قدّاس ذكرى وفاة الزعيم

أبو مـــــــــــــازن
ليكن الزعيم بورقيبة رحمه الله بانيا لتونس الحديثة ومؤسسا لدولة سعت عبر الزمان للاستقلال و الخلاص من السيطرة الأجنبية التي تفرض عليها الوصاية و التبعية. ليعشق من شاء ذلك الزعيم الذي كلما خطب أخذ العقول و كلما قوبل سلب احترام الناس و تقديرهم. ليكن بورقيبة عظيما في أذهان التونسيين فيفرحون لذكرى مولده و

كذلك اتخذت الأقوام الفانية آلهة تقدسها وتمجدها ثم تعبدها زلفى وتقربا إلى الله. إنّ الأسطورة لتروي صلاح اللات و دماثة خلقه وهو المطعم لحجاج مكة في التاريخ القديم الغابر، فلقد حدّث البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ اللات كان يلتّ سويق الحاج أي يعجن العجين للحجاج فلما مات عظموه وعكفوا على قبره ثم جعلوه إلهًا. و لقد ذكر القرآن الكريم أسماء الأصنام التي اتخذتها قريش فألهت الصالحين وعبدتهم تقربا لله زلفى حسب ظنهم، قال تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . و ذكر الله أيضا في كتابه العزيز أصنام قوم نوح وهم من الصالحين الذين اتُخذوا آلهة من دون الله لفرط إعجاب الناس بهم و بمناقبهم عبر الأزمان التي تلتهم ، قال تعالى وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا .
انّ الإنسان الذي يعيش القرن الواحد والعشرين في غنى عن ذلك التأليه بعد أن علم الحق حقا و رزق إتباعه وعلم الباطل باطلا و رزق اجتنابه باكتمال الوحي و تبيانه وتيسير أصول الدين و بيان أحكام شريعة الله في خلقه. لقد ولدت الخضراء عباقرة في العلم والحضارة و أنجبت القادة الفرسان والمصلحين على مدى قرون خلت، فهذا ابن خلدون العلم الذي ترفرف أوراق مجلداته فتقطر نظريات اجتماعية خالدة اهتدى إليها الفلاسفة والمصلحون بعد جهد وعناء، وذاك ابن الجزار الطبيب الذي ذاع صيته فتناقلت الحضارات علمه و ترجمت مؤلفاته إلى عديد اللغات. و لنا في خير الدين المثل في صلاح الرأي و سعة المعرفة والسعي الحثيث نحو بناء الدولة التونسية الفتية المتميزة بعراقة التمدن وهي المزيج من الحضارات المتراكمة عبر القرون. إنّ المختلقين لمناسبات الحج إلى روضة بورقيبة و تمجيد قبره مجرد تجار وطنية زائفة يحاولون عبثا إعادة نظام تهاوى طوال عقود بعد أن عبثت أيادي التنقيح الدستوري كما شاءت فجعلت زعيم الحركة الوطنية رئيسا مدى الحياة ثم أعادته نفس الأيادي إلى الإقامة الجبرية تحت حكم المخلوع، واليوم تحاول جاهدة تأليهه بعد أن عجزت أطروحات الحداثة و حقوق الإنسان و الإرهاب زعزعة شخصية التونسي فراحت توقظ ماضيا سموه البورقيبة أين كانت تنعم بسطوة الحكم و تستأثر بثروات الشعب و تبددها جهلا و عنجهية فارغة.
Comments
9 de 9 commentaires pour l'article 83068