلّم!
واللافت أنّ سي الباجي لم يشف غليله و لم يستطع الحديث بأريحيّة لأنّ معدّ البرنامج و مقدّمه كان مطالبا بتوزيع الكلمة على الضيوف الأربعة ما جعل مداخلاتهم لا تخرج في مجملها عن المجاملات الموجّهة إلى الضيف في شكل دعاية حزبيّة واضحة من طرف نجيب الشابّي و تحليل بنيويّ سطحيّ من طرف بن تيشة و ملاحظات محتشمة لأحمد بلغيث، أمّا ممثّل النهضة الذي انتقد البيان و عارض الإطار الإعلاميّ الذي روّج له فقد أربك مرّة أخرى سير المحاورة حين أحرج بن تيشة و اتهمه بأنّه دعا علنا إلى الاعتصامات على موجات إذاعة موزاييك التي توفّر له منبرا قارّا للتحليل والتعليل، و تمسّك بذلك الاتهام مبديا استعداده لمواجهة خصمه بالتسجيل الصوتيّ، الأمر الذي أثار غضبا واضحا لدى بن تيشة فنفى التهمة بلهجة مضطربة و لكنّها لا تخلو من التحذير. و قد شوّشت تلك المواجهة مجدّدا على موضوع النقاش ما يوحي أنّ البيان التاريخي لقايد السبسي قد تجاوزته الأحداث حقّا بما في ذلك البرنامج الذي يتحدّث عنه.
و قد يكون من الأفضل حفظ ذلك "البيان الحدث" و ما وراءه و ما أمامه في علبة صغيرة للأرشيف تتّسع له.
و الخلاصة أنّ برنامج ما وراء الحدث كشف لنا هذه المرّة عيّنة بسيطة ممّا يحاك وراء الكواليس، و لكنّها كافية لتأكيد ما يعيشه إعلامنا العموميّ من أزمة أخلاقيّة نجحت إلى الآن في تعطيل الإصلاح الذي يطالب به الإعلاميّون أنفسهم، إصلاح لا يتحقّق إلاّ بتطهير التلفزة الوطنيّة من الاستئصاليّين الذين مازالوا واقفين على أطلال زعيمهم الراحل فمتى يرحلون؟
رياض الشعيبي يستهجن استبعاد د سالم لبيض
Comments
74 de 74 commentaires pour l'article 45497