وبالوالديـــــــن إحســــانـــــا

لا تكاد تخلو صفحات أصداء المحاكم في كل الصحف التونسية من جرائم العنف الأسري.. ولا تكاد تخلو حصة من حصص "المسامح كريم" أو عندي ما نقلك" من هذا النوع من الحالات.. ونقصد به كل أشكال العنف اللفظي والجسدي بين أفراد الأسرة الواحدة : بين الأزواج :" زوج يعتدي بالعنف الشديد على زوجته ويتسبب لها في عاهة مستديمة", "زوجة تتآمر مع صديقها لقتل زوجها" "آخر يقتل زوجته أمام عيون أطفاله"... وبين الأشقاء وفق سنة قابيل وهابيل ولكن الأكثر إيلاما هو العنف المتبادل بين الآباء والأبناء ولئن اندرج العنف تجاه الأبناء منذ القدم تحت مسمى "التربية" فان العنف تجاه الآباء يندرج ضمن العقوق والقصور في التربية... شتم و سب بألفاظ نابية تثير في النفس الاشمئزاز والغثيان, اهانة, ضرب وقد يصل الأمر أحيانا إلى القتل... والمال سيد الأسباب فالبعض اليوم حتى ولو تجاوز العشرين لا يستحي من طلب معلوم "القهوة" والتدخين من الأب أو الأم خاصة يوميا وفي حال الرفض ينفجر بركان الغضب ويتحول إلى مدفع رشاش يطلق أقذر الكلمات في وقت قياسي, الكراسي والكؤوس وباقي الأدوات المنزلية تتطاير هنا وهناك ويصب جام غضبه على الأبواب.. وتتطور الأمور أحيانا إلى الاعتداء بالعنف والدفع ولما لا القتل خطئا كان أم عمدا... يقتل الأب الذي افني سنوات عمره تعبا وشقاء لإسعاد أبنائه.. وتقتل الأم تلك التي قال عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم" أمك ثم أمك ثم أمك.." ولا حاجة للتذكير بما تقوم به الأمهات لأجل أبنائهن.. نكران جميل, خذلان, العقوق في أبشع صوره.. يتركون لمواجهة مصير مجهول وهم في أمسّ الحاجة لسند مادي ومعنوي فالوالدين عادة ما ينفقان كل ما يكسبان على الأبناء ودراستهم ويعتبران ذلك استثمارا سيدر عليهم الأرباح عند بلوغهم الشيخوخة ولكن يفاجأ البعض بأن فلذات أكباده تتبع سنة الطيور فحين يشتد عودها وتجيد التحليق تغادر العش دون رجعة بحثا عن آفاق جديدة.
ولكن إلى جانب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطيرة التي يعيشها المجتمع والإفلاس الأخلاقي الذي يعانيه البعض يقع جانب من المسؤولية على الوالدين : ربما قصور في التربية.. ربما سعيهم إلى تلبية الحاجيات المادية في ظل غياب الاهتمام والحنان .. ربما لكونهما لم يمثلا نموذجا صالحا كأب وأم, كزوج وزوجة.. ألا يمكن أن يكون عقوق الأبناء هو نتيجة حتمية لعقوق الآباء لهم ألم يقر سيدنا عمر رضي الله عنه بأن الآباء قد يعقون أبناءهم إذا ما أساءوا اختيار الأم
وأساءوا تربيتهم.. فلماذا يقع اللوم على طرف واحد في حين يجب أن تتحمل كل الأطراف مسؤولياتهم الوالدين من خلال تربية أبنائهم تربية صالحة "لاعبوهم سبعا وأدبوهم سبعا وصادقوهم سبعا ثم اتركوا الحبل على الغارب" وتطعيمهم ضد الفيروسات التي قد تواجههم في المحيط الخارجي والأبناء من خلال الحب والاحترام وتفهم صراع الأجيال ..وتحميل الوالدين جزء من المسؤولية لا يعني أبدا تشريع هذا الكم الهائل من العنف تجاههما فمهما كانت الدوافع والظروف تبقى مكانتهما مقدسة لا يجب المساس بها بأي شكل من الأشكال.
ولكن إلى جانب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطيرة التي يعيشها المجتمع والإفلاس الأخلاقي الذي يعانيه البعض يقع جانب من المسؤولية على الوالدين : ربما قصور في التربية.. ربما سعيهم إلى تلبية الحاجيات المادية في ظل غياب الاهتمام والحنان .. ربما لكونهما لم يمثلا نموذجا صالحا كأب وأم, كزوج وزوجة.. ألا يمكن أن يكون عقوق الأبناء هو نتيجة حتمية لعقوق الآباء لهم ألم يقر سيدنا عمر رضي الله عنه بأن الآباء قد يعقون أبناءهم إذا ما أساءوا اختيار الأم

وفي حقيقة الأمر لا يوجد أبدا ما يشرع العنف بين أفراد الأسرة أو يبرره.. فلماذا يعوض الشتم والاهانة وقلة الاحترام والضرب عذب الكلام والحب والرحمةّ؟ لماذا لا يستحي هؤلاء من مواجهة بعضهم في قاعات المحاكم ووسائل الإعلام والتراشق بالتهم..؟
وإذا كان كل هذا العنف وهذه الجرائم التي تقشعر منها الأبدان موجودة في زمن ليزال فيه شيء من القيم النبيلة والمودة ولتزال الأسرة قيمة اجتماعية ثابتة فما بالك بالأجيال القادمة التي تتربى في المحاضن وعلى أيدي المعينات المنزلية اللواتي لا خبرة لهن في أصول التربية الحديثة في ظل غياب الوالدين وركضهما خلف المال والنجاح وفي ظل مجتمع يتأرجح بين أوروبا وأفغانستان ويضيع هويته شيئا فشيئا... ماذا سيفعل أبناءنا بنا في المستقبل..؟ سؤال "خطير" نأمل أن لا تكون إجابته أخطر...
مديحة بن محمود
Comments
18 de 18 commentaires pour l'article 27493