التآمر الدولي... و الغباء و الحمق السياسي العربي في المحرقة السورية
بقلم: توفيق بن رمضان
في البداية أقول: يجب أن لا يفهم من كلامي أنّني من المساندين للنّظام السوري، بل أنا أؤكّد على أنّني من الذين يقفون على نفس المسافة من النظام و المقاتلين من كلّ الفصائل و الشرائح و الاتجاهات و الفرق.
في البداية أقول: يجب أن لا يفهم من كلامي أنّني من المساندين للنّظام السوري، بل أنا أؤكّد على أنّني من الذين يقفون على نفس المسافة من النظام و المقاتلين من كلّ الفصائل و الشرائح و الاتجاهات و الفرق.
أولا و في البداية يجب التّوضيح أنّ كافة دول العالم و منها بالطبع دول العالم العربي و الإسلامي يدورون في فلك و إطار النّظام الدولي المتصهين، أي إنّ اللاعبين و الفاعلين السياسيين يتحرّكون و يدورون داخل حلبة النظام الدولي الغربي المتصهين، و كلّ من يخرج من الحلبة الزريبة و يتجاوز و لا يحترم قواعد لعبته يعمل على التصدّي له و إعادته للحلبة و يجبر على احترام قواعد لعبتهم و إلا يكون مصيره المحاربة و التدمير و السحق، و هذا ما هو حاصل مع إيران منذ أكثر من ثلاث عقود، و ما حصل في السابق مع صدام و القدافي رغم تحفظاتي عليهما، و هذا ما هو حاصل منذ أكثر من سنتين مع النّظام السوري، و لكن في سوريا الكل يتحمّل مسؤولية الدمار و التقتيل حكاما و ثوارا، و الأطفال و النساء الأبرياء يدفعون ثمن التناحر السياسي و الفتنة المدمّرة للعباد و البلاد.
و مستقبلا لنتمكّن من التخلّص من هيمنة النظام السياسي الغربي و نتجنّب تآمره و تدخلاته السافرة في شؤوننا، يجب على النخب العربية و الإسلامية أن تعمل على صنع نظام سياسي جديد خاص بشعوبنا و دولنا، أي نظام سياسي جديد محلّي ينسجم مع ثوابت الأمة و يحترم خصوصياتها و شرائعها، و إلاّ فلن تقوم لنا قائمة و لن تبنى لنا حضارة من جديد، ما دمنا نلعب داخل حلبة النظام الدولي المتصهين الذي تترأّسه و تشرف عليه مباشرة الولايات المتحدة الأمريكية، و بطريقة غير مباشرة إسرائيل و الصهاينة المنتشرون في جميع أنحاء العالم و الذين لهم نفوذ رهيب في الكثير من الدول و بالطبع عند بعض الدول العربية، و لا يخفى على أحد أنّ الكثير من النخب السياسية في الولايات المتّحدة الأمريكية يأتمرون بأوامر الصهاينة و يعملون جاهدين على إرضائهم، فالصهيونية هاته الأيام تسيطر على كلّ السياسات و التوجّهات في معظم الدول الفاعلة و النافذة في النظام الدولي العالمي و كل الآلات السياسية و الحزبية في الولايات المتحدة الأمريكية تقع تحت الضغط و التسلّط الصهيوني و لم تتمكّن إلى اليوم من الإفلات من سطوتهم و التحرّر من نفوذهم.
و كما هو معلوم في السياسة لا مجال للعواطف و الارتجال و الاندفاع، بل إنّ السياسة هي فنّ تحقيق الإنجازات و النجاحات بأقل الخسائر و التضحيات، وهي فنّ التعامل مع الممكن و براعة التجاوب مع المتغيرات، و هذا ما لم يفهمه زعماء السلفية و من يتّبعهم من الشباب المغرر به المندفع و المتحمّس، و هنا يكمن الغباء و الحمق و البلاهة السياسية عند الكثير من النخب العربية و بالطبع من بينها الكثير من القيادات السلفية، فقد دفعوهم للقتال ضد النظام و ورّطوهم في حرب الهدف منها استنزاف الشعب و الوطن و الجيش السوري.
- فقد كانت النخبة السياسية العربية حمقاء و غبية سياسيا عندما حارب بهم الغرب الصليبي العثمانيين و بعد ذالك احتلهم و سيطر على أوطانهم و فعل فيهم الأفاعيل و نهب خيراتهم و ثرواتهم...
- و قد كانت النخبة السياسية العربية حمقاء و غبية سياسيا عندما دعموا صدام و حاربوا الشعب الإيراني بعد ثورته علي الشاه و تسببوا في تقتيل الآلاف بل مئات الآلاف من الشعبين المسلمين و استنزفت الدولتين و الغرب و الصهاينة هم المستفيد الوحيد من تلك الحرب.
- و قد كانت النخبة السياسية العربية حمقاء و غبية سياسيا عندما تلاعب بهم الكيان الصهيوني بعملية السلام الموهومة الذين مكنته من مزيد التوسع و تثبيت أقدامه في الأراضي العربية ببناء المستوطنات.
- و قد كانت النخبة السياسية العربية حمقاء و غبية سياسيا عندما دعموا أمركا في حربها ضد صدام و عندما مكنوها من الدخول إلى المنطقة و بناء قواعد عسكرية فيها.
- و قد كانت النخبة السياسية العربية حمقاء و غبية سياسيا عندما تآمروا و لم يدعموا المقاومة في لبنان و غزة و كل التآمر و الغدر المحلي و الغربي تمكنت المقاومة من الانتصار و ذهب العملاء إلى مزابل التاريخ.
- و هم اليوم يتمادون في الحمق و الغباء السياسي بإشعال نار الفتنة و الإقتتال و التدمير و استنزاف الشعب و القطر السوري و يقدمون خدمة مجانية للغرب و الصهاينة و يحققون لهم ما عجزوا عن تحقيقه بأنفسهم على امتداد العشرات من السنين الفارطة.
و في كلّ الحالات و مهما كانت النتائج، أي إن تمكّن النظام من سحق المقاتلين أو تمكّن الثائرون من إسقاط النظام، فالعرب سيكونون هم الخاسرون، و بالتّالي يمكن القول أنّ النظام الدولي المتصهين قد تمكّن من استنزاف الشعب و الوطن السوري و دمّر الجيش السوري و تخلّص من الشباب المتحمّس لقتال الصهانة و من يدعمهم في دول الغرب و تمكّن من سحق كلّ من له نية التصدي لمشاريع الإدارة الأمركية في منطقتنا العربية على الأراضي السورية بجنود و أموال عربية و دون أن ينفقوا فلسا واحدا أو يتكبّدوا أي خسائر في الرجال و العتاد و النفقات، كما أنهم تمكّنوا من كشف و إظهار كل من له نية التصدّي للمشروع الصهيو-أمركي في عالمنا العربي و الإسلامي و إن لم يلتحق بالمقاتلين في سوريا و مالي، و بعد انتهاء الحرب في سوريا لا شكّ أنّهم سيؤلّبون عليهم الأنظمة بعد عودتهم إلى أوطانهم و سيطالبون بمحاكمتهم و إيداعهم السجون، و عندها ستكون المواجهة بينهم و بين السلطات في أوطانهم و سيتسبّبون في انتشار الفوضى و انعدام الأمن و الاستقرار و بالتالي ضرب التنمية و الازدهار و بالطبع العرب هم الخاسرون في النهاية.
كاتب و محلل سياسي
Comments
8 de 8 commentaires pour l'article 65253