تجليات علمانية معاصرة 2 : علي بابا والأربعون مناضلا

تنبيه طبّي ( مكرر) :
أثبت مسح ميداني قامت به إحدى الهيئات العلمية المعتمدة ، انخفاضا حادا في نسب الإنجاب لدى فئات العلمانيين التقدميين و اليساريين الماركسيين ، فيما عبّر العديد منهم عن تراجع قدراتهم على القيام بالواجبات الزوجية وقاموا بالإبلاغ عن ظهور حالات اكتئاب حادة و رغبات في الانتحار أو الهجرة ، تزامنت مع نشر المقال الأول . لا ينصح الكاتب المنتمين إلى هذه الفئات ، بمتابعة إنتاجاته الفكرية ، اجتنابا لظهور مضاعفات خطيرة لا تسهل السيطرة عليها بالاعتماد على الإمكانيات المتاحة والمعارف الطبية الحالية .
أثبت مسح ميداني قامت به إحدى الهيئات العلمية المعتمدة ، انخفاضا حادا في نسب الإنجاب لدى فئات العلمانيين التقدميين و اليساريين الماركسيين ، فيما عبّر العديد منهم عن تراجع قدراتهم على القيام بالواجبات الزوجية وقاموا بالإبلاغ عن ظهور حالات اكتئاب حادة و رغبات في الانتحار أو الهجرة ، تزامنت مع نشر المقال الأول . لا ينصح الكاتب المنتمين إلى هذه الفئات ، بمتابعة إنتاجاته الفكرية ، اجتنابا لظهور مضاعفات خطيرة لا تسهل السيطرة عليها بالاعتماد على الإمكانيات المتاحة والمعارف الطبية الحالية .
كان لخبر انتحار منور، العلماني التقدمي الحداثي المتحرر

كان رحيل منور، خسارة فادحة للعصابة – عفو ا الجمعية – بكل المقاييس . كان " الفقيد " ، و قبل أن يقع في الشهور الأخيرة ، فريسة في براثن وحش الاكتئاب الذي لا يرحم ، شعلة من النشاط المتقد و الحماس الذي لا يفتر في سبيل نشر مبادئها . كان وهو الثلاثيني ، يمثل الجيل الصاعد في أوساط العلمانيين التقدميين و كان يحضى بدعم غراب رئيس الجمعية الذي قرّبه إليه و جعل منه ذراعا أيمن له في إدارة شؤونها يحرص على تقديمه إلى السفراء و قناصل الدول الغربية أثناء عشاءات العمل و حفلات دعم الديمقراطية و كوكتيلات التباكي على مكتسبات الحداثة ، مؤكدا للجميع بأنه الأقدر على تسلم مقاليد الأمور من بعده .
استحق" الفقيد " منور العلماني التقدمي الحداثي المتحرر ، و الحق يُقال ، تلك الحظوة ، فبالإضافة إلى وسامته ، و ما كانت تتناقله بعض الألسن الخبيثة عمّا كان يقدّمه ، من « خدمات شخصية » لدلدول الغراب ، فقد تميز بما كان يؤديه من جليل الأعمال لاستقطاب الشباب و التغرير بهم بهدف ضمهم إلى الجمعية . كان منور ، وعلى ما عرف به من حقد دفين تجاه كل ما يمّت إلى الدين الحنيف بصلة ، شديد الحرص على إظهار عكس ما يبطنه تماما . كانت المنتديات الافتراضية و المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت مجاله الحيوي المفضل ، يقضي الساعات الطوال خلف شاشة حاسوبه متنقلا بين المواقع ، متخفيا وراء أسماء مستعارة ، يحدثك بكلام ناعم عن الحداثة و التقدمية ، عن الديمقراطية و العدالة التي تتقاطع وجوبا مع مبادئ الإسلام « العنيف بطبعه » لينتقل بك بسلاسة و دهاء إلى ضرورة « طرح » ما يخالف العصر ، و التخلي عن كل ما يمكن أن يتعارض مع « القيم الكونية » لحقوق الإنسان ، معلنا عن عدم اعتراضه على الإسلام كدين و أنّ « خلافه » هو مع الذين يسمّون أنفسهم بالعلماء ، و داعيا إلى أن يكون لكل مواطن الحق في أن تكون له « قراءته الخاصة » للإسلام ، فأحكام الدين متاح فهمها للجميع و لا تتطلب أي مؤهلات علمية أو أكاديمية خاصة....!!!
أجال دلدول الغراب نظره في أعضاء الجمعية واحد واحدا ، كانت الوجوه كئيبة كالحة ، تفضح التجاعيد و الأخاديد التي حفرتها السنون ، رغم رحلات الاستجمام إلى منتجعات أوروبا و عمليات الشد و الشفط و أطنان المساحيق التي تضعها « الفاضلات » من عضوات الجمعية و باروكات الشعر المستعار التي يضعها رجالها ، حقيقة تقدم أصحابها في العمر أشواطا ، ليرتفع معدل متوسط أعمار الأعضاء مجددا ، بعد انتحار منور ، أصغرهم سنا ، إلى الخامسة و الأربعين .
حاول رئيس الجمعية ترطيب الأجواء و التخفيف من أحزان الجماعة ، استعرض لهم ما ورد عليه من رسائل التعزية و برقيات المواساة من جميع أنحاء المعمورة وقد صدرت عن « الهيئات و المؤسسات الدولية المهمة » الآتية :
- الجمعية الدولية لدعم الاسلاموفوبيا .
- الهيئة العالمية للكتاب والصحفيين الملحدين .
- مؤسسة « تيودور هرتزل » للحفاظ على التراث الصهيوني ( فرع الولايات المتحدة ) .
- اتحاد الحركيين و قدماء المحاربين من أجل فرنسا بالجزائر .
- الجمعية الأوروبية « معا لطرد العرب و المسلمين من قارة أوروبا » .
- اتحاد منظمات الدفاع عن حقوق المثليين و السحاقيات و الفئات المتصلة ( باريس ) .
- المحفل الماسوني « الشرق الكبير » .
- منظمة « أرغينيكون » التركية .
- جمعية « كيف كيف » الاسبانية .
بالإضافة إلى ما ورد من مكالمات و برقيات من أغلب السفارات الغربية المعتمدة و من بعض المتعاطفين من الداخل .
تعمّد غراب إخفاء سر" المكالمة المهمة "، التي تلّقاها ، عن باقي أعضاء الجمعية . دخلت عليه صباحا ، كريستين ، سكرتيرة الجمعية ، تلك العجوز الشمطاء التي كان يمقتها مقتا شديدا ، و لكنه كان مضطرا إلى تحمّل وجودها ، بعد أن رشّحتها للعمل لديه تلك السفارة الموجودة في قلب العاصمة ، مع الوعد بتحمل مصاريف راتبها الشهري و كافة نفقاتها ، دخلت و قد بدا عليها الاضطراب لتطلب منه أن يرفع سماعة الهاتف ليرّد على مكالمة هامة.
جاء الصوت بعيدا متقطعا :
- بوكرتوف أدون دلدول….
- لم يستوعب غراب ما نطق به محدثه ، و اكتفى بإجابته بلهجة فرنسية فصيحة : بونجور من المتصل...؟
- جاء الجواب هذه المرة بلهجة عربية ركيكة : أنا حاييم داڤان مسؤول كسم الشرك الأوسط و شمال افريكيا بجهاز الموساد لدولة إسرائيل .
- استنفر غراب جميع حواسه و نفض عنه ما اعتراه من خمول ، ليجيب محدثه بحماس شديد : أهلا أهلا مسيو داڤان…
- عاود الصوت قائلا : أبلغك التآزي الرسمية لدولة إسرائيل وهزنها لفكدان البطل منور ، فعلا إنها خسارة لا تعوض…
- تنهد غراب قائلا : فعلا فعلا لا أستطيع وصف حزننا لفقدانه …
- أجاب المتصل قائلا : تعلم ، أدون دلدول ، أن دولة إسرائيل هي صديكة لجميع العلمانيين التكدميين الهداثيين العرب ، و أننا لا ندخر أي جهد لتكديم كل أشكال الدعم لهم و إن كان ذلك يتم بطريكة غير مباشرة عبر هلفاءنا في واشنطن و باريس و لندن و غيرها من العواصم الصد يكة …
- أكيد ، أكيد و نحن العلمانيين التقدميين ليس لنا أية مشكلة مع دولة إسرائيل الديمقراطية المسالمة و نحن لا نترك أية مناسبة للتنديد بالإرهاب الفلسطيني و العربي الذي يتهددها و لا نألوا جهدا لإخراس أي صوت داخلي معارض لها والتشهير بمن تسوّل له نفسه من التونسيين الإساءة إليها . و نحن نعوّل على دعمكم للضغط على السلطات ، من خلال أصدقائكم الأمريكان و الأوروبيين، من أجل أن تمنحنا التأشيرة القانونية التي طال انتظارنا لها أربع سنوات كاملة …
- أعدك بطرخ الموضوع على غؤسائي و أن نرفع بذلك توصيات إلى القيادة السياسية. شالوم أدون دلدول…
- شالوم ، شالوم ، مسيو داڤان ، ردّ غراب بحماس فائض ، قبل أن ينهي المكالمة .
استرجع دلدول رئيس جمعية « الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين » تفاصيل المكالمة وهو مستند إلى ظهر كرسيّه الوثير ، و وجّه كلامه إلى الأعضاء الذين تحلقوا حوله في صمت ، و قد نفخ أوداجه فخرا :
- يا جماعة و كما يقول المتخلفون العرب في مثلهم المعروف ( ربّ ضارة نافعة ) فإنني ، و إن كنت لا أستطيع مصارحتكم بكل ما لدي من معلومات في الوقت الحالي ، فسأكتفي بالقول بأنني تلقيت وعدا بدعم أنشطة الجمعية من جهة مهمة جدا جدا…
غادر الجميع ، و قد ارتفعت معنوياتهم قليلا بعد سماعهم للخبر ، فيما وقع الاتفاق على الالتقاء في الغد للقيام بمراسم دفن تليق بمكانة " الفقيد " منور العلماني التقدمي الحداثي المتحرر. لم يبقى في المقر سوى غراب و الرفيقة زازا ، أمينة مال الجمعية ، التي كانت تدخن السيجارة تلو الأخرى في عصبية شديدة .
كانت الرفيقة زازا من الأعضاء المؤسسين للجمعية و من أكثرهم نشاطا. و هي لمن لا يعرفها، مناضلة يسارية مشهورة في الأوساط الماركسية بتزعمها للخط المتشدد داخل الجمعية و بعدائها الشديد لكل ما يمتّ للهوية العربية و الإسلامية للبلاد بصلة. سافرت في شبابها إلى الاتحاد السوفيتي الأسبق أثناء الثمانينات لدراسة الهندسة ، تشبّعت بالفكر اللينيني ليتم تجنيدها من قبل جهاز « ك. جي . بي » لغاية التجسس على الطلبة العرب و نقل تحركاتهم . وقعت في غرام الضابط الشاب سارڤاي ، الذي كان مسؤولا عن تدريبها ، لتثمر العلاقة طفلا ، اضطرت إلى التخلي عنه لعائلة روسية ، بعد صدمة مقتل عشيقها في إحدى المهام العسكرية ، لتعود إلى البلاد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي شبه محطمة ، فلا هي أتمت دراستها و حصلت على الشهادة التي سافرت من أجلها و لا هي استطاعت الاحتفاظ بطفلها ، الذي تزين صورته سلسلة ذهبية على شكل قلب ، لا تفارقها ، لتنخرط في نوبات بكاء هستيرية كلما استرجعت ذكراه .
كانت الرفيقة زازا قريبة جدا من " الفقيد " منور العلماني التقدمي الحداثي المتحرر ، في السنتين الأخيرتين ، كانت تشاركه كل شيء ، حماسه للعلمانية ، نضاله في سبيل القضية ، و بيته و فراشه …!!!
ليشكّل رحيله المفاجئ صدمة ثانية لها ، كانت كافية ، لولا بقية من جلد ، من أن تقضي عليها.
تبادل دلدول غراب و زازا النظرات بصمت ، كان يدرك أهمية وجودها في الجمعية و ما تلعبه من دور فاعل لما لها من صدقات تربطها بأوساط مهمة ولكنه كان يخشى من تهوّرها و من نوبات غضبها العاصفة ، و كانت هي تمقته مقتا شديدا لما كان يشاع عن « علاقته الخاصة » بمنور ، حاولت التدخل أكثر من مرة و التأثير على الأخير لوضع حد لتلك « الأمور » و لكن " الفقيد " تعنت في الرفض بإصرار غريب و بعنف أحيانا معتبرا الأمر خطا أحمرا ، و مهددا إياها بقطع علاقته بها إن هي أصرت على ذلك ، لتضطر في النهاية إلى القبول بدلدول " كضرّة " لها...، رغم ما كانت تشعر به من غيرة شديدة .
حاول رئيس الجمعية مواساتها ببعض الكلمات المعتادة في مثل هذه المناسبات لتطلق الأخيرة العنان لثورة غضب عارم :
إلى متى هذا " الظلم " ، إلى متى هذا " التعسّف " من قبل السلطة...؟
إلى متى نبقى كجرذان المجاري نعمل خفية عن الأعين...؟؟
لماذا لا يمنحوننا التأشيرة القانونية لجمعيتنا...؟؟ لقد مات منور دون أن يعيش ليشاهد حلمه بالحصول على التصريح ، يتحقق...
أنظر إلى الجوامع و المساجد التي يشيّدونها ، تنبت كالفطر في كل مكان، حتى لم تكد تخلو قرية نائية من مئذنة تعانق عنان السماء، تصرف لإقامتها ألاف الدنانير من " أموالنا "...، ألم يكن من الأجدى صرف تلك الأموال لإقامة الملاهي و العلب الليلية و أماكن الترفيه...؟؟
انظر إلى ما "يبذّرونه" كل عام في الإنفاق على ما يسمّونه بموسم الحج و ما يسخّرون له من إمكانيات و مجهودات وزارات بأكملها حرصا على راحة الحجيج و حسن الإحاطة بهم ...
ما الذي يستفيدونه من السفر إلى تلك البلاد ، يتحملون قيض شمسها و وعورة جبالها...؟؟
ألم يكن من الأجدى إنفاق ملايين الدنانير تلك لتنظيم رحلات استجمام للاستمتاع برمال شواطئ هاواي و جزر الباليار...؟؟
أنظر إليهم ، إنهم يطلعون علينا كل يوم بزيتونة جديدة من زيتوناتهم ، فمرّة هي إذاعة ، قبلناها على مضض ، ظنناها محاولة لدغدغة المشاعر الدينية للرّعاع و السوقة و المتخلفين و مرّة يبشّروننا بقرب إطلاق محطة تلفزية تحمل نفس الاسم ليصعقونا مؤخرا ببنك و شركة تأمين و ماذا بعد...ماذا بعد...؟؟
إنها المادة الأولى من الدستور...هي تلك المادة التي يجب أن تتغير ، يجب أن تُلغى ، يجب أن تُحرق...
لا مكان لأعداء العلمانية التقدمية بيننا بعد اليوم ، فليرحل " العشرة ملايين" إن لزم الأمر و لنبقى نحن...
فليذهبوا إلى صحراء الجزيرة العربية ، فلنرمي بهم إلى البحر المتوسط ...
سنعمّر نحن هذه الأرض ، سنستورد شعبا جديدا إن تطلّب الأمر... !!!
سحقا ، سحقا لهم ، الأغبياء ، الجهلة ، المتخلفون.... ( لتطلق بعدها وابلا من السّباب و الشتائم السوقية ...)
أصيب دلدول الغراب رئيس الجمعية بحالة من الهلع و حاول تهدئة فورة غضب الرفيقة زازا...
كان يتلفّت حوله رعبا ، وهو يصرخ فيها : اصمتي أيتها الغبية ، اخرسي ألا تعلمين أنّ للحيطان آذانا...؟؟
سوف يُقضى على أحلامنا بسبب رعونتك و تهورك....
لم تهدأ عاصفة زازا ، إلا بتدخل ، كرستين، سكرتيرة الجمعية العجوز ، التي سارعت بحقنها " بجرعتها " اليومية المعتادة ، لتغطّ في نوم هادى و عميق.
نظر غراب إليها ، بشفقة و عطف وغمغم قائلا : المسكينة سوف ينتهي بها الأمر إلى الموت أو إلى الجنون....
كان هو نفسه ، متفقا مع كل ما عبرت عنه زازا، أثناء نوبة غضبها ، و لكنه كان يفضّل أسلوب المهادنة و سياسة النفس الطويل للوصول إلى تحقيق أهداف الجمعية و أحلامها ...
( تمّت كل الحوارات داخل مبنى الجمعية باعتماد الفرنسية ، " اللغة الرسمية " لجمعية « الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين» . يُصرّح في بعض الأحيان للأعضاء بالتحدث بلغات الأخرى. تُستثنى اللغة العربية ، التي يُمنع منعا باتا استخدام أيّ من مفرداتها حسب ما ينصّ عليه ميثاق الجمعية......) .
-يتبع -
م.ي.ص ( أبو فهد)
هوامش :
1/- منظمة « أرغينيكون » التركية : منظمة علمانية تقدمية......إرهابية ، يُحاكم أفرادها من عسكريين و نواب سابقين بالبرلمان و أساتذة جامعات و محامين و صحافيين أمام القضاء - فيما يعرف في تركيا بقضية القرن - بتهم خطيرة من قبيل التخطيط للقيام بتفجيرات ولاغتيال شخصيات سياسية و حكومية عامة و السعي لقلب نظام الحكم باستعمال القوة .
2/- محفل « الشرق الكبير » : أعلى الهيئات الماسونية في فرنسا . و الماسونية – و ترجمتها البناة الأحرار – منظمة عالمية سرية ، صهيونية الهوى و التوجه . تنشط في سبيل دعم العلمانية و محاربة الأديان .
من أبرز أهدافها إعادة بناء هيكل سليمان المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك .
3/- جمعية « كيف كيف » : جمعية ، تدّعي أنها مغربية ، و تنشط من العاصمة الاسبانية مدريد في الدفاع عن حقوق الشواذ و المثليين و السحاقيات .
4/- « بوكرتوف أدون دلدول » : صباح الخير يا سيد دلدول ( ترجمة عن العبرية ) .
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 28537