السكرتيرة 1

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/babnetlogoggg.jpg width=100 align=left border=0>


من أكثر الأشياء التي ترهقني في التعامل مع الآخرين، الغطرسة والجلافة، بمعنى قلة الذوق وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، أما الغطرسة فتتجلى في سلوك من يحسبون أنفسهم "أكبر" من الآخرين، وفي غالب الأحوال يكون المتغطرس غير مستحق للوضع أو المنصب الذي جعله متغطرسا، وجلافة القروي لا تغيظني لأنها وليدة سلوك طبيعي عنده لا يقبله الحضريون، ولكن تفقع مرارتي جلافة أناس تلتقي بهم عرضا كل يوم وتجد منهم نحوك سلوكا يتنافى مع أبسط قواعد التعامل الاجتماعي، على الرغم من أنه لا ثأر أو علاقة بينكما، وقد لاحظت أن هناك بعض صغار الموظفين والعمال الذين يمارسون الغطرسة نيابة عن رؤسائهم أو مخدميهم، ويحدث ذلك غالبا عندما يكون المدير أو الوزير أو الرئيس متواضعا فيجعل ذلك من يستمدون "أهميتهم" منه أكثر ميلا إلى العنطزة، بل إنك تجد سائقا بسيطا على سيارة فارهة، قد لا يزيد راتبه الشهري على 150 دولارا بوشياً، يحس بأنه يقود مكوك فضاء ويرى أن بقية الناس في السيارات التي من حوله مجرد زوائد اجتماعية مزعجة، فيتعمد مضايقتهم واستفزازهم،... وقبل بضع سنوات نلت ترقية، وعند انتقالي إلى المكتب الجديد وجدت سكرتيرة في انتظاري، فتضايقت من ذلك على الرغم من أنها كانت فتاة مهذبة ومؤدبة! تضايقت لأنني لا أحبذ أن يدس الآخرين أنوفهم في شؤوني، فقد كانت كافة مكالماتي الهاتفية الواردة تمر عبرها، وكانت تحرص على إثبات أنها سكرتيرة شاطرة فتسأل كل شخص عن اسمه، وأحيانا عن سبب اتصاله بي، وكان بعض أصدقائي يجيبون عليها كلما سمعوا منها عبارة: نقول له مين؟ يردون عليها: قولي له زفت الطين! حاولت أن أقنعها بتمرير مكالماتي دون تحريات بوليسية ولكن هيهات، بل يبدو أن عدم ممانعتي في الرد على كافة المكالمات التي تأتيني غاظها فصارت تقول أحيانا لمن يرغبون في مهاتفتي: مشغول... عنده اجتماع.. أبوه مات!! ويا ويل من كانوا يأتون إلى مكتبي "دون سابق موعد"، على الرغم من أن طبيعة عملي كانت تستوجب استقبال الناس دون سابق موعد،.. فقد كانت تستجوبهم بالتفصيل عن طبيعة الموضوع الذي يريدون بحثه معي، وفاض الكيل بأحد أصدقائي وقال لها إن سبب زيارته لي أن أبا الجعافر يتهرب من سداد مبلغ استدانه منه! نجحت في فض الاشتباك الهاتفي بيننا وصرت أتلقى مكالماتي مباشرة دون وساطة منها، ولكنها واصلت إحكام الحصار عليّ، فما من مرة هممت فيها بالخروج من المكتب إلا وسألتني عن وجهتي، فطفح الكيل بي مجددا وصرت أقول لها قبل أن تسألني: رايح الحمام، فكفَّت عن طرح ذلك السؤال، واكتفت بمرمطة ضيوفي، فقلت لها يا بنت الناس أنا لست شخصا مُهماً أو كثير المشاغل، وواجبي الوظيفي يتطلب التعامل المباشر مع الجمهور، وفيهم أجلاف قد يعرِّضونك لمواقف "بايخة" ولهذا خير لك ولي أن تنتقلي إلى وظيفة أخرى في نفس الإدارة،.. وقد كان.. ولكنها ظلت تقول عني إنني "وِش" بهدلة!
جعفر عباس




Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 1323


babnet
All Radio in One    
*.*.*
French Female