إلى أين المسار... يا صاحب الحمار؟؟

عبد الجليل الجوادي
الحوار أسلوب حضاري و خصلة أخلاقية كريمة حين يكون بديلا عن الخصام و النزاعات و ربما الاقتتال. و الحوار آلية راقية يلجأ إليها الأفراد و الجماعات عن وعي و رغبة في تحكيم العقل و المنطق لحل الخلاف و الوصول إلى توافقات تقرب وجهات النظر حول مسألة معينة و يكون بديلا ناجعا و مجديا عن الخصام الذي يغيب فيه كل المنطق و كل العقل و تتحكم فيه النعرات و العصبيات و المصالح الضيقة التي لا تقدر العواقب و تكون سببا قريبا و مباشرا لأن يسقط البيت على ساكنيه.
الحوار أسلوب حضاري و خصلة أخلاقية كريمة حين يكون بديلا عن الخصام و النزاعات و ربما الاقتتال. و الحوار آلية راقية يلجأ إليها الأفراد و الجماعات عن وعي و رغبة في تحكيم العقل و المنطق لحل الخلاف و الوصول إلى توافقات تقرب وجهات النظر حول مسألة معينة و يكون بديلا ناجعا و مجديا عن الخصام الذي يغيب فيه كل المنطق و كل العقل و تتحكم فيه النعرات و العصبيات و المصالح الضيقة التي لا تقدر العواقب و تكون سببا قريبا و مباشرا لأن يسقط البيت على ساكنيه.
بهذا المنطق نفهم أن يكون الحوار سبيلا لإنارة السبيل و دليلا حين تضيق الحيلة و يضيع الدليل. و نهجا قويما يخرجنا من الضبابية إلى الوضوح و من المؤقت إلى الاستقرار و الطموح و من الشرعية إلى الشرعية بطيب النوايا و صدق الطوية.
و لكن الأمر في بلادنا مختلف. و الحوار في بلادنا حصار و غطاء شرعي للانقلاب على الشرعي و سحب للبساط من المؤسسات القانونية و إفراغها من محتواها و تحويل المسار الحقيقي للثورة التونسية في اتجاهه الخاطئ. و لا تعجب فإنك في بلاد العجائب.

فحين فشلت كل سيناريوهات الانقلاب المستنسخة، استئناسا بالتجربة المصرية الأليمة و الكارثية. و حين فشل الإنقلابيون في بلادنا إلى استمالة الجيش الوطني و جره إلى لعبة سياسية قذرة تأكل الأخضر و اليابس. كان الحوار بما يحمله من معان راقية و أبعاد حضارية، مدخلا جديدا و مقدمة بديلة لانقلاب بارد يسحب من المؤسسات الشرعية جميع صلاحياتها و يحتل المشهد السياسي ليحرك اللعبة و اللاعبين وفق أجندات جاهزة و يدير شؤون البلاد من خلال مولود لقيط لا أصل له و لا جذور أطلقوا عليه اسم الرباعي الراعي و صدق من قال عنه حمارا فكم من زلة لسان تكشف عما يحيك بالجنان....
و سرعان من انكشف اللثام عن الخطة القذرة و المخطط الانقلابي الخبيث، حين تعالت الأصوات من داخل المؤسسة الشرعية التي تمثل صمام الأمان لهذا البلد و تجسد الإرادة الحقيقية و المباشرة للشعب. فقرر نواب المعارضة بالمجلس التأسيسي الانسحاب و مقاطعة أعمال المجلس في اعتصام الأرز بالفاكهة في تقاطع غريب و عجيب مع دعوات الرباعي الراعي. و سرعان ما تبدت خيوط اللعبة عندما بدأ المنسحبون يفرضون خيارات الحوار الوطني و يتحركون داخل المجلس و خارجه طبق مخططاته و برامجه...
و انكشف المستور بالكامل و اتضحت الصورة بكل ملامحها حين تعالت الأصوات من بعض المعارضة المهووسة بالرفض المريضة قديما بداء الخضوع و الخنوع و المتلبسة حديثا بالثورية و البطولة...فصدعت رؤوسنا و صمت أذاننا بدعواتها لحل المجلس و استقالة الحكومة و استقالة رئيس الجمهورية و أن يسند الأمر كله إلى الرباعي الراعي ليحل محلهم جميعا في تسيير شؤون البلاد و العباد....و قد بلغ الأمر ذروته حين اقترح حكيم الزمان و فلتة الدهر على زعيم الأمة و قائدها أن يتولى رئاسة الحكومة، لولا أنه –من ألطاف الله – اعتذر عن الوليمة و قرر أن يستمر في مسك الشكيمة ليقود الحمار و يضبط المسار. و لا تعجب فإنك في بلد العجائب.
في تونس، ينطبق المثل المصري الشهير. يقتل القتيل و يمشي في جنازته . هذا بالضبط ما يحدث في بلادنا. سياسيونا الذين أدمنوا البروز على بلاتوات الإعلام المأجور ليصوروا لنا اللأضاع في شكل كارثي قصد إقناع المواطنين بفشل الحكومة و عجزها عن تسيير البلاد، هم أنفسهم من يقفون وراء الإضرابات و يمولون الإعتصامات. و اتحاد الشغل الراعي الأبرز للحوار الوطني، يحرض الأطباء على الإضراب احتجاجا على مشروع قانون يلزمهم بالعمل بالمناطق الداخلية، ثم يقود المسيرات و الاحتجاجات و الإعتصامات بالمناطق الداخلية للتنديد بسياسة الحكومة التي حرمت هذه المناطق من كليات طب....و لا تعجب فأنت في بلد العجائب.
ليس هذا فقط. بالأمس القريب، أطل علينا فرعون تونس يلقنه هامان مفردات الوعد و الوعيد. ليهدد و يتوعد الشعب التونسي بالويل و الثبور إذا ما فشل الحوار الوطني و هو يعلم مسبقا أنه سيفشل.و هو بالأساس موجود لإفشاله و ليكون الفشل منطلق لسيناريو الإرهاب الذي يهدف إلى خلخلة الواقع و زعزعة الاستقرار و ضرب مقوماته لينتهي إلى فرض خياراته بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء و تحقيق ما فشلت و قصرت دونه كل المحاولات السابقة.
و لعل الوثيقة المسربة عن الإتحاد الجهوي للشغل بقفصة مؤخرا، توضح الخطوات القادمة لهذه المنظمة ضمن آليات السيناريو الجديد. و بقطع النظر عن صحة هذه الوثيقة من عدمها، ففي الواقع ما يفسر محتواها و في التبصر ما يغني عن النظر.
و مما زاد الوضع تعكيرا و تعقيدا، ما يروج له الإعلام من أعمال إرهابية تتهدد أبناءنا و فلذات أكبادنا في المؤسسات التعليمية. لندرك جميعا أن الإرهاب في بلادنا صناعة لأياد محترفة تعرف كيف و من أين يمكن أن يضرب الاستقرار و يزعزع الأمن. أبناؤنا التلاميذ الذين يعانون ألوانا من النقص في معداتهم و تجهيزاتهم المدرسية و قصرا في التأطير البيداغوجي و غيابا شبه كامل للكفالة الاجتماعية لفئات كثيرة تعاني الفقر و العوز و قلة ذات اليد و تقطع المسافات الطويلة مشيا على القدمين لطلب العلم مع نقص في الغذاء و اللباس و الأمن...ليجدوا أنفسهم في مواجهة مع عدو جديد لا لون له و لا شكل و لا طعم سوى رائحة الموت و طعم الموت و لون الدم المسفوك غدرا...
فيا صاحب الحمار إلى أين المسار؟ ألم يكفكم ما قدمته الحكومة من تنازلات و تنازلات و ما عقدته من صفقات مذلة لتعودوا لنا من جديد بنفس الأطروحات القديمة. لتقايضوا هذا الشعب على حريته و كرامته مقابل الأمن و الاستقرار؟؟؟؟
رغم كل التهديدات و الوعيد و رغم الخطط التي تحاك في ظلام الليل لتسرق من الشعوب شمعة الأمل الوحيدة التي ما زالت تضيء في هذا البلد، فأنا على قناعة تامة بأن الإرهاب في تونس لن يفلح. لأنه لقيط لا جذور له و لا مبررات و لا مستقبل. و سيموت الحمار ليولد حصان بأجنحة الحرية و الكرامة. لا يستطيع أن يركبه الطامعون و المتسلقون و أصحاب المصالح الضيقة...
Comments
9 de 9 commentaires pour l'article 76077