إلى أين المسار... يا صاحب الحمار؟؟

<img src=http://www.babnet.net/images/9/kahanale2811.jpg width=100 align=left border=0>


عبد الجليل الجوادي

الحوار أسلوب حضاري و خصلة أخلاقية كريمة حين يكون بديلا عن الخصام و النزاعات و ربما الاقتتال. و الحوار آلية راقية يلجأ إليها الأفراد و الجماعات عن وعي و رغبة في تحكيم العقل و المنطق لحل الخلاف و الوصول إلى توافقات تقرب وجهات النظر حول مسألة معينة و يكون بديلا ناجعا و مجديا عن الخصام الذي يغيب فيه كل المنطق و كل العقل و تتحكم فيه النعرات و العصبيات و المصالح الضيقة التي لا تقدر العواقب و تكون سببا قريبا و مباشرا لأن يسقط البيت على ساكنيه.

بهذا المنطق نفهم أن يكون الحوار سبيلا لإنارة السبيل و دليلا حين تضيق الحيلة و يضيع الدليل. و نهجا قويما يخرجنا من الضبابية إلى الوضوح و من المؤقت إلى الاستقرار و الطموح و من الشرعية إلى الشرعية بطيب النوايا و صدق الطوية.



و لكن الأمر في بلادنا مختلف. و الحوار في بلادنا حصار و غطاء شرعي للانقلاب على الشرعي و سحب للبساط من المؤسسات القانونية و إفراغها من محتواها و تحويل المسار الحقيقي للثورة التونسية في اتجاهه الخاطئ. و لا تعجب فإنك في بلاد العجائب.

فحين فشلت كل سيناريوهات الانقلاب المستنسخة، استئناسا بالتجربة المصرية الأليمة و الكارثية. و حين فشل الإنقلابيون في بلادنا إلى استمالة الجيش الوطني و جره إلى لعبة سياسية قذرة تأكل الأخضر و اليابس. كان الحوار بما يحمله من معان راقية و أبعاد حضارية، مدخلا جديدا و مقدمة بديلة لانقلاب بارد يسحب من المؤسسات الشرعية جميع صلاحياتها و يحتل المشهد السياسي ليحرك اللعبة و اللاعبين وفق أجندات جاهزة و يدير شؤون البلاد من خلال مولود لقيط لا أصل له و لا جذور أطلقوا عليه اسم الرباعي الراعي و صدق من قال عنه حمارا فكم من زلة لسان تكشف عما يحيك بالجنان....
و سرعان من انكشف اللثام عن الخطة القذرة و المخطط الانقلابي الخبيث، حين تعالت الأصوات من داخل المؤسسة الشرعية التي تمثل صمام الأمان لهذا البلد و تجسد الإرادة الحقيقية و المباشرة للشعب. فقرر نواب المعارضة بالمجلس التأسيسي الانسحاب و مقاطعة أعمال المجلس في اعتصام الأرز بالفاكهة في تقاطع غريب و عجيب مع دعوات الرباعي الراعي. و سرعان ما تبدت خيوط اللعبة عندما بدأ المنسحبون يفرضون خيارات الحوار الوطني و يتحركون داخل المجلس و خارجه طبق مخططاته و برامجه...

و انكشف المستور بالكامل و اتضحت الصورة بكل ملامحها حين تعالت الأصوات من بعض المعارضة المهووسة بالرفض المريضة قديما بداء الخضوع و الخنوع و المتلبسة حديثا بالثورية و البطولة...فصدعت رؤوسنا و صمت أذاننا بدعواتها لحل المجلس و استقالة الحكومة و استقالة رئيس الجمهورية و أن يسند الأمر كله إلى الرباعي الراعي ليحل محلهم جميعا في تسيير شؤون البلاد و العباد....و قد بلغ الأمر ذروته حين اقترح حكيم الزمان و فلتة الدهر على زعيم الأمة و قائدها أن يتولى رئاسة الحكومة، لولا أنه –من ألطاف الله – اعتذر عن الوليمة و قرر أن يستمر في مسك الشكيمة ليقود الحمار و يضبط المسار. و لا تعجب فإنك في بلد العجائب.

في تونس، ينطبق المثل المصري الشهير. يقتل القتيل و يمشي في جنازته . هذا بالضبط ما يحدث في بلادنا. سياسيونا الذين أدمنوا البروز على بلاتوات الإعلام المأجور ليصوروا لنا اللأضاع في شكل كارثي قصد إقناع المواطنين بفشل الحكومة و عجزها عن تسيير البلاد، هم أنفسهم من يقفون وراء الإضرابات و يمولون الإعتصامات. و اتحاد الشغل الراعي الأبرز للحوار الوطني، يحرض الأطباء على الإضراب احتجاجا على مشروع قانون يلزمهم بالعمل بالمناطق الداخلية، ثم يقود المسيرات و الاحتجاجات و الإعتصامات بالمناطق الداخلية للتنديد بسياسة الحكومة التي حرمت هذه المناطق من كليات طب....و لا تعجب فأنت في بلد العجائب.

ليس هذا فقط. بالأمس القريب، أطل علينا فرعون تونس يلقنه هامان مفردات الوعد و الوعيد. ليهدد و يتوعد الشعب التونسي بالويل و الثبور إذا ما فشل الحوار الوطني و هو يعلم مسبقا أنه سيفشل.و هو بالأساس موجود لإفشاله و ليكون الفشل منطلق لسيناريو الإرهاب الذي يهدف إلى خلخلة الواقع و زعزعة الاستقرار و ضرب مقوماته لينتهي إلى فرض خياراته بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء و تحقيق ما فشلت و قصرت دونه كل المحاولات السابقة.
و لعل الوثيقة المسربة عن الإتحاد الجهوي للشغل بقفصة مؤخرا، توضح الخطوات القادمة لهذه المنظمة ضمن آليات السيناريو الجديد. و بقطع النظر عن صحة هذه الوثيقة من عدمها، ففي الواقع ما يفسر محتواها و في التبصر ما يغني عن النظر.
و مما زاد الوضع تعكيرا و تعقيدا، ما يروج له الإعلام من أعمال إرهابية تتهدد أبناءنا و فلذات أكبادنا في المؤسسات التعليمية. لندرك جميعا أن الإرهاب في بلادنا صناعة لأياد محترفة تعرف كيف و من أين يمكن أن يضرب الاستقرار و يزعزع الأمن. أبناؤنا التلاميذ الذين يعانون ألوانا من النقص في معداتهم و تجهيزاتهم المدرسية و قصرا في التأطير البيداغوجي و غيابا شبه كامل للكفالة الاجتماعية لفئات كثيرة تعاني الفقر و العوز و قلة ذات اليد و تقطع المسافات الطويلة مشيا على القدمين لطلب العلم مع نقص في الغذاء و اللباس و الأمن...ليجدوا أنفسهم في مواجهة مع عدو جديد لا لون له و لا شكل و لا طعم سوى رائحة الموت و طعم الموت و لون الدم المسفوك غدرا...
فيا صاحب الحمار إلى أين المسار؟ ألم يكفكم ما قدمته الحكومة من تنازلات و تنازلات و ما عقدته من صفقات مذلة لتعودوا لنا من جديد بنفس الأطروحات القديمة. لتقايضوا هذا الشعب على حريته و كرامته مقابل الأمن و الاستقرار؟؟؟؟
رغم كل التهديدات و الوعيد و رغم الخطط التي تحاك في ظلام الليل لتسرق من الشعوب شمعة الأمل الوحيدة التي ما زالت تضيء في هذا البلد، فأنا على قناعة تامة بأن الإرهاب في تونس لن يفلح. لأنه لقيط لا جذور له و لا مبررات و لا مستقبل. و سيموت الحمار ليولد حصان بأجنحة الحرية و الكرامة. لا يستطيع أن يركبه الطامعون و المتسلقون و أصحاب المصالح الضيقة...





Comments


9 de 9 commentaires pour l'article 76077

BenMoussa  (Tunisia)  |Mardi 10 Decembre 2013 à 19:33           
شكرا أستاذ عبد الجليل، مقال متميز وتحليل صائب ممن لم يفقد الأمل في الشعب،
جازاك الله كل خير فقول الحق فضيلة

ENISSAH  (Tunisia)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 21:01           
ياأخي "فيقو" هل تظن أن المواطن الذي ذهب بعد ستين سنة
من الانتخابات "الديكورية ، المزيفة بشهادة قيدوم السياسيين وأوسعهم خبرة في هذا المجال سي الباجي "
لاول انتخابات حرة ، نزيهة وشفافة ،
هل تظن أن هذا المواطن الذي قرر أن ينتخب حزب " الفيل مثلا " لمدة سنة لصياغة دستور جديد .
لو قيل له أن المدة اللازمة لصياغة الدستور هي ثلاثة سنوات سيغير رأيه وينتخب حزب " الحمار مثلا " بدل حزب الفيل الذي كان سيختاره لمدة سنة .
هذا ولا تنسى أن آليات التحكم في سرعة عمل التأسيسي ، هي مسؤولية جميع من جلس تحت القبة ، أغلبية وأقلية ،
و بدون أن نحتسب الوقت الضائع جراء الانسحابات التي هي ابداع تونسي خالص لانحسد عليه .
وبعد كل هذا ، لنفترض أن النواب المنتخبين أساؤوا استعمال الوكالة المسندة اليهم عبر الانتخابات ، مالعمل ؟
هل نطردهم ونأتي بغيرهم ؟
وغيرهم الذين سيحلون مكانهم ، كيف سنأتي بهم ؟
سننتخبهم طبعا .
واذا ، كان على الذين يرون هذا الرأي ، أن يطالبو بانتخابات تاسيسية مبكرة ، ولايطالبوا برحيل الحكومة والمجلس التأسيسي .
هذا رأيي أطرحه للنقاش ، والله يهدي الجميع الى مافيه الخير والسلام

MSHben1  (Tunisia)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 17:41           
ايها الشعب الكريم اللعبة اضحت مكشوفة . المخلوعون و الرأس المال الفاسد و المعارضة الغبية و بقايا الامنيين الفاسدين و القضاة المستكرشين و نقاباة الدروشة و السياسة الرعوانية و اعلام العار الذي يهيء لهم فضاء النشاط كل هؤلاء سيينتحرون امام قوة الشعب جراء غبائهم المتقع كما انتحر التجمع المخلوع . هدف الشعب الاول في حال احداث الفوضى هي القنواة التلفزية و الجرائد ثم النقابات و الاتحادات الجهوية و تأميمها لصالح الوطن بعد دحر الاطر المضادة للثورة .

انا mshben1.

MOUSALIM  (Tunisia)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 16:35           
بالمختصر المفيد شعبنا إنتصر على المخلوع وألقى به خارج أسوار القلعة المحصنة بشعبها البطل وسينتصر مجددا على مليارات الوليد ابن طلال و سعود الفيصل وأمراء الإمارات ومهندسي الإنقلاب من المخابرات الفرنسية التي تستعرض عضلاتها في مالي وإفريقيا الوسطى كل هؤلاء وكتائبهم في الإتحاد والنداء والجبهة ونقابة الأمنيين والبلاطجة والشبيحة والباندية والفصائل كلهم تعود شعبنا على هزمهم شر هزيمة في النافورة والقصبة وعبر الولايات وأينما ولوا وجوههم فشعبنا لهم بالمرصاد
ولم يتبقى لهم سوى الفرقعات الصوتية عبر الإعلام فلا تهتموا للأمر فالنجاح كالعادة حليف شعبنا على الدوام بفضل الواحد القهار ....

Wajjdii12  (Qatar)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 16:25 | Par           
شرعية …بالشرعية …للشرعية…مع ااشرعية … لعنة الله على هالشرعية المنتهية الصلاحية

Dorra  (Italy)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 16:09           
إلى الخراب في ضل حكم بوخنوج

Jaloulnet  (Tunisia)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 16:08           
AFikou (Tunisia)
لو فهمت ما يحدث في العالم و ما يدبر لبلادك داخل و خارج أسوارها لأمكنك فهم المقال و لكن دفعتك الحماسة إلى النقد بغير تبصر.

Fikou  (Tunisia)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 13:17           
ما زال سي عبد الجليل الجوادي يتغنى بالشرعية وكأنها أصبحت خنجرا يرفع في وجه كل من يعارض الفاهمين لمعناها خطأ.
فالشرعية أيها الكاتب لا تكتمل بمجرد الوصول إلى الحكم كما تتصور و يتصور هؤلاء المغلطين. فأول بند لاكتمال الشرعية هو تحديدها بمدة زمنية متفق عليها
وبناء على هذا فشرعيتكم ملغات
فحكومتكم"هشة سياسيا" وديمقراطيا،وشرعيتكم أشبه بالوضع عند الأطفال الحديثي العهد باللعب،فكما يتمسك الطفل بلعبته خشية أن ينتزعها منه أحدهم تتمسكون أنتم بشرعيتكم
فتجدكم لا تكفون عن ترديد كلمة "الشرعية" في كل خطاب،معتقدين أن ذلك سيضمن لكم رسوخها أبد الدهر،وكأني بكم لا ينقصكم سوى أن تعينوا براحا ليتجول في أحياء كل المدن و القرى مخاطبا الناس"يا عباد الله الحكم حكم الله إن شاء الله، راهي الحكومة الفولانية عندها"الشرعية" و اللي ينقدها ما يلوم كان راسو، و الحاضر إبلغ الغايب

Aziz1  (Tunisia)  |Lundi 9 Decembre 2013 à 12:13           
المسار متجه نحو زريبة البغال بطبيعة الحال


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female