بأيّ لغة ستتكلّم الحكومة في تونس؟

بين لغة الاعتصامات و الاحتجاجات التي تنتشر في أوساط واسعة من القطاع الاقتصادي و لغة الحكومة التي تدعو إلى هدنة اجتماعيّة و سياسيّة لمدّة 6 أشهر على الأقلّ، نراقب جدلا هو أشبه بحوار الصمّ و البكم تتخلّله معارك كلاميّة تعقب تصريحا لمسؤول أو صحفيّ. فيغضب أعوان الأمن لأنّ الرئيس شكر الجيش و تجاهلهم أو نسيهم، و يغضب أهالي تلك المنطقة لأنّ تصريحا لم يعجبهم أو سخر منهم و يحتجّ صحفيّ على آخر لأنّه اعتبر الشعب غبيّا، ثمّ تتطوّر تلك الخلافات إلى حملات كلاميّة لا تخلو من بذاءة في مختلف المواقع الاجتماعيّة، ينقسم فيها التونسيّون إلى فريقين مهاجم مسعور و مدافع مقهور.
و كلّ هذه الأمثلة تدلّ على أزمة ثقة بين الأفراد و النخب و المؤسّسات، و تؤكّد أنّ لغة التخاطب فيما بيننا تحتاج إلى وقفة تأمّل و تحتاج إلى خبراء ينصحون الجميع بقواعد التواصل و فنونه.
و كلّ هذه الأمثلة تدلّ على أزمة ثقة بين الأفراد و النخب و المؤسّسات، و تؤكّد أنّ لغة التخاطب فيما بيننا تحتاج إلى وقفة تأمّل و تحتاج إلى خبراء ينصحون الجميع بقواعد التواصل و فنونه.
بدأ الجدل و التراشق بالتهم قبل تشكيل حكومة الجبالي حول أسماء من سيتولّى الحقائب، و كيفيّة توزيع المناصب بين الأحزاب الثلاثة المتحالفة و نصيب المستقلّين و أعضاء الحكومة السابقة منها، و مع ظهور بعض التسريبات حول الأسماء المرشّحة لتلك الحقائب، اشتدّت وتيرة النقاشات التي تطوّرت بعد مدّة قصيرة إلى تحفّظات و احتجاجات. ثمّ نالت الحكومة ثقة أعضاء المجلس التأسيسيّ، فتطوّر الجدل ليشمل الخوض في البرنامج المعلن و ما ظهر فيه من قصور و يتساءل عن كفاءات بعض الوزراء و يشكك في قدرتهم على تولّي تلك الخطط.
و قد تعرّض وزير الخارجيّة رفيق عبد السلام في الأيام الأخيرة إلى النصيب الأوفر من الانتقاد و يمكن إجمال الموانع التي أثيرت عنه في ثلاث نقاط و هي علاقة المصاهرة التي تجمعه برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، و علاقة العمل من خلال المهامّ التي شغلها في قطر أو في مؤسّسات بحثيّة تتصل بقناة الجزيرة، و علاقة أخرى مع اللغة الفرنسيّة أسالت الكثير من الحبر حول ما قيل إنّه جهل الرجل بلغة موليار، الأمر الذي اعتبره البعض عائقا لا يستقيم مع طبيعة المنصب الذي كلّف به. و قد تضخّم الأمر إلى تنظيم وقفة احتجاجيّة أمام وزارة الخارجيّة احتجّ فيها عدد قليل من المواطنين على ذلك التعيين، و قد أوضح الوزير أنّ دراسته التي حملته إلى الجامعات البريطانيّة جعلته أقرب إلى لغة شكسبير منه إلى لغة موليار. و أضاف في تصريحه لنشرة أخبار الثامنة أنّ " لغة التخاطب في الداخل و الخارج هي اللغة العربيّة، و هي الأهمّ باعتبار انتمائنا إلى بلد عربيّ."
و اللافت أنّ هذا الرأي يعطي مؤشّرا واضحا عن الخلفيّة الفكريّة التي تريد الحكومة الجديدة أن تعيد لها الاعتبار من خلال الاعتزاز بلغة هذا الوطن و التمسّك بهويّته العربيّة الإسلامية. و ما يؤكّد قناعتنا بهذا الاستنتاج أنّ الرئيس المنصف المرزوقي نفسه عبّر عن إيمانه العميق بقدسيّة اللغة العربيّة واعتبارها عمودا فقريّا للوطن و الأمّة :" العربية هي العمود الفقري للأمة، ولا وجود لها إلا بوجوده، فأمتنا خلافا لكل الأمم، لا تسكن أرضا وإنما تسكن لغتها." و قد عبّر عن ذلك الموقف في


فهل هي نهاية القدسيّة للغة الفرنسيّة في تونس ما بعد الثورة ؟ و هل سنشهد قريبا حراكا إصلاحيّا يعيد الاعتبار للعربيّة لغة و ثقافة و مشروعا حضاريّا يمسّ المجالات التعليميّة و الثقافيّة ؟
تلك هي أسئلة المرحلة و أجوبتها ستتشكّل قريبا و لكنّ بعض المؤشّرات عن الرؤى المستقبليّة باتت واضحة من خلال المواقف التي أبرزناها في هذه المقالة و التي يمكن تلخيصها في ذلك القول الحكيم الذي عبّر عنه المفكّر المصريّ مصطفى صادق الرافعي في كتابه وحي القلم:" ما ذلّت لغة شعب إلا ذلّ ، ولا انحطّت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار ، ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاً على الأمة التي يستعمرها ، ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها".
و لأنّ ثورة الشعب التونسيّ قامت من أجل العزّة و الكرامة فإنّه لن يسمح بإذلال لغته بل سيعمل على تنزيلها المقام الذي يعيد لها كلّ الاعتبار، فيعود الاحترام و التبجيل للغة الضاد بعد عقود من تقديس لغة المستعمر و إعلاء شأنها.
عبد الرزاق قيراط
Comments
20 de 20 commentaires pour l'article 43153