حركة النهضة وغنيمة السلطة

<img src=http://www.babnet.net/images/8/ezzedineanaya.jpg width=100 align=left border=0>


عزالدين عناية
أستاذ تونسي بجامعة روما-إيطاليا



سفينة الربيع العربي التي أبحرت من تونس عادت إلى مرفإ الانطلاق خاسئة حسيرة. ومرساها في تونس ليس على الجوديّ، فهي تترنّح وقد اشتدت بها الريح في يوم عاصف. ذلك ما لاح لي خلال شهر أغسطس/أوت الذي قضيته في بلدي. فالتجربة تشهد امتحانا عسيرا، ومكابرٌ من يدعي ان الأوضاع مستتبة والعواصف سكنت. لقد تعثرت الأمور في جل الميادين، وطفح مقتٌ من قلوب الناس شاع على الألسن. وأرجّح أن الحالة عائدة بالأساس لعامل رئيس على صلة بمسلك حركة النهضة. أن النظر للواقع لدى قادتها، يختزل عقماً تاريخيا يعاني منه العقل الديني الإسلاموي، بموجب افتقاره إلى السداد والحصافة والفطنة. فهناك اعتماد على الولاء المستند إلى المعايير الحزبية البالية، دون إيلاء انتباه إلى شروط القوة والأمانة والعلم والكفاءة الواردة في قوله تعالى: قالت إحداهما يا أبت استأجره إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين و قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم . فتغيير سياسي واجتماعي منشود، تزعمته حركة النهضة، انفضّ من حوله المثقفون والعارفون والجامعيون والعلماء وانتصرت له الدهماء، هو تغيير أعرج لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع.



لقد حُشر المجلس التأسيسي وجحافل الحكومتين، الساقطة والمترنّحة، ومؤسسة الرئاسة، بغثاء كالسيل من المتسلقين غير الأكفاء. هذا الضعف الهيكلي في بنية النهضة التونسية وحلفائها جعلها أمْيل في سياساتها وقراراتها إلى التنطع وتعنّت الجاهلين منه إلى نباهة العارفين. يحسب قادة النهضة في جموع الغوغاء الذين يتمّ حشدهم عند الطلب قوةً وسنداً، ودارهم أوهن من بيت العنكبوت، أقلها أن حركة مليونية لا تملك في صفّها قلما رشيقا ولا صحيفة محترمة.
في الدارجة التونسية نقول: مغبون وطاحت عليه نفقة حين تصيب النعمة المعدَم، فتنسيه أمسه وتلهيه عن غده، وذلك حال حركة النهضة لمّا داهمتها نِعم السلطة بعد الثورة، فطفقت تخبط خبط عشواء حينا في الطهارة وأخرى في القذارة. ردد أنصارها بزهو مفرط حين هلت السلطة قوله تعالى: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، ولكن آي سورة آل عمران تُقرأ حين تقبل الأيام وحين تدبر. وفي زحمة الوقائع العصيبة في مصر، التي يرتد وقعها إلى تونس، درسٌ بليغ للمتبصرين.
في الأشهر الأولى عقب الثورة التونسية حرصتُ على دعوة الأستاذ راشد الغنوشي إلى جامعة لاسابيينسا في روما، أكبر الجامعات الأوروبية، فلبى الدعوة مشكورا، وذلك للمشاركة في ندوة عن التحولات السياسية في البلاد العربية. سألته في ختام مداخلته: ألا ترون أن الرؤية التي تعتبر الحكم غنيمة سياسية، هي مسألة في غاية الخطورة، لأن النظام الديمقراطي المنشود، هو مسار تصنعه أطراف متضافرة، ليبرالية ويسارية وإسلامية؟ بصفة الفكر الذي يَعُدّ الوصول إلى السلطة مغنما يتضمّن خطورة، وأتصوّر أن الفكر الإسلامي مطالب أن يُطوِّر النظر إلى السلطة كونها ليست غنيمة، بل هي مسار تحوُّلٍ يخوضه الجميع سويّا.
جاءت إجابة الأستاذ راشد سياسيةً أكثر منها أكاديمية، معللا القول بالاستحواذ على السلطة: أن مرده عائد إلى تصريح صدر عن الشيخ القرضاوي، قال فيه إن الاشتراكيين أخذوا حظّهم، وأن الرأسماليين العلمانيين أخذوا حظهم، والآن جاء وقت الإسلاميين، فهل هذا يتناقض مع الديمقراطية؟ هل هذا يحوّل الحكم إلى مجرّد غنيمة؟ يمكن، ولكن ليس بالضرورة، فكلّ حزب يبشّر بنفسه أن له المستقبل، هذه طبيعة العمل السياسي، كلّ يقول لي المستقبل ليجمع الناس حوله. فمن حقّ الإسلاميين أن يفعلوا ذلك، وهذا ليس فيه جريمة، ولكن ما هو السبيل الذي سيسلكه هذا الذي يقول أنا المستقبل، هل سيسلك السبيل الديمقراطي السلمي أم سيسلك طريق المؤامرات والانقلابات؟ .
لا أقدر أن النهضة سلكت مسلك الزاهد في الكراسي والمناصب، فالناس في تونس يتلظون من مسلك رجالاتها في الحكم بعدما اجتاح الأنصار المغانم وقدّموا الأقرب وأخّروا الأكفأ. فقد روى لي أحد المتنفذين في النهضة أنهم أتوا بأحدهم من شغله في مدجنة، ليولّوه ويكلفوه أمر الناس، وهل تفتقر تونس إلى علماء الاجتماع ورجالات القانون والمفكرين والإداريين؟
في هذه المدة الوجيزة من الحكم بدّدت النهضة رأسمالها الرمزي بسرعة فائقة، وحولت الإلف والوئام بين التونسيين إلى صراع إيديولوجي مقيت تضررت منه صورة الدين الحنيف. لم تتعظ فيه من كون الإسلام السياسي منذ نشأته الأولى، فوق الأرض العربية، وُلد خصاميا وصداميا، ليس للأنظمة القمعية فحسب، بل لكافة الحساسيات الفكرية والشرائح الاجتماعية، ما جعله يراكم مقتا هائلا في الداخل والخارج. النهضة غير قادرة على تجميع القوى التونسية حولها في الراهن وأقدّر كذلك في قادم الأيام، وقد كانت السبب في تشتيت القوم وبث الفرقة بينهم. تآكلت الثقة بينها وبين الناس بما يشبه تآكل الثقة بين الرجل الذي نهشت أخاه أفعى فدعاها للصلح فتصالحا، لكنه عزم يوما على قتلها، فلما مرت به ضربها فلم يصبها، ووقعت الفأس على الحجر فأثرت فيه. فأتاها ثانية يدعوها للصلح والعودة إلى ما كانا عليه. فأجابت الحية: أنت لا تصفو لي ما دمت ترى قبر أخيك، وأنا لا أصفو لك ما دمت أرى أثر فأسك. ذلك هو المناخ الذي رعته النهضة وهي أول من جنى حصاده.




Comments


19 de 19 commentaires pour l'article 70982

Dignite  (Tunisia)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 12:12           
Juste pour info l'auteur est un crétien:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=275788

Ridha_mednine  (Europe)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 08:36           
Les étudiants de ce monsieur me font pitié, lisez bien et vous trouvez qu'aucune idée n'était argumentée ou bien fondée, vraiment aucune...
Toujours la même cassette: les erreurs d'Ennahdha, sans citer une seule erreur avec l'argumentation suffisante pour nous faire comprendre si elle est coupable ou pas.
J'ai bien aimé nous dire qui est son ami nahdhaoui, au moins on pourra savoir si c'est vrai ou pas, j'espère pas que ça soit pas le même coup de fil de 'Hamma hemmemi', provenant d'un inconnu lui disant que foulen est impliqué dans l'assasinat de 'Belaid'...
Drole des universitaires.

Zorris  (Netherlands)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 07:29           
@Muradking

http://almothaqaf.com/index.php/hewar/53569.html

http://www.anfasse.org/index.php?option=com_content&view=article&id=4329:christianisme-revolution&catid=53:2010-11-20-20-11-35&Itemid=587




لم ينجح هذا المبشر المتخفي تحت ستار " أستاذ جامعي بايطاليا" أو " مفكر" في التمويه على الطابور التبشيري في بلادنا !!

Appou  (Tunisia)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 04:45 | Par           
اخشى ان يأتي علي يوم احتقر فيه الأساتذة الجامعيين ؛ يا رجل رأيت كل أخطاء النهضة ولم تكلف نفسك حتى بالاشارة الى محاولة الانقلاب على الديمقراطية الوليدة التي ان تخلينا عنها اليوم بذريعة فشل النهضة فلن نستطيع ترسيخها في قادم الأيام مهما فعلنا لأن الذي يخرق القانون مرة لن يتوان عن تكرارها مرات ، لتصبح لدينا ديمقراطية على الطريقة اللبنانية ( تربيطات تحت المحيط )
للأسف يا سيدي مع احترامي لم تشخص الداء ، ومجانبتك للحقيقة عن حقد ايديولوجي هو الذي استفزني .
صدق من قال ان مصيبتنا في نخبنا .

Sb0776  (Tunisia)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 04:35           
هذا السيد يتحدث عن الفطنة وكأن رؤساءه لكي لا أقول أسياده الأوروبيون لا زالت لديهم فطنة يريدون تونس على مقاس حذائهم ويظنون أن كل من تمسك بالدين فهو ظلامي يعنف المرأة بالعصا وله مترين لحية ويلبس الجلباب مثل أفغانستان ولا يعرفون أن هناك من يجاريهم في العلم والفكر وليس متعصبا ولا جاهلا- قل لأسيادك وفا عليكم الرأي وبعد سنوات معدودة ابحثوا عن عمل لأبنائكم افتكه الصينيون والبرازيليون والهنديون والأتراك

NOURMAHMOUD  (Tunisia)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 02:00           
الكلمة المدوية في الديمقراطية هي صندوق الاقتراع. فلننتظر الانتخابات وسيتبين الخيط الأبيض من الأسود وكفانا من حملات التشويه فالشعب لا تنطلي عليه و يدرك جيدا أسباب المشاكل التي تواجهها البلاد.

Jojojo  (Tunisia)  |Lundi 9 Septembre 2013 à 01:20           
خبير تونسي آخر يبرز من وراء البحار يشخص الوضع من زاوية المعارضة و لا يتعرض البتة للبنية الهيكلية المتهالكة للدولة
متخوف من القادم الجديد على الحكم و مرتاح للقديم المبعد عن الحكم
نكبتنا في خبرائنا لقد فقدوا الحس الوطني و غرقوا في الإستمتاع بعائدات كرم الغرب
مارأيهم في كثرة الأحزاب و الجمعيات في بلد كتونس؟
فكثرتهم حولتهم إلى جزء من المشكل لماذا؟
لايكفي أن تكون خبيرا بل وجب عليه أن يأتي بحلول التي يحتاجها البلاد

Goldabdo  (Tunisia)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 22:30           
نفس منطق نداء تونس و نضرية الكفاءة قبل النزاهة. في هاته الفترة لسنا في حاجة لخبراء بقدر حاجتنا لمسؤولين و طنيين يقومون باستئصال ورم الفساد من هذا المجتمع و عندها سنناقش مسألة الكفاءة. للملاحضة فقط سئل أردوقان عن سر نجاح تركيا فأجاب ببساطة لم نسرق.

MuradKing  (Tunisia)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 22:27           
@zorris,

ما هكذا تورد الإبل يا صديقي.
---------
أما بالنسبة للمقال قد كشف سوأة النهضة وتخبطها وأنصارها وخصوصا الخوف المزمن من تكرار محرقة التسعينات. برافو أستاذ عناية.

Zorris  (Netherlands)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 21:45           
هذا الدجال الذي لا يجرأ على كشف مسيحيته للتونسيين, معروف من زمان بنشاطه التبشيري. كتب عشرات المقالات للتعريف باالكنيسة الكاتوليكية..

Karimyousef  (France)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 21:32           
Cher monsieur.
dites moi en quoi la vie politique tunisienne differe de celle de l'italie.des luttes partisanes a non pas finir entre les partis politiques italiens.les idées extremistes et populistes fleurisses comme des champignons.un debat politique tres pauvre et l'italie est plus divisée que jamais et meme grangrenée par la corruption dans certains secteurs.
la verité est que la societé tunisienne est multiple et tres diverse. la liberté dont jouit actuellement a permis de mettre au grand jour ce que la société a refoulé ou a mis en sourdine a cause de l'absence de liberté d'expression et de debats au temps de ben ali.
de meme ce que vous reprochez a la nahdha vous pouvez en faire autant pour l'opposition qui s'est averée tres pauvre et surtout tres sectaire.

Ntzmahdia  (Satellite Provider)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 21:17 | Par           
Il faut pas juger seulements les faits mais aussi les objectifs.

Meinfreiheit  (Oman)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 20:56           
الصراع الايديولوجي لم يغب يوما على تونس و انما احد شقي الصراع و الذي يمثل الاغلبية كان مغيبا ...بينما طرف ثاني يسرح و يمرح و اليوم اصطدمو بالواقع الاليم و الذي هو الشعب مسلم و لن يستسلم مهما فعل البلدية و اليسار المتطرف و فلول التجمع و اتحاد الخراب و رغم دعم انمهم فرنسا ....

Hannabel  (France)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 20:19 | Par           
Vous avez mille raison,ennahda que j appelle Ennakba détruit tous les jours le pays et ses membres ne veulent que rester au pouvoir c leurs buts et faire une dictature pire que Zaba,moi aussi je reviens de la Tunisie et je peux dire que c fini la paix,la sécurité etc....bravo Ennakba et son sale gourou et sous marin ganouchi qui pour moi c Lui le problème de la Tunisie.il se venge...j ai honte pour ce soit disons chik???pour moi c un traitre qui va conduire le pays vers l effusion de sang...rabi yedih...

Kairouan  (Qatar)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 20:14           
هذا النكرة الذي أتحفتنا به بابنت لا يحمل فكرا بل يحمل حقدا على الإسلام

Babou1  (Canada)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 20:13           
أنت لم تكمل لنا حكاية من أتوا به من المدجنة ونصبوه ... ووقفت كغيرك من الكلاب عند ويل للمصلين ... أنت تكلمت على المكشوف فمن هو هذا الشخص وماهي شهائده العلمية ... فنحن نعرف أن العديد من الدكاترة في عهد بن علي باعوا الفول والقلوب والمعدنوس لكي تعيش عائلاتهم ... أنت تسخر ممن عمل بعرق جبينه ... فأين كنت حين كان أساتذتك مهمشين ... أين كان قلمك ... أو إن الرجولة رجعت لك فجأة .

Almichkat  (United States)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 20:11 | Par           
فئران السجون، خفافيش الظلام، بيوت العنكبوت، ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون )

MOUSALIM  (Tunisia)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 20:08           
مقال ممتاز يستعرض أخطاء النهضة القاتلة ولكن يتجاهل تربص المعارضة بالمسار الديمقراطي والعمل على العودة الى مربع الإستبداد والإقصاء وإلقاء الصندوق صوت الشعب في البحر .لقد كانت فرصة للعرب لبناء ديمقراطية بتصور يجمع كل الأطياف والألوان ولكن فيروس الغنيمة لدى كل الأطياف قد تدفع بالجميع نحو المجهول ....

Adamistiyor  (Tunisia)  |Dimanche 8 Septembre 2013 à 19:54           
بمثل هذا المقال تجازى تونس
من لإيم تمتع لايام بشمسها وامنها



babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female