أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم

تعرّض الشّعب التونسي على مدى عقدين بكل شرائحه إلى عملية تدجين من أعلى طراز.. الغالبية لا يردّدون جهرا سوى كلمة آمين ويرفعون شعار "اليد التي تقدر عليها قبّلها وأدعو عليها بالكسر" ويلعن النّظام في الخفاء.. آخرون ممن تعوّدوا على بيع أنفسهم حتى ولو كان المشتري شيطانا.. كانوا يبالغون في إظهار ولاءهم للحاكم مقابل فتات نفوذ وملاليم.. فئة قليلة رفضت ممارسة دور الشيطان الأخرس وقالت لا للقمع لا للفساد.. هؤلاء كان مآلهم إما السّجون وألوانا من التّعذيب سمعنا عنها في غوانتانامو و"ابوغريب" ولم نتخيل أنّ بشاعتها قد تطال أهلنا.. أو المنفى مع حرمان أهلهم من جوازات سفر.. وآخرون قلبت حياتهم رأسا على عقب.. أطردوا من جامعاتهم ووظائفهم ومورس عليهم أشكال من الذّل والتّعنت وصدّت في وجوههم أبواب الرّزق.. معارضة كرتونية لازمتنا سنوات لا نسمع عنها إلا فترة الانتخابات تطلّ علينا في ثوب الكومبارس تمارس دورها دون حرفية في مسرحية التعدّد.. تقبض الثمن وتختفي .. سنوات عانى فيها شباب كثر البطالة بما أنهم لا يملكون ثمن الوظيفة.. شباب يمضي ما لا يقلّ عن 17 سنة في مقاعد الدّراسة ليرتمي في أحضان المقاهي أو الحظائر والأعمال المؤقتة التي لا تتناسب ومستواه وتطلعاته ولكن المهم أن لا يتسوّل وهو الذي تجاوز العشرين ثمن سيجارة في حين أن شبابا آخر يمتلك عددا من السّيارات والشّركات وينفق في الليلة الواحدة ما يكفي عائلة مدة شهر.. قصور وكأنها متاحف.. في المقابل نجد عائلة تملك غرفة واحدة تؤويها.. جيوب منتفخة وأخرى فارغة تحاصرها الديون.. بطون لا تدخلها إلا أفخر المأكولات وأخرى خاوية.. وأب التونسيين العطوف يدعوهم بكل لطف -في حملات أشبه بجمع الجباية- للتبرع للصندوق الوطني للتضامن 26-26 لردم مناطق الظّل حيث لا فقر بعد الآن لا جوع ولا برد.. مؤسسات عمومية تخصخص بأزهد الأثمان عملا ب"الأقربون أولى بالمعروف" أو تباع لجهات أجنبية عربية أو غربية والمقابل لا يدخل حتى الأراضي التونسية بل يرقد في مثواه الأخير سويسرا وغيرها من البنوك الأوروبية.. من يتمتع بذرّة نفوذ سواء كان موظّف أو عون أمن أو حتى سائق "المعتمد" يتصرف مع المواطنين وكأنه رئيس جمهورية.. ولمّا أراد الشعب أن ينتفض ويقول "يكفي" أطلق عليه الرّصاص الحي ليسقط بين شهيد وجريح وبعد كل هذا يطلع علينا السيد وزير العدل ليتحفنا أن الرئيس السّابق متهم باقتناء أشياء حسّية منقولة بالخارج وتهريب عملة.. بكل بساطة بن علي لم ينتهك حقوق الإنسان وأبسطها الكلمة الحرّة.. بن علي ليس خائنا للقسم الذي أداه يوم توليه الرّئاسة.. ليس خائنا للشعب الذي أمّنه على حياة أبناءه وثرواته.. هل يندرج هذا ضمن ما يسمى بالوفاء والولاء لرجل حكم البلاد 23 سنة؟؟.. أم هو فصل من فصول مسرحية رديئة الإخراج؟؟.. أم أن المصالح الشخصية تبقى دوما أسمى من مصالح الوطن؟؟.. لو وجّهت له تهمة الخيانة العظمى لهدأ الشعب وأحس انه أخذ بثأره واستطاع أن يثق أكثر في الحكومة.. ولتريث قبل أن يطالب بإسقاطها ولما حدثت كل تلك الانتهاكات في حق مواطنين قدموا لأنهم يعانون من أزمة ثقة في حكومة محسوبة على النظام القديم.. حكومة لم توجه أي تهمة لجلاد طالما ذاق التونسيون الم سياطه معنويا أو ماديا.. وزير الداخلية السابق رفيق حاج قاسم.. حكومة ادعت المحافظة على حقوق الشعب ولكن أرتهم أنواعا من الإرهاب لأنهم اعتصموا في القصبة بمشاركة وسائل إعلامها الموقّرة.. وسلطت جهاز البوليس سيفا على رقابهم كما هو الشأن مع الرئيس السابق.. حكومة تتهم المواطنين بتعطيل سير الحياة الطبيعية في حين أن تشبث البعض بكراسيهم هو سبب العطلة.. حكومة يثير أداءها المريب شكوك المواطن البسيط الذي لم يفهم يوما لعبة السياسة.. حتى وان كانت مؤقتة فيجب أن تحسّس المواطن البسيط بالأمان.. أن سياسة 23 سنة رحلت دون رجعة .. أن تكسب ثقته..فإذا كان هذا هو ما تملك أن تقدّمه للشعب فيا خيبة المسعى..
مديحة بن محمود

Ben ali étrangle la Tunisie
©Khalid (bakchich.info)
©Khalid (bakchich.info)
Comments
13 de 13 commentaires pour l'article 32421