ماركس غاضب من اليسار التونسي

محمد خليل قموار
تاريخ المعارضة التونسية قبل الثورة هو تاريخ اليسار المناضل من أجل العدالة الإجتماعية , من حركة برسبكتيف في الستينات إلى العامل التونسي في السبعينات وصولا إلى الحركة الطلابية , و في الحقبة النوفميرية كان حزب العمال الشيوعي معارضا لحكم بن علي و ساهم في اتّفاق 18 أكتوبر 2005 الذي جمع الإسلاميين و العلمانيين و العائلة الديمقراطية .
تاريخ المعارضة التونسية قبل الثورة هو تاريخ اليسار المناضل من أجل العدالة الإجتماعية , من حركة برسبكتيف في الستينات إلى العامل التونسي في السبعينات وصولا إلى الحركة الطلابية , و في الحقبة النوفميرية كان حزب العمال الشيوعي معارضا لحكم بن علي و ساهم في اتّفاق 18 أكتوبر 2005 الذي جمع الإسلاميين و العلمانيين و العائلة الديمقراطية .

بعد الثورة و خاصة بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 بدا اليسار التونسي بمختلف أحزابه السياسية رافضا لنتائج الإنتخابات التي حصد فيها نتائج كارثية حتى أصبح اليساريون ينعتون بجماعة الصفر فاصل . لطالما ناضل اليساريون من أجل الديمقراطية و سيادة الشعب , ولما جاءت الديمقراطية بغيرهم رفضوها و صارت كلمة الإنتخابات مزعجة و مقلقة و أعلنوا المعارضة الميكانيكية لكل قرارات النهضة و حلفائها بل وصف بعضهم حلفاء النهضة بالخيانة لأنهم أرادوا حشر الحركة الإسلامية في الزاوية لذلك يفهم الجميع أسرار حنقهم على السيدين مصطفى بن جعفر و المنصف المرزوقي باعتبارهما علمانيين , لقد صاروا ينظرون إلى حركة النهضة كعدوّ لا كمنافس سياسي لذلك استجمعوا كل أدواتهم و نقاباتهم و إعلامهم لممارسة كل أنواع الضغط و التشويه و الشيطنة و المغالطات ضدّ خصمهم الإيديولوجي من أجل عرقلة أي نجاح محتمل للترويكا الحاكمة و لو أدى الأمر إلى تعطيل البلاد و شلّ شريان الحياة الإقتصادية فهل سمعتم ببلد يحتاج إلى العمل لخلق الثروة يحصل فيه 40 ألف إضراب في سنتين ثمّ يتّهموا الحكومة بالفشل ؟ لا يعني ذلك البتّة براءة الحكومة من التقصير و الأخطاء لكن هل تنهض الأوطان بفريق يعمل و آخر يعطّل ؟

كان من الممكن أن تراجع الأحزاب اليسارية خطابها السياسي الذي قادها إلى الهزيمة و تقوم بالنقد الذاتي كما فعلت الأحزاب الشيوعية الأوروبية أو كما فعلت الحركات اليسارية في أمريكا اللاتينية وهو ما جعلها تصل إلى السلطة بعد تغيير برامجها الإقتصادية و المصالحة مع هويّة بلدانها . لكن يسارنا بقي محافظا على خطاب محنّط و تقديس غريب لمقولات تجاوزها التاريخ دون قراءة للواقع المتغيّر , لقد ظلّ الرفاق يعيشون في العصر السوفياتي و يحلمون بنمط حكم ستالين و أنور خوجة .
على المستوى السياسي , فقد ارتمى الرفاق في أحضان قوى النظام القديم الذي يريد العودة من بوابة نداء تونس و الباجي قايد السبسي , و من ينكر ذلك فهو يغالط نفسه و يكذب على الناس , أليس الأمين العام السابق للتجمّع الدستوري الديمقراطي الذي قامت عليه الثورة عضو في نداء تونس , كل شيء جائز لدى الرفاق في سبيل إقصاء النهضة من الحكم فقد عوّضوا رفاقهم الذين ناضلوا معهم زمن بن علي لتيسير عودة النظام القديم إلى الحكم وهم يظنون أنهم سيقتسمون الكعكة معا , و لأن بعض الظنّ إثم , فإنّ من يظنّ أن مليارات رؤوس أموال نداء تونس ستجعلهم شركاء في سلطة محتملة فهو واهم لأنّهم مجرّد حطب للمعركة بين منظومة 23 أكتوبر 2011 و منظومة 7 نوفمبر . لقد سقطت ورقة التوت عن اليسار و شعاراته في الحرية و الديمقراطية فقد أيّد الإنقلاب العسكري في مصر و يتمنّى مثله في تونس أما اليسار الفرنكفوني فيعيش قلقا و توتّرا جعلته يتردد باستمرار بين السفارة الفرنسية و مطار شارل ديغول بحثا عن الدعم ضدّ أبناء وطنهم .
لقد فوّت اليسار على نفسه فرصة تاريخية لبناء ديمقراطية عربية وليدة بعيدا عن الصراعات الإيديولوجية التي دخلت متاحف التاريخ و نسيان أحقاد الماضي و المصالحة مع هوية تونس العربية الإسلامية و القبول بالتعايش بين جميع التونسيين .
للأسف الشديد مازال يسارنا يعيش في سبعينات القرن الماضي و نحن نتابع اليوم أنصاره يردّدون شعار سحقا سحقا للرجعية , دساترة و خوانجية فهل من الديمقراطية أن نُعامل من يختلف معنا بالسحق , و ما جدوى هذا الشعار و أنتم في صحفة العسل مع الدساترة و التجمعيين . و في الحوار الوطني فقد كان أداء الجبهة الشعبية ضعيفا و متناقضا فمن عجائب الزمن أن ترفض أحمد المستيري الإشتراكي لرئاسة الحكومة القادمة و تساند مصطفى كمال النابلي الليبرالي الرأسمالي . من أجل ذلك تقلّب ماركس في قبره , فقد خانه الرفاق و أضاعوا البوصلة .
Comments
28 de 28 commentaires pour l'article 77080