يوميات عاطل -2

الفصل الثاني - كالعادة لم تتخلف الإذاعة الوطنية عن إيقاظ عاطل الذي بدأ يسترجع ما نسجته أحلامه خلال نومه المتقطع، فمنذ تخرج وبدأ رحلة الألف ميل للبحث عن عمل لم ينم يوما بصفة متواصلة وعادة ما يستفيق مرات عدة على كابوس يراوده دائما ولا يتذكر غيره حتى أنه يعتقد أن أحلامه تقتصر على ذات الحلم المزعج ولاشيء غيره.
يبدأ الكابوس بصوت عال يتردد على مسامعه في مكان موحش ومظلم للغاية، كان الصوت قبيحا ولم يكن قادرا على تحريك يديه ليسد بهما أذنيه في حين يزداد الصوت قوة وقبحا حتى لتكاد أذناه تنفجران، يقترب الصوت أكثر ويتراءى له رجل ضخم رث الهيئة طويل اللحية غليظ الوجه يمد يديه الى عنقه ويضغط عليها حتى تكاد تنفجر عروقه وينتهي الحلم على صيحات عاطل...
يبدأ الكابوس بصوت عال يتردد على مسامعه في مكان موحش ومظلم للغاية، كان الصوت قبيحا ولم يكن قادرا على تحريك يديه ليسد بهما أذنيه في حين يزداد الصوت قوة وقبحا حتى لتكاد أذناه تنفجران، يقترب الصوت أكثر ويتراءى له رجل ضخم رث الهيئة طويل اللحية غليظ الوجه يمد يديه الى عنقه ويضغط عليها حتى تكاد تنفجر عروقه وينتهي الحلم على صيحات عاطل...
استفاق عاطل أخيرا ولم يكلف نفسه عناء غسل وجهه أو النظر الى هيئته في المرآة، فمنذ مدة طويلة وهو يعاني حالة من اللامبالاة التامة خلفت لديه عشوائية تامة انعكست على هيئته وتصرفاته وأحاديثه. اليوم سيتوجه مكرها الى الطبيب لعلاج وجع ينتابه في لسانه ورغم مقته للمستشفيات والأطباء فانه سيذهب مكرها لأن الألم لم يعد يطاق.
خرج من منزله وتوجه إلى محطة الحافلات، وجدها كالعادة مليئة بما رخص ثمنه وزاد وزنه، انتظر كثيرا وأخيرا وصلت السيدة الصفراء وتدافع مع الجماعة للصعود ليجد نفسه أخيرا داخلها بين كم هائل من الأجساد التي التصقت به وخلف لديه أحدها شيئا من النشوة لم يحس بها منذ زمن بعيد، لم يكن هو المسيطر على الموقف بل كان الجسد الذي يقف أمامه هو الفاعل وكان صاحبنا المفعول به لأنه نسي كيف يكون فاعلا منذ أصابته تلك اللامبالاة وترك الموقف على طبيعته حتى وضعت الحافلة أوزارها...
نزل وكأن شيئا لم يكن, دخل المستشفى ووجد طوابيرا هائلة تنتظر الفرج وتداخلت الأصوات في أذنه حتى كاد يغادر...ولج اخيرا الى طبيبه المعالج الذي تجاهل تحيته وسأله بفتور عن سبب تشريفه له..فوصف أوجاع لسانه بايجاز حتى لا يقلق راحة محدثه حينها قام الآخر متثاقلا وفحصه ثم دون بعض الأدوية وودع عاطل على أمل أن لا يزوره مرة ثانية...

أخذ الوصفة وتوجه بيد مرتعشة الى صيدلية المستشفى وجاءه الرد الذي كان يخشاه دائما :لا يوجد؟؟تحسس عاطل جيبه المسكين ولم يجد فيه الا بعض المليمات التي يستميت في الحفاظ عليها ولا تكفيه لشراء ربع أدوية الوصفة وارتسمت على شفتيه ابتسامة مرة عادة ما يلتجأ اليها في مثل هذه الحالات وأخذ الورقة ومزقها بهدوء قبل أن يتثرها في الهواء تاركا اياها وراءه ومغادرا المستشفى بلا رجعة ليلتجأ لأمه علها تخفف ألمه بوصفة من وصفاتها التقليدية.
عاد عاطل من حيث أتى دون أي فائدة، مر في طريقه بحانة نصف محترمة فقرر أن يدخلها وأن يجرب حلاوة النسيان الذي توفره له المشروبات الروحية رغم أنه لم يذقها في حياته ولم يكن يحترم كثيرا مدمنيها ولكن لامبالاته سيطرت عليه وقرر عيش التجربة ،بدأ لسانه يستقبل أولى قطرات الشراب فأحس بمرارته ولكنها لم تكن بعشر مرارة وضعيته فزاد منه ونسي جيبه الفارغ وبدأ يطلب الكأس وراء الأخرى عله يجرب الإحساس الذي يخلفه ولكنه لم يشعر بشيء وكأن النحس يلاحقه في رغبة الانتشاء ولو للحظات...
لم يغب عن الوعي ولم يحس بدغدغة في جسمه وبقي الإحباط مسيطرا عليه، جرب كل الأنواع دون أن يؤثر فيه شيئا بل على العكس زاده الشرب استحضارا لهمومه وأحزانه وكوابيسه، بقي مذهولا من قدرة عقله على البقاء صامدا أمام مفعول الكحوليات وعلى قدرته على تذكيره دوما بتعاسته، تذكر حينها أن مقدار ما شربه من كحول يساوي أضعاف ما في جيبه لذلك حاول في غفلة من الجميع الخروج ونجح في ذلك ليركض فيما بعد نحو منزله حتى لا يلحقه الجماعة...
دخل المنزل وحاول الا يلتقي أمه، لكنه فشل في ذلك ووجدها أمامه فسكت حتى لا يفتضح أمره ودخل الى غرفته مسرعا كي لا يزيد كدرها تذكر أنه لن يستطيع النوم قبل أن يوهم نفسه ببعض التفاؤل..ولكنه فشل في اقناع نفسه بالحياة الوردية التي تنتظره وبقيت عيناه مفتوحتان تنتظران أمرا من دماغه للنوم...فصفع نفسه مرات متتالية حينها فقط ذهب في نوم عميق لن يوقظه منه الا شيئان...كابوس ذلك الشيخ..عفوا الشيء المخيف و...صوت الاذاعة الوطنية
حمدي مسيهلي
Comments
9 de 9 commentaires pour l'article 27554