سقوط الأقنعة الانقلابية في تونس

<img src=http://www.babnet.net/images/8/akniainkilabiaaaa.jpg width=100 align=left border=0>



بقلم: أبو محمّد سفيان


لم تخترق الرصاصات الغادرة صدر الشهيد محمد البراهمي لوحده، بل صدر كلّ من آمنَ يوما بوطن يتنفس فيه هواء الحرية. صَدْر كلّ مواطن آمنَ أن يعايش خمسة أو ستة رؤساء مختلفين، لا أن يحيى ويموت على وجه الصّنم الذي لا يموت في أذهان العبيد. صدْر كلّ من حلُم بأن تُشاع خيرات هذا الوطن على كل أبنائه، وليس على قلّة تسكن أحياء البورجوازية المستكرشة. واخترقت صدرَ كل فقير نظر إلى المستقبل بعيون حالمة، بينما أراد الخونة أن ينتزعوا كل الألوان الزاهية من حلمه، ويجعلوه قاتما في لون قلوبهم الحاقدة على هذا الوطن.
...

جميعنا كنّا أمام الشاشات بأفواه مشدوهة ننتظر أيّة معلومة عن الاغتيال الغادر، أيّة صورة من منزل الشهيد لتوضّح الصورة للمواطن المصدوم والمغدور في حلمه. كانت الانتظارات أن تكون ردّة الفعل عفوية كما عند كلّ مصاب. انتظرنا عويلا، انتظرنا حسرة على الفقيد، انتظرنا مطالبة ملحّة لمعرفة القاتل.
صدمني ما رأيت: صورة مغايرة تماما. لا يزال الشهيد في سيارة الإسعاف وكل الوجوه التي امتهنت تصدّر المنابر تطالب بإسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي واستقالة الرؤساء الثلاث. هالني المشهد، وأكرهني على التساؤل أليس هذا ما يريده القتلة؟؟ أفزعني السؤال وحثني أن أظنّ خيرا بهؤلاء، حاولت أن أعيد تشكيل الأحداث في ذهني منذ الثورة علّني أجد مسوّغات منطقية لهذه المطالبات، وفي الخلفية كان المشهد المصري الدامي يلقي بظلاله.
- لقد فاجأت الثورة النظام كما فاجأت العالم. ضحّى النظام برأسه تحت مقصلة الفصلين 56 و57 ليعيش الجسم، فأتت حكومة هجينة تعلوها ألوان بنفسجية لتسطو على أحلام الثوّار، وتستوعبهم تحت تعلّة تواصل الدولة ولم يكن إلا تواصلا للنظام. لم يستسغ ذلك الثوار، فجاءت القصبة 1 والقصبة 2 وألزمتهم كارهين إلى النزول إلى صناديق الاقتراع. كانت النتيجة حاسمة بأن لفظت كل القوى المتواطئة مع النظام، ونصّبت عدوّهم اللدود الذي لازالت آثار السجن في جسده.
- نفس التعامل حصل في مصر، لكن النظام هناك كان يلبس البزة العسكرية، فنصّبوا مجلسا عسكريا بعد أن ضحّوا بقائدهم. أجبرهم الثوار على الاحتكام إلى الصندوق حيث أعلى صوت المضطهدين وخفّض صوت البطش دون أن يكتمه.
- اختار النّظامان العمل بأسلوب يأجوج ومأجوج ألا وهو النبش تحت الأرض، والعمل في الظلام مستغلين قيما أرستها الثورة لا يؤمنون بها من حرية وصفح وتعايش تحت شعار عفا الله عمّا سلف .
- بدأت تتلاقى الأطراف في جنح الظلام: نظام يرى الوطن حظيرة سُلبت منه على حين غرّة، يسار لفظه الشعب يستعر في قلبه حقد دفين على كل كيان يدور في فلك الإسلام، دول ترتعش من تمدّد نسائم الحرية إلى شعوبها وقوى امبريالية خسرت موطئ قدمها وزبانيتها في أوطاننا.
- اتفق الجمع على تحويل وجهة قطار الثورات عن مساره الشعبي المنطلق إلى الأمام، وإعادته من حيث أتى. لكن عودته يجب أن تكون مفخّخة لتدمير كل أمل في رجوعه إلى مساره الصحيح.
- أصبحت مكوّنات الانقلاب جاهزة في عقولهم، وكانت مصر هي الأنسب لتجسيم ما يريدون فعله. فالجيش لا زال تام الولاء لأسياده والاستقطاب على أشدّه علاوة على متاخمته للحدود الصهيونية. وقع استعمال كل خبرات السينما المصرية لإظهار متظاهري التحرير على أنهم 30 مليون – بينما سكّان كامل القاهرة 20 مليون – اقتطف العسكر هذه اللحظة ليجعلوا من الانقلاب استجابة لمطالب الشعب. لكنه اصطدم بإصرار الشرفاء الذين ظنّ الانقلابيون أنهم سيَملّون الاعتصام بعد أيام لكن صمود المعتصمين هدّد كل الانقلاب.
- في هذه اللحظة سال لعاب الذئاب التي كانت ترتدي رداء الحمل في بلادنا، وسقط قناع المنافقين مؤقتا، وبدئوا يبثون سمومهم في آلة إعلامية احترفت منذ عقود نفث السّموم صباح مساء. بدئوا يقولون إن الوضع شبيه بمصر وأن سقوط الدولة وشيك.

هنا تنبّهت من غفوتي واستفزني هذا الاستنتاج المسقط. فواقعنا يختلف اختلافا جذريا عن واقع مصر بل أن المعارضة المصرية (مثال حمدين صباحي في زيارته الأخيرة إلى تونس) كانت تقول بأن المنهج الذي اتخذه التونسيون هو المنهج الأفضل.
تمهّلت حتى لا أصيب قومٌا بجهالة، ثم وضعت أمامي الصورة الآنيّة للمشهد:
• النهضة تحكم في إطار ائتلاف مع قوى يسارية معتدلة، وقد امتهنت التنازلات لمعارضيها حتى خلقت عداوات في التيارات الإسلامية الأخرى، على عكس الإخوان في مصر الذين تفرّدوا بالحكم.
• النموذج الذي نعيشه من مجلس تأسيسي وصياغة دستور جديد كان مطلب اليسار عندما كان يمثل الأغلبية في هيئة منصّبة بعد الثورة يقودها عياض بن عاشور.
• المرحلة الانتقالية شارفت على النهاية بتنصيب كل الهيئات المنتخبة ( الإعلام – القضاء – الانتخابات ...) والشروع في نقاش الدستور فصلا فصلا، بل في الأيام الماضية وبعد أحداث مصر احتفلت المعارضة بحصول توافقات - بل تنازلات - من النهضة في الفصول محلّ الجدل والتجاذبات.
• المعارضة عندنا تفتقد إلى موطأ قدم في الشارع، فلا شعبية لديهم تحرّك الجماهير، ممّا فرض عليهم العيش في العالم الافتراضي وأصبحت أهم نشاطاتهم على الفايسبوك وبلاتوهات التلفزات والإحصائيات المغلوطة (قليل من يعلم أن المقرّ الرئيسي لحزب المسار الذي يظهر ناطقه الرسمي سمير بالطيب يوميا في جميع المنابر دائما مغلق)
• الجيش وهو مربط الفرس، والمحتكر للقوة ليس له عقلية الحكم الموجودة في مصر. حتى من تخرّج من صفوفه وحكم تونس، فعل ذلك بعد أن نزع عنه سترة العسكر ولبس سترة الأمن. بل بعد استيلاءه على الحكم وخوفا من الانقلاب أضعف هذه المؤسسة وقتل معظم قادتها وكأنه نزع عنها أنيابها.
• التزامن المريب مع حملة الاغتيالات للمعارضين في ليبيا وتونس.
بدأت تتضح ملامح الصورة. المجتمعون في الظلام الدامس أفزعتهم أن تُزهِر ثورة تونس وتُؤتي أكلها ضعفين. بدأتُ أفهم أسباب التعطيل المتواصل في تقدّم أعمال المجلس التأسيسي من بعض النواب، بسبب وبغير سبب، والذين كانوا يهرولون إلى المنابر اثر ذلك ليقولوا أين الدستور ؟ . الآن فهمت لماذا أزبد منجي الرحوي لحظة انتخاب الهيئة العليا للانتخابات بثلثي الأصوات. الآن فهمت لماذا تغيّب 50 نائبا متعمّدين لكي لا يكتمل النصاب لاختيار العضو التاسع والأخير من الهيئة.
كل ما سبق كان محاولات مستميتة من الداخل المتآمر بانتظار دعم من الخارج يقلب كل الموازين، ويقوم بدور الصاعق déclencheur لعجز أطراف الداخل على تحريك الجماهير. جاء الدعم بألوان حمراء قانية. تقرّر تقديم قربان آخر بعد الشهيد شكري بلعيد.
حال صدور بيان وزير الداخلية ومعرفة المنفّذين المباشرين استحضرت ألاعيب المخابرات الفرنسية وتحرّكاتها في الحرب الأهلية الجزائرية، حين تواطئوا مع الجيش بإرسال أصحاب اللحيّ الطويلة المخترقين، وكان دورهم ذبحٌ وقتلٌ في القرى ثم يأتي الإعلام لتصوير الجرائم كي يستبيح الجنرالات كل الحركات الإسلامية. نفس الأسلوب ونفس البصمات نراها في تونس اليوم.
معلومة أخرى تدفعنا للتفكير في هذا الاتجاه. القاتل كان يقضي حكما بـ 7 سنين في السجون الفرنسية ينتهي في 2015. أُفرجت عنه بعد سنتين السلطات الفرنسية أي سنة 2010 ليتموقع (يزرع) في تونس، حتى أن نظام بن علي لم يثر حوله القلاقل رغم تاريخه الإرهابي بين العراق وسوريا.
هل كان كلّ ما سبق سياقا تتقاذفه الصُّدْفة ؟ أم هو تقاسم للأدوار في مشهد الإجهاز على الوطن والثورة في مهدها ؟

لقد قرّر الانقلابيّون في مصر امتطاء ظهر الدبّابة،
وقرّر الانقلابيّون في تونس امتطاء ظهر التابوت.





   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


9 de 9 commentaires pour l'article 69042

Fredj1  (Tunisia)  |Mardi 30 Juillet 2013 à 11h 14m |           
الى السيد المحترم كاتب المقال أبو محمد سفيان

ما كتبته يا سيد ابو محمد هو الحقبقة وكل الوطنيين الاحرار فهموا اللعبة القدرة التى تلعبها المعارضة السخيفة واللاوطنية بالاشتراك مع الاتحاد العام التونسي للشغل الدى باع البلاد والعباد ونراه يواصل التآمر على تونسنا العزيزة وعلى شعبها وخاصة طبقتها الشغيلة

انا انصح مسؤولي الاتحاد ومسؤولي الاحزاب المعارضة ان يعودوا الى رشدهم قبل فوات الاوان وان لا يضيعوا على انفسهم وعلى تونس وشعبها الفرصة الدهبية التى من بها الله للعودة الى مسار الامم العظيمة وهده فرصة تاريخية لتونس وشعبها لقيادة العالم العربي والاسلامي نحو الرقي والحرية والكرامة التي سلبت منه فترة الاستعمار الى يومنا هدا

كدلك نصيحة للاحزاب الحاكمة والمجلس التاسيسي الرجاء الاسراع في اتمام الفترة الانتقالية الحاليةوالمرور الى الانتخابات قبل نهاية سنة2013
في الختام اشكر كاتب هدا المقال وادعوه الى مواصلة الكتابة لتنوير الراي العام وتوعيته لاني متأكد ان الشعب التونسي في حاجة اكيدة لهاته الدروس بعد تجفيف وتصحير الافكار النيرة طيلة ما يفوق الثلاثون سنة

3loulou  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 17h 29m |           


خاص : الامارات العربية تعرض “400″ مليون ” على كل نائب يستقيل من المجلس التأسيسي

http://th3-joker.com/archives/453

نقلا عن موقع الحقيقة – علمت الحقيقة ومن مصادرها الخاصة و الجديرة بالثقة انه تسعى دولة الامارات من خلال مبعوثها الخاص لتونس لشراء نواب المجلس التاسيسي من خلال اغرائهم بمبلغ خيالي 400 ألف دينار مقابل تخليه عن منصبه في المجلس التأسيسي و تقديم استقالته
و يذكر ان الامارات العربية كانت من اكثر الدول مساندة للانقلاب العسكري الذي حدث في مصر

شاركها !


Toonssii  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 17h 15m |           

رسم تمثيلي وضح كل شيء و بسطو للي مازالت نيتهم صافية و موش فاهمين ميا بالميا

نظرية أقتل صديقك ليرتفع سقف مطالبك.. , و لتتهم عدوك...
كذلك قتل "ستالين" رفيق دربه القيادي الشيوعي "تروتسكي


Toonssii  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 17h 04m |           

@ kamelsaidi

بالضبط خطفتها من فمي

kamelsaidi (tunisia) |lundi 29 juillet 2013 à 12h 41m||
تحليل متميز من صحفي متميز لا يعجب أولاد الحرام المتمييزين ... مرقدوا الله لا يقوم فيكم ...


Hemida  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 14h 21m |           
لقد فهم جل المواطنين اللعبة القذرة التي تسعى إليها المعارضة المهزومة في جر البلاد الى الهاوية و الى المجهول و ربما الى حرب اهليةً... استطيع ان اجزم ان كل عنصر التامر على النظام القاءم لا يهمهم الشعب بقدر ما تهمهم الكراسي و الولاء الى أسيادهم في الخارج و لأقولها صراحة أسيادهم بفرنسا... و لكن الذي يعلمني هو موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اصبح ينادي بدوره بإسقاط النظام . فتبا للعباسية و من معه بعد ان اصبح الاضراب العام عندهم كالعادة الصراحة
للمضغ. كم انت حقير يا عباسي ؟؟؟

Kamelsaidi  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 12h 41m |           
تحليل متميز من صحفي متميز لا يعجب أولاد الحرام المتمييزين ... مرقدوا الله لا يقوم فيكم ...

MOUSALIM  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 12h 10m |           
مقال متميز فتحية لكاتبه ولمعرفة القتلة يمكن مراجعة الشريط لتبين أول القادمين لموقع الجريمة لترديد الشعارات المنادية بالانقلاب على الشرعية -المجرم موجود دوما في موقع الجريمة ....

Mandhouj  (France)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 11h 40m | Par           
Jamais jamais jamais, on acceptera le retour du rcd surtout à travers certains directeurs au ministrère de l'intérieur qui réclament en public une politique de sécurité à la ben Ali. Nous voulons des mesures urgentes contre ces gens ''les anciens du système'', oui pour une nouvelle politique de sécurité qui répond aux défis sécuritaires (terrorisme, anti espionnage, assassinas politiques, contre bande, violence urbaine, contre révolution).
Le gouvernement, la presidence de la république, la présidence de l'ANC, il faut qu'ils sachent qu'il y a tout un peuple derrière eux.
À bas la contre révolution. Ben Ali harab. Mandhouj Tarek.

Docttn  (Tunisia)  |Lundi 29 Juillet 2013 à 11h 37m |           
هزان و نفظان من شبه صحافي الا ربع


babnet
All Radio in One    
*.*.*